هي قبلة الروح، أم الأرض، سرّة الأرض، سدرة المنتهى وشلّال من الشهداء، هاجر المتعبة تُعد الطعام لأبنائها العائدين على عربات المنافي، ولأولادها المغروسين كما الزيتون، كان يا ما كان تقول الحكاية دار وبيارة برتقال ونزهة البحر في عكا، وأيوب الفلسطيني يلوح للحمام بين القدس ويافا، والربيع بين بيسان والأغوار يخرج من عباءة الأم المطرّزة... ولأن حكايا العرب يحضرها الغول أو السيّاف أو العنقاء، مشوا في عام 1948 يحملون بلادهم في الأكياس إلى الشتات، وأمّ سعد تركت طبخة يومها فوق النار: «بكرا منرجع يا يمّه قبل ما تبرد الطبخة»، شاخت أم سعد لكنها لم تمت، وكان وراءها ملك يأخذ كل سفينة غصباً، يزوّر التاريخ ويعِد وَعد من لا يملك لمن لا يستحقّ. أولادها خرجوا من شاحنة أبي الخيزران في «رجال في الشمس» وطرقوا بأيديهم جدار الخزّان وبالبنادق والبالونات الحارقة.
«ماريا» للفنان الفلسطيني خالد حوراني (أكريليك على كانفاس ــــ 140 × 100 سنتم ــــ 2018)

في زمن «صفقة القرن» كلنا فلسطينيون، نكتب لترابها الذي هو من جنوب عزّ العرب على أمتار، ومن شتات أبنائها حين أقسموا سيستمرّ القتال إلى ما وراء البحار.

محمد علي شمس الدين
(فلسطين ـ بيروت)

البرتقالة
دمعة الليمونِ
أجراس
تدقّ هناكَ
من بدء الخليقةِ
بين يافا والجليلْ
والبرتقالةُ
شمسُ هذي القبّة الزرقاء
علّقها
مدبّر هذه الأكوانِ
بين القوس والميزانِ
إنْ وقعتْ
فقد سقطَ الزمانْ
ولعلّها
وجه لمريمَ نائم
في دمعةِ الشجرِ النبيلْ
فاخفض سلاحكَ
أيها الصيادُ
لا تضغطْ على الزنادِ
إنَّ البرتقالة
نجمة الإصباحِ
موسيقى
محلّقة على الأشجارِ
فاحذرْ
أن تسدّد للسماءِ رصاصةً
فتصيبَ وجه الله...
2
والبرتقالةُ
سرُّ ما بين الترابِ
وحكمةِ الأجدادِ
قالوا:
كلُّ ما حَمَلَ الترابُ مقدّس
من نطفة الشجر البريئة في تفتّحها
إلى الثمر المعلّق في الهواء
ومن فتون ديكِ الماءِ
حتى
حبة القمح النديّة في الطحينْ
ولأن ما حَمَلَ التراب هناك يشبهُه
فالبرتقالةُ طفلة زرقاءُ من يافا
مصوّرة على طرف الغصونْ
سوداءُ من فــرطِ الخديعة، ربما
صفراءُ من فرط الجنونْ
فاقرأ على الأطلالِ
فاتحةً
من العهدِ الخؤون
واجلس هناكْ
في السرّ
تحت شجيرة الألمِ المضيئة في الظلامِ
فإنّ أمّك يا محمدُ
أنجبتْ طفلاً سواكْ
والبث طويلاً
حافي القدمين
تُصغي
للذي
برأ الملاك بجانحين
فجاءَ مَنْ قَتَلَ الملاكْ
فاخفض سلاحكَ
أيُّها الصيادُ
واحذرْ
أنْ تسدّد للسماء رصاصةً
فتصيب وجه اللّه...
3
ولعلّ من سوّى ليوسف مهدهُ
من ضلعها
سوّى لها
بيتاً يُزارُ ومسجداً
ونطوفُ سبعاً حولها
حتّى إذا
وَجَدَ الرواةُ
بأنّ ما ذكروهُ
أعجب ما يكونُ
وأنّه
ما اصفرَّ
أو ما احمرَّ منها
لم يكنْ إلا توهُّج قلبها
سكتوا طويلاً
واستداروا نحو سامرهم وقالوا:
إنّ ما نرويه
ليست
برتقالة.

شوقي بزيع
(فلسطين ـ بيروت)

لن أدلّ الكلام عليها
لتأويل ما سرَّبَت من غموض تضاريسها
حجُبُ الظنّ،
أو لانتشال الكنايات من عقمها،
وهي أوسع من كُنيةٍ لبلادٍ
وأوسعُ مما تقول الظنون
وهي مهدٌ عميقُ التجلّي لرفد المعاني
بمجهولها،
حيث يُسرى بأفئدة الخلق
نحو اختبار الحياة التي اختَلَّ ميزانها
بالقرابين أو بالزنازين،
أو بقُلامةِ شمسٍ تضيء تضاريسها
عتمة القابعين وراء حديد السجونْ
وهي الأرض موؤودةً
تتقمص في لحظة الكشفِ
ما تشتهي أن تكونْ
ولهذا لا أقول اسمَها
كي أُعرِّفَ ذاك المضيقَ الذي يَصِلُ
النهرَ بالبَحر
بل كي أوائم نقصانها في التجسّدِ
مع توقها المستقيم إلى الاكتمال،
وكيما يضمِّد أوصالَه بالحروقِ
من ائتمنوها على كنز أحلامهم،
ولتكتبته باشتعال الحصى
حلَمات السواقي،
ومن فقدوا النطقَ بالحشرجات،
وتكتبه الأمهات بضوء العيون
ففلسطينُ، أبعد مما تشير الخرائط،
أبعد من وَجْهها في الأساطير
مُفتَتَحٌ للولوج إلى عالَمٍ لم تمسَّ براءاتهُ
والتفاتة شعب من اللاجئين
إلى قُدسِهِم رُكَّعاً،
وهي جفر الغياب الموارى
وراء حقول الأسى،
ومكان لتنمو الجبال الصغيرة
والعشب والناسُ جنباً لجَنْبٍ،
وكيما نعودُ إليها إذا أزِفَ الوقتُ
كي نتّقي بالدموع مذاقات غصّاتها
ولنطفو، ولو غرَقاً، فوق ماء بحيراتها
ولنكلأَ جرحى جبين التراب المهيضِ
ونحرثُهُ ميّتِينَ
ولو بالجفون
لن أدلّ الكلام عليها إذن
كي أعدّ لياء اسمها ما يساندها من هوى،
أو أصيِّرَ من غُنَّة النون في آخر الاسمِ
طُعماً لذئب الحنين
فهي عين قصيدتها المستعادةِ
من حسرة الشعراء القدامى
ومن فطرةٍ غير مفطومةٍ عن روائحِ
سُمّاقها المشتهى،
وهي ما ليس ينفُذ من أرجوان الغروبِ
الذي وشَّحتْهُ البيوتُ بقرميدها،
والنسيم الذي يتعهّدُ ولهانَ نوم السنينْ
وهي عربدة الياسمين على شرفات الحنينْ
ولذا ليس ينقص هذي القصيدة
إلا اجتراح تباريح للرمز
أعلى من الامتثال إلى عصَبٍ عاقرٍ
في غثاء الخطابةِ
أو شطط سافرٍ في كلام المديح،
فما من بلادٍ تحِنُّ إلى سِفْر تكوينها
في كتاب الوجود المقدّس
إلا وتعني فلسطين،
ما من حطامٍ لأندلسٍ تمّ خسرانها في الزمنِ
وظلَّ بريق مناراتها يتوغَّلُ ظمآنَ
في لجج الدمِ
إلا ويعني فلسطين
وما من حشاشة قلبٍ
تبادلها عاشقان على مذبح الوجد
إلا وتعني فلسطين
ففلسطين ليست قبلة لانهماك الجمالِ
بتأليف نصب له
من رخام العناء
ولا حجّة لتبرجّ أنشودةٍ
بزؤان الصراخ الملفَّق في واجهات الغناء
ولا هي في عمقها محض جغرافيا
من هواءٍ وطين وماء
ولكنّها توقنا للعروج المصفّى
إلى سدرة الروح في منتهاها الأشفّ
ورغبتنا في الإصاخة، حافين من كل صوتٍ،
إلى أنبل التمتماتِ
التي رفعتها الحناجر فوق النعوشِ
لتبلغَ أُذن السماء
وهي ما يستعين به الوحي
كيما يعيد النفوس إلى رشدها
كلما نقص الحُبّ في الأرضِ
أو أُفرغت من بهاء مزاميرها
جُعب الأنبياء
وهي لو لم تكن لتوجّبَ تأثيثها
من سراب التمني،
ومن حاجة الكائنات إلى آية للظهورِ
ومن حاجة الاعوجاج الى الاستواءِ
لن أدلَّ الكلام عليها إذن
كي أُعرَّفني بالمرايا التي طالما اصطدتُ
من سنديان انعكاساتها في مروج الخيالِ
بزوغاً لأوّلِ عطرٍ شممتُ،
وأول أنثى عشقتُ،
وأول وادٍ تعهّدني بالنواح،
وأول جائحة للخسارات واكبها بالزغاريد
جناز طفلٍ قتيل
وأنا من تهجّى صغيراً
تفتّح نيرانها البرعميّ،
ومن زوّدته رياحينها بالطراوةِ
والخفرِ الصلبِ
واستودعته شجيراتها الواقفات على الأفقِ
سلسلةً من هضابٍ
وصفّ نجوم طويلْ
وأنا من ولدتُ
على بُعدِ خمس سواقٍ وعشرين مذبحةً
من ثراها العليلْ
وأنا من رعتهُ أغاني النساء
الطرية حدَّ الدموع
بأصوات من واصلوا حفرهم بالأظافر
تحت الترابِ
لكي يبلغوها،
ومن سقطوا دون أسماء صلصالها المرّ
جيلاً فجيلْ،
وأنا من تحامت ذراها شتاءاته بالسيول
فلا قطرة من مياهٍ
جرت في عروق الجنوب النحيلةِ
إلا وقد رفدتها بأشهى الغيوم اخضراراً
جبال الجليلْ
فهنا حيث يغدو الجنوب شمالاً
لما خزّنته فلسطين من عائدات الأغاني،
ويغدو الجنوب شمالاً
لمن أشعلوا النار فوق التلالِ
لكي يهتدي الشهداء بعناقهم
وهي تخطو إلى الضوءِ
ناهضةً من رماد العصور
تتلاقى عظام الضحايا على طرفيِ الحدودِ
وتسند ظَهرَ القبورِ
القبورْ،
هنا ليس يطلق نسرٌ جناحيه
فوق روابي كفر برعم المستعارة من حاجب الشمسِ
إلا ويترك ظلّاً لهُ
في أخاديد سهل الخيام،
وما من قصيدة شِعرٍ تعهَّدَ مطلَعَها
بحرُ حيفا بموج البداهةِ
إلّا وأكمَلها بحرُ صورْ
لن أدلَّ الكلامَ عليها إذن
غير أني سأرفو بإبرة آلامها
ما تناثر من لغتي
فوق رمل سواحلها المستباح
ربما لن يُقدَّر لي لثْمُ تلك البيوتِ
المواراةُ جدرانُها خلف أسلاكِ
برْق أريحا اليتيم،
ولن أستطيع ولو مرّةً أن أشذّب رمّانها
من لِحاء اليباس،
وزيتونَها من سموم التخلّي،
وقد لا أشاطرُ أقمارَها الانعقادَ على جدولٍ
من مياهٍ قُراحْ
ولكنني،
يا تراباً وهبْناه أنبلَ أبنائنا...
والتحفْنا بأثدائهِ رضّعاً
وبأشواكهِ صبْيةً
وبأثلامهِ عُجّزاً،
سوف أضفُرُ صوتي بأعتى الرياحْ
لأسألك الآن:
كم من مسيحٍ علينا انتَشالُ انتظاراتهِ
من سفوح القيامةِ؟
كم من غروبٍ ذبيحٍ علينا اختراعُ احمرارٍ لحنّائهِ؟
كم حداداً علينا تلقُّفُه بالسواد،
وكم نجمةً تتحلّقُ من حولها سُرّةُ العالمينَ
تَوجَّب أن تمّحي كي يُطلّ الصباحْ؟
وهل ثَمّ من مطْهرٍ للعبور الى مهدكَ الأمّ
لم نمتحنْهُ بأكبادنا،
أو سراديبَ لم نغْشَ أنفاقها بالأظافرِ،
أو ثلّةٍ من شقائقَ لم نلتفتْ نحوها بالجراحْ
وكم من شموعٍ سنوقدُ؟
كم من شهيدٍ سيسقطُ؟
كم من ربيعٍ سيوأَدُ حيّاً؟
لكي يخرج اللهُ عن صمتهِ،
بعد أن نفَخَ الروحَ فيها،
وأعْلَنَها قِبْلةً ومصلّى
وأيقونةً للرؤى،
ثم أَسْلَمَها لمخالب أعدائها... واستراحْ

فخري رطروط
(فلسطين ـ نيكاراغوا)

أن تكون شاعراً فلسطينياً فإنه مطلوب منك أن تقاتل الآلهة أولاً، ثم نصف العالم، الآلهة التي سرقتْ هذه الأرض وأعطتها لبني إسرائيل، ستمضي حياتك مفكراً في سبب عداء الآلهة لنا منذ بدء الخليقة.
مع أن الخريطة الوحيدة في الكتاب المقدس تحمل اسم فلسطين، ستمضي حياتك خائفاً أن يقطع داوود ورجاله عضوك ليكون ضمن مهر ابنة شاؤول.
■ ■ ■
في إحدى المقابلات مع صحافية إسرائيلية قال محمود درويش:
 الشعب الذي ليس لديه شاعر كبير هو شعب مهزوم، طروادة لم ترو قصتها، ومن رواها هم الشعراء الإسبارطيون، وأنا أبحث عن شاعر طروادي لأسمع القصة منه، الفلسطيني مشهور في العالم بسبب عدوّه الإسرائيلي المشهور.
■ ■ ■
الفلسطينيون لا يحبون القلاع ولا الحدود ولا مخافر الشرطة ولا الثكنات.
ولا المنابر ولا الخيام ولا الأمم المتحدة ولا الأمم المتفرقة ولا المفاتيح الصغيرة والجديدة ولا الطاولات المستديرة ولا الأزقة الضيقة ولا مقابر الغرباء.
فقط يحبون نباتات محمود درويش، نباتات المنفى سريعة النمو؛ لأن كل شيء موقّت في حياتنا.
■ ■ ■
الفلسطينيون، تبكيهم نكتة:
ستكون لكم مخيمات لاجئين في صحراء الأعراف بين الجنة والجحيم.
■ ■ ■
كانوا دائماً في أقسام الوثائق وعلى الحدود يطلبون مكان مسقط رأس الوالد لتمييزك، هل أنت أصلي أم لاجئ فلسطيني، مع تناسل سنوات النكبة يطلبون الآن مسقط رأس الجد، بعد خمسين سنة سيطلبون مسقط رأس جد جدك، كفلسطيني عليك أن تحفظ شجرة العائلة جيداً، ستلزمك كثيراً فيما بعد.
■ ■ ■
صديقي محمد روحي يحتفظ بكندرة
جدته، تقول إن عمر هذه الكندرة أطول بسنتين من عمر إسرائيل.
■ ■ ■
يقولون إن الفيلة تحسّ بالموت وتعود لتموت في موطنها الأول، هذا القطيع لا يصلح لقيادته إلا شاعر فلسطيني.
■ ■ ■
لك ميزة وحيدة
شجرة عائلتك ستكون بكل لغات العالم وجذورها تمتد لكل العالم.
الوحيد الذي يمتلك مقابر الأرقام
 لك في كل سجن في العالم أخ سجين
تُسمى الشهور بأسماء المجازر وستكون كلها سوداء وليس أيلول فقط.
الوحيد الذي يعرف الفرق بين النكبة والنكسة
والنازح واللاجئ
 تعطي أرقاماً لتمييز الفلسطينيين، حسب سنة الهزيمة، فلسطينيو 48 وفلسطينيو 67 و.....
الوحيد في العالم الذي يمتلك أوراق أراض ومفاتيح بيوت لم تعد موجودة ولا تعترف بها الآلهة ولا الناس. 
الوحيد الذي يميز نوع الطائرة من سماع صوتها
الوحيد الذي لديه ثأر مع حرف F والأرقام المحيطة به، لا فرق إن مت تحت ظل F16 أو F15
■ ■ ■
حطّم الإسرائيليون رأس جدي الأوّل بسبب وشاية كاذبة، عاش بعين واحدة، بلا حواس 
كان لجدي بغل أصيب بطلقة جندي إسرائيلي وظل يعرج طوال حياته، كلما اشتم رائحتهم فى القرية من بعيد هاج وماج، صورة جدي محطَّم الرأس فوق بغله الأعرج، هذه أول صورة للاحتلال استيقظتْ عليها طفولتي.
جدي الثاني هاجر إلى أميركا الوسطى قبل ١٠٠ سنة، عاد بعد سنوات ليستقر في فلسطين ومعه مخدّة عليها أحرف مطرّزة كذكرى من حبيبته الكوبية نيليا، ثم تزوج من فلسطينية وأسمى ابنته البكر نيليا، ظلت المخدة تتوسط الصالون،
لا يجرؤ أحد على لمسها، حتى جاء الجنود الإسرائيليون لتفتيش البيت بعد عام ١٩٦٧، وبسكين شقوا المخدة، هي المرة الوحيدة التي شوهد جدي فيها باكياً، بعدها عاد مباشرة إلى أميركا الوسطى ثانية وظل هناك حتى عاد آخر سنة في عمره ليموت في فلسطين.
■ ■ ■
أثناء عبور الحافلة نهر الأردن نحو فلسطين، تسمع طقطقة جسر الحديد، لن يفهم هذا الصوت وما يثيره من حنين وحزن إلا الفلسطيني، هذا هو الصراط المستقيم.
■ ■ ■
الكل يريد تحويلك إلى:
  رقم، ديناصور منقرض، فينيق، عميل، أسطورة، لاجئ، إرهابي، أسير، ضحية، نازح، شهيد، شاعر مقاومة، اختر لك ما يناسبك.
■ ■ ■
ماذا يعني لك الرقم 67؟
ربما عدد حبات أناناس تم بيعها
ربما  وضعية من وضعيات الجنس
ربما عدد فناجين شاي فارغة في مقهى
ربما عدد دواوين شاعر رديء
ربما عدد القطط في زقاق ما
ربما عدد البيض في ثلاجة
ربما عدد أحذية امرأة جميلة
ربما عدد النقاط في لعبة ورق الشدة
ربما عدد أوراق في دفتر
ربما عدد سجناء مفقودين
ربما عدد ضحايا في مجزرة
ربما عدد اﻷوطان التي خسرناه
حسناً، ماذا يعني لك الرقم 48 أو 70 أو 76 أو 82...
■ ■ ■
أحبكِ كما يحبُ الفلسطيني فلسطينه.
■ ■ ■
الفلسطيني فيلسوف يريد إقناع الماء بأنه أوكسيجين وهيدروجين وبإمكانه الطيران والسفر

نصر جميل شعث
(فلسطين، النرويج)

الجسر،
آهٍ من قوس الرُّعب والمَحبّة.
سأحبّك
إلى أن ينكسر الحديد.
والندى،
يا لاسْمه
هو دائماً مع زواله.
تلزمني ورشة حدادة
وملْزمة
أضغطُ بها كتابَ الأسئلة
إلى أن تنكسر يدها.
■ ■ ■
أجري وراء حديقةٍ عبرتُها
فركضَتْ أمامي، لتحظى بي من جديد.
وأنا في داخلي شغفُ الوصول إلى صحراءَ
مقيمةٍ كالأبد في كتابٍ،
أو كالشّمس في الذَّهب.
■ ■ ■
أنا من الجوارح.
كلّما رأيتُ في البرّ وفي البحر ما أشتهي؛ حلّقتُ بعيداً.
أعرفُ أنّني سأخسر،
ولكنّها طريقتي في الفرح بحِدّة البصر.
■ ■ ■
جالساً أمام الموقد.
كلّ ما أرجوه من الحياة كلمات،
في جودة ملابسَ رياضيّة،
خفيفة الوزن،
وتُدفِّئُ الراكضين في الليالي الباردة.
■ ■ ■
أوّل جرح كان في الكفّ
بسبب الرغبة فى تناول الأشياء،
وليس في القدم
بسبب الرغبة في الذهاب إليها.
■ ■ ■
الفرحُ
قليلٌ وشفّاف،
مثل بِرَكٍ صغيرة على سطح منزلنا؛
سببُها خطأُ البنّائين
في ضبط انحداره.
والفرحٌ
زوابعُ صغيرة،
لا تصل العمقَ وتصل المحيط؛
سببُها النطّ على الحبل في نهارٍ شتويّ مشمس.
زوابع صغيرة،
تُرقّصُ مشابكَ لا عملَ لها على الحبال،
وتُطيّرُ الظلالَ بعيداً
عن أفواه المزاريب.
■ ■ ■
راجعتُ قصائدَ
كتبتُها وأنا بعيدٌ عن حياتي
بضعةَ أمتارٍ،
كغريبٍ
عن مِظلّة مَحطّة الحافلة؛
لطالما وقفَ وحيداً
خارجها.
ولم تقلْ كلمةً في حاله لغةُ المُسنّين،
فهو حُرٌّ، أوّلاً،
وصغير.
■ ■ ■
لطالما قبضتني الحياةُ من ذراعي،
واشتكت لي من طبعي.
ولطالما لامني أصدقاء، لم توافقهم سرعتي في المشي، ونبّهوني بالضرب على كتفي:
لا تنسَ أننا خرجنا من بيوتنا لنتنزّه.
■ ■ ■
أساور وأقراط كثيرة
على الطاولة،
أساور وأقراط
متشابكة ومتباعدة.
لا ليست أساورك
ولا أقراطك.
إنها آثار الأكواب التي شربت بها
وأنا أفكّر بك.

حسام معروف
(فلسطين ،غزة)

ماء الله
شارع في القدس،
يقلّد التاريخ في مشيته،
يرفع النور كأنه جذره،
وينتظر ماء الله؛
ليتشقّق القيد.
الحرية هنالك عالقة بين الغصن والتراب،
وهل يجفّ غصن له أهل؟
سوق في القدس،
ينادي صوتًا عربياً قديماً: أنت معرفتي، موسيقاك على الجوانب، سند لحوائطي.
تموت الرصاصة بعد قليل، ويبقى العربي يصدح بالأغنية.
هي ذاكرة المدن، تُصنع من الصوت الحر، لا من بساطير الجنود.
طير في القدس،
يقف على سبطانة البندقية،
يطلق الجندي الرصاصة،
يحمل الطير دم الضحية،
ويخبئه في عشه،
زيتًا يضيء المدينة.
المعبد في القدس،
شجرة السماء المنزلة،
تتنفس خطى العابد؛
فلا تموت.

تغريد عبد العال
(فلسطين، بيروت)

قرب مكتبة أبي
كانت فلسطين تسهر معنا كل يوم
تأتي في المساء
وتجلس مع قصائد توفيق زياد
لم يكن لوركا سوى أغنية بعيدة
أخذتني مع الغيم لأشارك الغجر رقصتهم
بينما بقي البيت مكانه
وفلسطين بقيت هناك
وأنا لم أجد تلك الأوراق التي
أخذتني بعيداً.
■ ■ ■
كل شيء نائم إلا النوم
إنه نفسه
يتربع على يقظة وبين فاصلة عجوز
وعلى قامة جندي
وبين ركبتي مسعف حذر.
■ ■ ■
الفسفور
اختبر نفسه على عيني ملاك
فافتقد قدرته على الاستمرار.
لأن الملاك لم يمت
وقال إن الملائكة لا ترى بالعيون
للملائكة وجه بشري وآخر مؤجّل في النار
ويستمر الاختبار.

سلطان القيسي
(فلسطين، عمان)

أريحا أول الدنيا،
أريحا آخر الأشياء،
في الحزن الكبير،
وفي الرحيل، وفي الرجوع،
وفي الكتابة، والصبابة،
حين قلبكَ يفتح الأسرار والقصص القديمة،
حين خوفكَ يغلق السِّيَرَ العظيمةَ والحقائب،
حين ترسب ذكريات الأهل من زمن العمالق في الدماء،
تجيء من قمر أريحا، ثم تفتتح البكاء.
لماذا تبدأ الدنيا من الوديان معتبة،
وتصعد فوق أكتاف الجبال كأنها سيل يفيض ولا يفيضْ؟
لماذا حين نغرق في الكلام عن الحضارات العنيدة،
تطلعين من الشفاه كما النشيدْ؟
وأنتِ الوعد بالموت الطويل وأنتِ لعنات النبي، وأنتِ ماؤك مالح، ويداك سوداوان، متعبتان من صكّ السيوف ومن نحاس الأولين.
ومن دموع الخارجين إلى دموع العائدين.
تمسدين النهر:
«لا أحدٌ يجرّب ربَّه أبداً، فجربْ أن تعود، وجرب الدنيا وراء النهر، أو في الما وراء»
لا شيء بعدك، أنت وحدك يا أريحا الحقُّ،
والباقي تجاربْ،
لا شيء قبلك، كنت واقفة إزاء اللهِ،
والدنيا خرائبْ
أريحا أول الدنيا،
أريحا آخر الأشياء!
Top of Form
Bottom of Form

علي أبو عجمية
(فلسطين، رام الله )

القدسُ عاصمة المستحيلاتِ سبعاً،
على تاجها في الحليبِ المُرصّعِ بالشمسِ:
أُخت الرَّضاعةِ، والأمُّ، واللاجئُ الطاعنُّ السنّْ
وقوسٌ على زمهريرِ الحجارةِ
في كفّها المطريّةِ تلكْ،
والرّجالُ
على فطرةِ الروح تقلعُ أسنانها؛
في الجِنازةِ:
تستودِعُ السجنْ
عنابرُ للجُندِ تحت القلاعِ؛ تُحيّي على العاجِ تابوتها.
يا فراديسُ: قلبي جحيم الحضارةِ،
لكن يدي تعقدُ الزيفَ بالزيتِ؛
زيتونها بالسّلاح،
وأعلى مقاتلةٍ في الوصيفاتِ
تبتاعُها «صفقةُ القرنِ»،
لا تشتري مُلكَها بالهواء العزيزِ
ولا صرخةٍ في الحقائبِ مكتومةٍ.
صُحف النومِ لا تقرأ الليلَ،
تسعى إلى روثها في الحظائرِ
لا رايةٌ من قُماشِ العذارى لتلبسها في الزواجِ المُشرّدِ
لا موعدٌ كي تحاصرهُ - بالزّمان- الحواسُّ التي في الدُّمى
والشواهدُ في الدمّ.

شذا أبو حنيش
(فلسطين، رام الله)

ها أنا أعود إلي
محملة بغبار التخلي
والحنين
كم صرت أشبهني
الآن
غير أن فرقاً شاسعاً بيني وبيني يمنعني من الوصول
كفرت بالطرقات كأيّ تائه
بالمرايا كفرت أيضاً
فكلما نظرت في مرآة لم أجد وجهي
ضالة أنا كطريدة هاربة
من رصاصة صياد
عبدت روحي
فآمنت ونمت
لطالما انتظرت قصيدتي كما ينتظر الأطفال هدايا العيد
وقفت على الباب
مددت يدي
سلّمت على الشعر واستسلمت له
كأنني أنثاه
كأنه رجلي الوحيد والبعيد
حملت لغتي في قلبي
كما الحب
ولم أخن يوماً فكرتي عن الوجود
ها أنا أعود إلي
كاملة كالوحدة
ناقصة كحلقة مفرغة
أنا ابنة الخسارات الثقيلة
ربحت الخفة
وانتصرت لجسدي
حين هزمتني الندوب
أيها الكون الضيق
اتسع لي
يا حياة راقصيني قليلاً
فربما ملت نحوك
وربما نسيت أن أموت.

محمد ناصر الدين
(فلسطين، بيروت)

أنتقي بيضة Kinder
من رفّ في السوبرماركت
أفعل ما يفعله الصغار تماماً:
أنزع بشبق الغلاف الأبيض والبرتقالي
أغمس أصابعي بسرعة في الشوكولا
أضغط بيدي على بيت اللعبة البلاستيكي
أشطر البيت البلاستيكي قسمين
أخرج ورقة التعليمات:
الخطوة الأولى: أضع هيكل الطائرة الصغير على الطاولة.
الخطوة الثانية: أغرس الجناح الأيمن في هيكل الطائرة.
الخطوة الثالثة: أغرس الجناح الأيسر في هيكل الطائرة.
الخطوة الرابعة: أركّب الإطارات في أسفل الطائرة.
الخطوة الخامسة: ألصق غرفة القبطان، مقصورة الدرجة الأولى
وغرفة المضيفات بالمكياج الكامل على جسد الطائرة
الخطوة السادسة: أثبّت ذيل الطائرة.
الخطوة الأخيرة: أرسم رجلاً بكوفية حزينة
أسمّيه وديع حدّاد
يخطفها إلى فلسطين.