سأخطر يوماً بتلك الدروبِوإن في جسدٍ آخر
■ ■ ■
ما الذي فيكِ لستُ أقوى عليه؟
ما الذي فيكِ يرعشني؟
ما الذي منكِ يتبقى
.. يا مدينة الحرية؟
■ ■ ■
في مقهى أم كلثوم كان شبّان «المدينة»
يصخبون في الضحك
يصخبون في عدم الرضى
لا يسمعون همس صاحب المقهى:
- «أية مصائر موحشةٍ أبصرها
تنبض تحت الأرائك»
■ ■ ■
وما الذي فيكِ
لا يشبه نفسه في سواكِ؟
لعله العبَق
ولمعةُ الحياة
خالدةً على خدود البنات
لعل للدروب فيك رائحةْ
تخصّنا..
المبعدون عنكِ: أرواحٌ
بلا رائحة
■ ■ ■
يكفيكِ مني، منكِ يكفيني
كونكِ لي ساحة أول حرب
وعُشَّ أول حب
■ ■ ■
كلما لبيتُ دمع التطهر
كنتِ سبيلي
■ ■ ■
أنتِ أرملتنا
■ ■ ■
من دون عنوان للفنان العراقي سروان باران (أكريليك على كانفاس ــ 170× 138 سنتم ــ 2017)

في زمن الحرب: شوارعنا حَشْرٌ
بلابسي الخاكي، وبقاتليهم
بعد الحرب: شوارعنا حَشْرٌ
بلابسي الخاكي، وبقتلاهم
كيف كنتِ تستدلين علينا
من بينهم جميعاً؟
■ ■ ■
ما يتبقى منكِ: متاع حواسٍ أبداً يضطربُ
ما يتبقى: غابات اللوعة،
حنطة الوجوه،
واستدارة الخد الباسم
- (استوكهولم – 1999)

(*) مدينة الحرية: منطقة شعبية في بغداد.

2- النشاز يتكلم
إن أحداً لا يعاقَب
■ ■ ■
ملاييننا في ملايين الدوائر الصغيرة
مواظبةٌ، أمينةٌ في الجريان
في مداراتها لا تحيد
لتؤلف الدائرة الكبرى.
تَمَلَّ: إن هذه الدوائر الصغيرة
دائمة التبدل
الوجوه فيها تختفي (تموت، تنسحق،
تُتِمّ ما عليها)
تسَلّم أماكنها وجوهاً أخرى تختفي أيضاً بعد حين.
لكن تلك الدورات كلها،
وما بين ظهور الوجوه واختفائها:
زمن خاطفٌ، لا يكاد يَبيْن
في مشهد الدائرة الكبرى!
■ ■ ■
... لكن أحداً لا يعاقَب..!
فلهم أن يقلبوا الكأس
(لقد كانوا على الدوام يقطفون
أياً من كؤوسنا يشاؤون)
ولهم أن يحصلوا من صرخة موتي
على النغمة المطلوبة لنشوتهم
فحتى هذه اللحظة، لم يعاقَب منهم أحد.
نحن نراهم: وهم يتباهون أمامنا بقدرتهم
على تركيع قمرنا
وإغواء شمسنا لكي
لا تشرق سوى عليهم!
(هل تذكر المهرجان المسرحي؟
أما رأيناهم وهم يُنَطّقون الخواء؟)
أترى؟ إن مقولات اليونان الأولى مقلوبة
والبديهيات مثقوبة
فيما النشاز يؤسس انسجامه
حيث اللامعقول يفرض سطوته
أترى يا صاحبي؟ تصبح أنت النشاز..
يداكَ تفلتان الحبل فتهوي...
دون أن يعرف العالم، دون أن يعرف أحد.
أنت مَلغيّ بدءاً من اللحظة الأولى في وجودك
وهذه الجريمة
لا يعاقَب عليها أحد!
ليس لأن أحداً لا يعرف
نحن نعرف، لكننا ننسى فور أن نعرف
نحن نشهد، لكن – من فرط متعتنا – نُنكِر!
وفي النهاية يشرف الجلادون والضحايا على نهر التاريخ
مرددين معاً:
- لكن العالم يمضي
■ ■ ■
ها نحن الآن ندرك
أن أحداً لا يعاقَب
وأن الدائرة الكبرى
لا بد أن تدور، أن الدائرة الكبرى
إن هي إلا اجتماع تلكم الدوائر الصغيرة المنسية
وأن أفضل حياة لنا
هي تلك التي تمنحنا نافذة بسيطة
مطلة على الدائرة الكبرى
لكي نفهم.. ليس غير!
- (بغداد 1998)