صدرت أخيراً رواية الصحافي المصري أحمد غريب «كسور المرايا» (ميريت- القاهرة). وكان آخر كتاب نشره غريب مجموعة قصصية بعنوان «العنفوان» (1998) سبقتها أعمال قليلة أهمها مجموعة «خيوط على دوائر» (شرقيات- 1995) وهي قصص مشتركة مع أحمد فاروق وعلاء البربري ونادين شمس وهيثم الورداني ووائل رجب. وشكلت المجموعة بجواء أخرى إرهاصاً لما عرف بعد ذلك بجيل التسعينات. والمفارقة أن أغلب هذه الأسماء مهاجرة إلى أوروبا أو كندا، والأخيرة سافر إليها غريب بعد مروره بهجرة أولى إلى الإمارات، ومنها إلى كندا، وهو ما يسرده في روايته الجديدة.

يقسم غريب روايته إلى 21 فصلاً قصيراً تمتد على 115 صفحة هي حجم الرواية الصغيرة. يشكل كل فصل قطعة صغيرة في مرآة كبيرة مكسرة، هي مرآة المهاجر. الجيل الأول من المهاجرين يعلق في منطقة وسطى بين وطنه الأم، وبين وطن جديد ينبغي أن يتكيف معه حتى يعيش.
قبل هذه اللحظة الصريحة في السرد عن نقطة الصراع التي يحياها الراوي في مهجره، يمهد لنا غريب بفصول عديدة ترسم شخصيته التي خرج بها من مصر إلى دبي ومنها إلى الغرب. يمر على تحول المشهد السياسي في الوطن العربي، في عصر التكنولوجيا، وتحوله إلى صحافي يقدر إرسال خبر لم تمرّ عليه سبع دقائق واندماجه في المشهد الثوري المصري من خلال الفيسبوك.
يستخدم غريب في روايته سرداً ذاتياً، كأن هذه الرواية جزء مقتطع من سيرة ذاتية طويلة، يسرد فيها ملاحظات وأسئلة حول الحب والثورة والهجرة، وينتهي بسؤاله عن الصورة التي يحاول رسمها لنفسه، أو المرآة التي بدأ بها الرواية بفصل «المرايا تعكس الروح»، طارحاً سؤالاً حول كيفية معرفة الإنسان لنفسه إذا نظر في مرآة مكسورة.
في كتاب «فلسفة المرآة» لأستاذ الفلسفة المصري محمود رجب، يطرح مفهوم المرآة في الأدب بأنها إدراك الأنا أو الوعي بالذاتية من خلال إدراك الصورة باعتبارها أنا آخر، ويشترط نضج الوعي الإنساني للنظر في مرآة ذاته لرؤية الآخرين، أو النظر في ذوات الآخرين لرؤية ذاته.
ومن هنا، يتطرق رجب إلى فن السيرة الذاتية على أنها التأمل الانعكاسي للذات، أي التأمل الذي يكون فيه العارف هو موضوع المعرفة أو يكون الراوي هو المروى عليه من خلال فعل الكتابة الذي يقوم في هذه الحالة مقام المرآة. فالآخر هو مرآة للأنا تتحقق من خلال فعل الكتابة، ليصبح الكاتب نفسه هو موضوع كتابه.
أسئلة حول الحب والثورة والهجرة


وفي «كسور المرايا»، نجد غريب يتطرق إلى ذاته من خلال انعكاسات كثيرة لصورته. انعكاس على وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة، انعكاس من خلال المرأة الجنوب أفريقية التي تزوجت وهاجرت إلى «إسرائيل» ثم تركتها إلى كندا، ولديها عقدة ذنب تجاه العرب.
من خلالها يرى ذنبه كعربي تجاه الفلسطينيين الذين لا يستطيعون العودة، والسرد عن الهجرة من خلال بول العجوز من أصول فرنسية وعلاقته المرتبكة مع ابنته، في مشهد عيد الميلاد الذي تطرح فيه إحدى المدعوات سؤالاً حول علاقة الفتيات بأبيهن، فيصبح الجميع انعكاساً ممتداً للسؤال... ثم المترجم العراقي من الروسية الذي يساعده غريب في ترجمة طلبه للموظفة الكندية إلى الإنكليزية، فينظر له ويقول «أنا أيضاً مترجم يا أستاذ أحمد»، وأخيراً الفتاة السمراء التي يحكي لها عن رواية لورانس هيل «كتاب الزنوج»، ليشكل صورة كبيرة من قطع صغيرة للمهاجر حين يقول «في كندا كلنا مهاجرون».
في متن الرواية، يحكي غريب عن الحي البرجوازي الذي يقطنه، يشبّهه بحي الزمالك الراقي القديم في مصر. في «ليتل إيتالي» في كندا، تنتشر أغنية جون لينون «تخيّل». أغنية تعتبر مانفيستو لليساريين في العالم. يستعجب غريب من خيارات أهالي الحي سواء في اختيارهم لأغنية يسارية وارتدائهم لتيشيرتات طُبعت عليها صور غيفاراً بكل الألوان، أو تفضيلهم مرشحاً يسارياً في انتخابات البرلمان رغم تعارض المصالح، ويتساءل: «هل لا يزال هناك مثل هذا النوع من البشر الحالمين بعدالة وسط صعود اليمين الديني في كل مكان؟!». وتنتهي الإجابة عند أصحاب البيزنس العائلي الذين يستعيضون بعائلاتهم في بلادهم الأصلية ذات السلطة الخانقة بالتشبث بالعائلة الجديدة في كندا لتمد لهم جذراً فيها. وينتهي بتساؤله «كيف انتهى بي الأمر لتصديق الأغاني والأحلام بعدما تخطيت الأربعين، وكيف تفاديت هذا الفخ بسهولة وأنا في العشرينات من عمري؟».