«ألف ليلة وليلة» مدونتنا الطويلة، اللانهائية، التي امتزجت فيها لهجاتنا الشفوية لتنصهر في نص مكتوب لا يتوقف نهائياً عن الاستزادة من بطون أرشيف المكتبات الشرقية والغربية. إنه نصّ النصوص الذي لن نمسك بتلابيبه أبداً، ففي كل مرة، يتم اكتشاف مخطوط مهمَل أو منسي هنا أو هناك... آخرها ما كشف عنه سعيد الغانمي، الباحث العراقي في تراثنا السردي القديم، من خلال تحقيقه مخطوط «مخاطبات الوزراء السبعة» الصادر أخيراً في طبعته الأولى عن «منشورات الجمل»، مُدَقّقاً بعنوان فرعي هو: «الترجمة العربية لكتاب «سندبادنَامَهْ» من أصول «ألف ليلة وليلة»».
نسخة فارسية مجهولة من «السندباد نامه» (حكاية الوزير عن الحلواني، وزوجته غير المخلصة والببغاء)

في مقدمته لتحقيقه، يحرص الباحث على التأصيل لأول إشارة تاريخية تدلّ على اطلاع العرب على نص عربيّ للـ«سندبادنامه»، في القرن الثالث الهجري، من خلال الإخباري اليعقوبي في تاريخه، إذ يسميه «مكر النساء»، تليه إشارة المسعودي في «مروج الذهب»، تحت عنوان «الوزراء السبعة والمعلّم والغُلام وامرأة الملك»، فابن النديم في «الفهرست» في أكثر من موضع عند تخصيصه مادة عن «أعمال الهند في الأسمار»، وأبرز أنه مِنْ نسختين، كبيرة وصغيرة: «كتاب سندباد الكبير، وكتاب سندباد الصغير».
وعكس ما راج بأن الكتاب من أصول فارسية، يدافع الباحث عن فكرة أن الكتاب ولد في ظل بيئة مانويّة آراميّة، ثُمَّ نُقل إلى العربية قبل انتصاف القرن الثاني، أي قبل أن يترجمه الفرس تحت عنوان «سندبادنامه». تبقى الإشارة إلى أن هذا الجزء المكتشَف هو غير مغامرات السندباد التي كانَ يُظَنُّ أنها تلفيق من المترجِم الفرنسي أنطوان غالان، في حين أنهُ تم اكتشاف أنها، بدورها، جزء أصيل من النص العربي لـ«ألف ليلة وليلة». أما بخصوص معمار كتاب «مخاطبات الوزراء السبعة»، فهو يتألف من حكاية إطارية فريدة تَلَتْها حكايات فرعيّة، وردت على ألسنة وزراء الملك السبعة، تُشَكِّلُ ما سمّاه الباحث «النسخة المعيارية الصغرى»، مستخلَصَة من مخطوطتين من بين أربع مخطوطات اعتمد عليها في تحقيقه، وأضاف في نهاية الكتاب مُلحقاً يشمل عشر حكايات إضافية وردت في المخطوطات الأخرى، ولم ترد في مخطوطتي النسخة المعيارية الصغرى التي استند إليها.