1- النافذةُ حيوانٌ أليف
النافذة تنصت جيداً للظِلالِ
تلك التي تبقى،
حتى بعد أن يغادر أصحابُها
الظلال التي تنمو على جلدِ الشمسِ،
لتصير أغنية يردّدها الشرود.
كلما ارتطم المنظر المكررِ
لأول مرة.. بفتاة تسرح شعرها
خلف النافذة.

النسيانُ عبارةٌ عن ذاكرة فوضوية ضخمة،
يجمع في جرابه
ذاكرة الناس،
لذلك لا أعتقد أني أفقد ذاكرتي
كلُّ ما يحدثُ
له علاقة بالسهوِ
واسترجاع أشياءَ
لا تخصني

2- يسقطُ يابساً من جوفِ غيمة
لأن الطريقَ صارت أضيق من فكرة الخطوة،
لأن الورقة الصفراء صارت أوسع من الغابة،
لأن رئة العصفورِ باتت أكبر من السماء،
كالملقى تحت اسمه،
يهذي بلونِ البكاءِ
وطعمِ الخوفِ،
يسقط يابساً من جوف الغيمة.
أيها البحرُ المولودُ في الثالث عشر من مارس،
يا وجوه البحارة الملتصقة بين أسنان الغرق،
أيتها المراكب المُنحازة لأناشيد الوداع؛
ما زالت البنت العادية
تنتظر فوق ركام جسدها
شعباً غجرياً من النجوم البيضاء،
وكتاباً لسركون بولص
يُبرر لها
لماذا اسمه وحده
لا يزال ينتشر كالجثث المتحلّلة في ليلها؟
لماذا يكون دائماً.. هو الرجل الآخر..
كلما تعرفت على رجل آخر؟
ولماذا لم تتعرف حتى الآنَ على الرجل الوحيدِ
الذي عرفته جيداً؟


يَانْ تْرِيكْ ـــ «طبيعة ميتة» (زيت على لوح سنديان، 1648)


3- كان فمك بارعاً بالقتل
قبِّليني
لينضجَ القمرُ
في دمِ الليلِ
وتسيلُ شرفاتُ المدينةِ
تنهيداً وأمواجاً،
لتضم النافذةُ
الغابة،
وتضم الصدفةُ
البحرَ،
وأصيرُ طرياً
كجدرانِ السجونِ
كمخالبِ الذئابِ
ومِعولِ الحانوتي
في الحرب.

4- طيبةٌ كخطيئة
أنتِ من تبلّلين عروقَ الزهرِ
وتمسحينَ عرقَ الأشجارِ العظيمة.
أنتِ من تمنحين الملاجئ للحرائق
وترشدين القناديل في العتمة.
أنت من تفسحين المجال للعالمِ
ليبكي دون أن يراه أحد.
يا صاحبة القلب المنهارِ
الذي يشيّد
آلافَ الصباحاتِ الصغيرة.

5- غواية النعناع
المجد للغواية،
للنوافذِ ذاتِ السيقان الطويلة،
لقهقهة المساء العارية،
للأغنية الوقحةِ
التي يدندنُها النهدُ،
للسرير الشاسعِ
المزروع شبقاً،
وعيدانِ النعناعِ
للموتِ من الضحكِ
والضحكِ من الموت.
المجد لخصوبة شفتيك،
للعرق الثائر حول السرة،
للكسل وهو يصنعُ
بطولاتٍ عظيمةٍ
ضد الأجسام الميتة.

(*) منتخبات من ديوان بالعنوان نفسه، صدر أخيراً عن «دار يَسْطُرُونَ» الجيزة/مصر.

(**) بنغازي/ليبيا