سؤال كان مطروحاً دائماً على الكتّاب والأدباء والمفكرين والعلماء والشعراء والموسيقيين والمثقفين بشكل عام، سواء المحافظين منهم أو المثقفين الثوريين بمختلف أجناسهم وألوانهم وانتماءاتهم. سؤال كانت الصديقة والصحافية الارمنية اللبنانية - الاميركية ميمي ميلكونيان وهي موسيقية تعمل في مجلة "نيويورك كونسرت ريفيو" المتخصصة في النقد الموسيقي الجاد والصادره في نيويورك "قد لفتت نظري اليه كهشتاغ مُتداول بكثره في أميركا منذ حوالي ٤ سنوات حيث تعددت الاجابات عليه في اميركا بين المفكرين والكتاب والفنانين. واقترحت عليّ السيدة ميلكونيان يومها أن أرسل لها جوابي بالانكليزيه كمساهمة خاصة مني لتنشره يومها في المجلة. اليوم وبعد فترة الحجر من آفة الكورونا التي تجتاح العالم لتعيد تشكيله على تغييرات جذرية ستطال كل حياتنا، ومنها الاجابات المختلفة على تلك الاسئلة الاساسية الكبرى تغيرت وباتت مختلفة! اليوم اقتنعت بأهمية الاجابة على تلك الاسئلة ولو باختصار بناءً على المتغيرات الكبرى التي ستطال كل شيء في حياتنا. عسى إجاباتي هذه تكون تشاركية Interactive مفيدة وباعثة على التفكّر. حسناً إذن، لنبدأ بِالسؤال الاساسي: "لمن أكتب بعد الكورونا ولماذا؟! الحقيقة أنني لا اخجل بل ولا أخشى شيئاً أبداً حين اقول بالفم الملآن أنني أكتب لنفسي أولاً وأخيراً، ولا يهمني أبداً إن فهمني أو لم يفهمي أحد آخر، وسواء أحبني في إجابتي او لم يحبني ايضاً! أكتب بشكل عام لنفسي الوحيدة، لأفهمها أحياناً ولتفهمني أحياناً أُخَرْ! أكتب لغايتين وجِهتين مختلفتين تماماً، لأُناس حمقى أولاً، ولاصحاب الذكاء الشديد ثانياً! أما الحمقى، فلانهم يثيرون شفقتي، ولأصحاب الذكاء لانهم غدوا محبطين جداً بعد الكورونا واثناءها كأنهم لم يكونوا يتوقعون ما حدث. علماً انني كنت اشعر به قبل حدوثه بل احسست انه جاء حتى اقل حِدّة مما توقعته، ربما لرحمة الهية ما زلنا نجهلها! وبالتالي هؤلاء الاذكياء لا يثيرون الآن شفقتي فقط، بل لم يعودوا أبداً ليثيروا حسدي بذكائهم، ذاك كما كانوا يفعلون في ماضي ما قبل كورونا حيث غدوت الآن أرثي لحالتهم البائسة هذه كثيراً!
اكتب لاني اصبحت اكثر وحدة مما سبق لدرجة تذكرني بروبنسون كروزو الذي عاش في رواية رمته وحيداً في جزيرة منسية أثارت اسئلة عابرة في خيال ومتاهات فتيان المدارس الابتدائية. اكتب أحياناً لاقول لنساء كثيرات بأني أُحبهنّ كثيراً، ولطالما تمنيت لو شاركنني العيش في تلك الجزيرة بعيداً عن متطلبات هذا العالم الاحمق بنزواته ومغرياته ومتطلباته المالية التي لم تعد تنتهي! أكتب لأُؤكد لهنّ بالصوت الملآن إنه ليس عيباً ابداً ان يحب الرجل الصادق اكثر من امرأة واحدة كما تعتقد أكثر النساء انه خطأ او خطيئة! ورغم اني املك كل الوسائل والافكار لإقناعهُنَّ بوجهة نظري التي تتبنى هذه الظاهرة المُزعجة لهُنّ، فإني احب أن احتفظ بشرحها للقليلات النادرات القادرات على استيعابها والنظر اليها برزانة قادرة على ادراك الحِكمة لرؤية ما فيها من ضرورات وحقائق صعبة لا تتقبلها ثقافة القطيع! أكتب أحياناً لقلة من النساء اللواتي أصبحن كأكثر الرجال يثرن نفوري لتشابههنّ الخارجي بعمليات التجميل الكثيرة التي تكاد تمحي الفوارق والخصوصية في سر الله المُلقى في دواخِلِهِنّ ، لِتتميّزْ به الواحدة عن الاخرى بخصوصية سرها وروحها وصوتها ورسمها ورحيقها ونورها وكل ما خُلِقت خصيصاً به لتكون من تكون مميزة بأُحاديتها. أحياناً أكتب لأُحارب خوفي الواقع على مسافه غامضة، غير متساوية ولا مستوية وهي تبتعد وتقترب من الحياة والموت بغرائبية غامضة. الموت الذي لن ينأى عن كونه لغزاً لا يُدرك إلا بعد حصوله بحتمية التسليم بحرية التنقل الالهية بين حالات وجود روحانية تسعى لترف الروح اكثر منها لتحقيق السلامة المصطنعة للجسد كما نفهمها خطأ نحن البشر حين نبالغ دون جدوى في دفع الاقساط المرتفعة لشركات التأمين على الصحة والحياة والحريق والغرق والمرض وكل اشكال التلاشي! اكتب لأني اعتقد أن الله ابي وامي وصديقي، ومن واجبي ان أحميه من سوء فهم هندسناه له نحن البشر الحمقى بغبائنا وأنانيتنا! على رأسنا كان دائماً وسيبقى الملوك والحكام ورجال الدين وخبراء التربية ومدراء المصارف واساتذة المدارس والعلماء والحقوقيون والمحامون والأطباء والوزراء والنواب! وهنا اريد أن اسألهم جميعاً وعلى رأسهم رجال الدين هذا السؤال: هل حقاً خلقنا الله على مثاله كما إدّعت الكتب؟! سر جواب هذا اللغز الازلي أخذ مني وقتاً طويلاً لأفهمه، ولكني حتماً لن ابوح به لأحد منهم خصوصاً انه كان لآفة كورونا فضيلة أن تفضحهم امام رعِيتهم رغم الفارق بين حجمها الميكروسكوبي و كِبَرْ وعظمة حجم ممتلكاتهم ومصارفهم وسُلُطاتهم ومصالحهم المرتبطة بالسياسيين والمافيات. بعد كورونا، سأكتب بكل ما في قلمي من مكر وعمق وبلاغة لأُشيح بأنظارهم عن تفسير سر هذا اللغز المعقد بمستويات وموجات تركيبة ليبقى سليماً ومُمَوّهاً عن نزواتهم وتجاراتهم وعن كل اسرار ما يربط وعي البشر بالمؤسسات الدينية المختلفة المتصارعة شكلاً على انها وحدها دون غيرها هي الممثل الشرعي الوحيد والاصيل لالله على الارض! أي أنها هي ابي وامي على هذه الارض التي يتنازعون عليها ليحاصروها بالحروب والتلوث والاجرام واليُتم! ولعلمي أيضاً أنّ أكثر القوم لا يستحق ترف ولا شرف الحصول على هذه المعرفة التي ستبقى مسؤولية قبل أي شيء آخر! ولذلك سأسعى دائماً بعد كورونا لأُصحح ما علّمنا اياه اهلنا وأساتذتنا وزعماؤنا وحكوماتنا في المدارس والجوامع والكنائس والجامعات والكتب والصلوات لاقول إن المدارس غدت مثلها مثل السجون، ممتلئة بِسِعة متعارف عليها من الجهل الذي ينشر الظلام بالف شكل ولون وظاهرة. من هنا تنشأ حاجتي للكتابة بعد كورونا من شعور بكوني مسؤولاً عن العِباد بكل اطيافهم وأجناسهم وطبقاتهم. نشأت عندي هذه الحاجة فجأه لعدة أسباب لا أريد كشفها الآن، لِأني أُفَضِّل الصمت عملاً بنصيحة صديقي وابي وامي الخالق جلّ وتعالى عن صداقة وأبوة وأمومة أحد لأنه هو القدير البارئ الكامل ( والذي يعلو لا يُعلى عليه) ، لكنّه ولسبب اجهله ما زلت اذكر تلك اللحظه الآسِرة التي خلقني فيها ليستودعني عبرها القليل من أسراره التي أيدني فيها بروحٍ منه. روح منه لِتُذكِرني دائماً بالاسرار التي لم يبح بها لكم. قال لي لحظتها مشدِداً على انها لي وحدي، ولا يحق لي كشفها حتى لبقية أخواتي الذين كانوا منضويين منذ قرون في ما كان يُعرف قديماً بأخوان الصفاء وخلاّن الوفاء كائناً من كانوا وحتى اشعارٍ آخر سيأتي بأمرٍ منه في أوانه! أما آخر ما اذكره قبل ان يودعني الى رحلتي الارضية هذه بينكم، هو أنه علمني حب التفكر والإنصات والوحدة ودربني عليها كلها بالصمت حيناً، وبكثرة الكلام وحب الأدب والشعر والموسيقى احياناً أُخَرْ. وقبل لحظة وداعنا بقليل وبلهفة ابوية أودعني أهم تلك الاسرار وأخطره! وذلك بالضبط قبل ان يودّعني كما تودع الام ابنها الوحيد الذاهب الى الحرب. ربّت على كتفي وهو يضع سبابة إحدى أياديه الابوية الكثيرة والممتلئة بأُمومة خارقة لا يمكن وصفها بأي لغة، وضع سبابة يده على وسط شفتي العليا حيث أَحدَثَ فيها عمداً تلك الكوة الصغيرة المستديرة كنصف كره تحت انفي مباشرةً لتذكِّرني دائماً عندما انظر الى وجهي في المرآة بسر الاسرار الذي أخفاه داخلي عمداً لأحفظه في صمتي و ثرثراتي، كما وضع قسم آخر منه في إخوة آخرين لا اعرفهم، خصوصاً ان منهم اضعف البشر وأقواهم وابسطهم نفساً واعمقهم وأقَلّهم صمتاً وأكثرهم جلبة وضوضاء، اي بالضبط مثلي انا الممتلئ بكثير من الاشياء والأسرار والتناقضات التي أتعمّد تناسيها وعدم السعي لتذكّرها لتمر بينكم بسلام وانا أتفقد بصمت ما لن تدركونه فيكم الآن، ليس لاني لا أريد كشفها، بل ببساطة لأن آوانها لن يأتي قريباً على ما يبدو، فأنتم وللأسف ما زلتم ثابتين في سيركم كالقطعان خلف جهلكم واهلكم ورعيانكم الطائفيين من زعماء ومشايخ ومطارين ومفتين واديان رغم علمكم بأنكم خُلِقتُم كمشاريع الهة، واننا جئنا الى هذه الارض بهدف تحويلها الى ما يشبه الجنه، والاخطر من كل هذا وذاك هو في كونكم تعلمون ان الله واحد وتصرون على أحقيّة اديان كثيرة تستلبكم وتحثكم على التفرقة، فتُثبِتون بذلك انكم قاصرون وفاقدون للقدرة على الخيار الحر كما على الخلق والابتكار. لكن ربما سيأتي يوم واكشف بعض هذه الاسرار لابنتي وزهرتي الصغيره إيزابيل لو بَقَيْت اشعر كما دائماً بأنها ستكون مؤهلة لتحمل سرّ الخالق الضائع في وجداني لأجلٍ مسمّى. لعله الشغف الصامت خلف تلك الكوة في منتصف شفتي العليا ينتظر اللحظة والاشارة المناسبة لينتقل بسرّي وروحي الى سرِّها وروحها الجميلة الوادعة حيث سنبقى نتظر ان تلتقطوا عدوى تلك الاسئلة التي ما زلتم تتجاهلونها حتى ساعة قدوم هذا الفايروس المتناهي في صغر حجمه الميكروسكوبي امام كبر ما وصلنا اليه من خراب وفساد وإفساد وحروب وقوانين تشرّعها كلها بلا خجل روادع!