ترجمة: مجاهد مصطفى[إلى ذكرى صالح علماني]

1. أندريس نيومان: استياء [الأرجنتين]
تحتاج فيوليتا إلى ثلاثة كيلوغرامات إضافية، تجعلني أسقط في شرك حبّ جسد ما. بينما أنا، بالمقابل، في حاجة دائمة إلى ثلاث كلمات، تحتاجها فيوليتا لكي تتوقف عن سماع بداية وقوعها في حبي.

2. أندريس نيومان: السعادة [الأرجنتين]
اسمي ماركوس. كنت دائماً أحلم أن أكون كريستوبال. ليس معنى ذلك أن اسمى كريستوبال. فَكريستوبال هو صديقي، أريد أن أقول إنه من أفضل أصدقائي. بل هو صديقي الوحيد. أما زوجتي غابريلا، فتحبني بعمق، لكنها تنام مع كريستوبال، وهو رجل ذكي، واثق من ذاته، يمارس فن الرقص بطريقة لا تضاهى. إنه فارس وبطل بالمصطلح اللاتيني. يطهو كريستوبال من أجل النساء، لكي يقضمهن. يمكن أن نقول إن غابريلا هي خطيئة كريستوبال الفاتنة. سيعترض شخص ما بالقول إن زوجتي تخونني. بعيداً عن ذلك، كنت أرغب في أن أكون كريستوبال. ولهذا الغرض، لن أقف مكتوف اليدين، وسوف أتدرب على أن لا أكون ماركوس، منخرطاً في أخذ دروس في الرقص، منغمساً في الدراسة بشكل جدي. أعلم أن زوجتي تحبني، ذلك أن حبها لي أكبر من نومها مع كريستوبال، الذي أريد أن أكونه. بصدر مفتول وأجوف، تنتظرني زوجتي غابريلا بيدين مفتوحتين. هذا الشغف الذي يغمرني بالفرح المقرون بتنفيذ استعمالات تكون في مستوى آمال غابريلا. وفي يوم ما سوف تأتي اللحظة، لحظة حب راسخ طالما قامت غابريلا بتهيئته، من خلال خيانتها لكريستوبال، واعتيادها على جسده، مزاجه وأذواقه، لكي تكون أكثر اطمئناناً وسروراً ممكنين، عندما أصبح مثل كريستوبال، ونتركه كلانا، وحيداً.

3. إدموندو باز صولدان: الباب المغلق [بوليفيا]
دفنا أبي. كان الحفل بهيجاً، تحت سماء مرشوشة بخيوط من فضة، وحرارة صيف خانق في فترة ما بعد الظهيرة، ترأس الكاهن القداس بشكل مؤثر أمام تابوت من خشب البلوط، بينما ينعشنا بالماء المبارك، وهو يحاول إقناعنا بأن الحياة الحقيقية تبدأ من هنا. وضع الزوار باقات زهور قرب التابوت، وهم يمسحون وجوههم بمناديل معطرة، ثم بدؤوا في إلقاء خطب مضجرة، وهم يشيدون بجود وسخاء أبي مع جيرانه، متذكرين حبه المثالي لزوجته وأبنائه وكذا مجهوداته الكبرى من أجل التنمية المحلية. ثم شرعت مجموعة من الموسيقيين في غناء «العودة الإعلامية» تلك الرقصة المفضلة عند أبي: «لقد رحلت لأنني أريد ذلك، وعندما أرغب، سوف أعيدك، أعرف أن رقتي تفتقدك، ذلك لأنه سواء أحببت أو كرهت فأنا سيدك». بدأت أمي وإخوة وأخوات أبي يبكون. وحدها أختي امتنعت عن البكاء، حيث حملت في يدها غصن ياسمين وهي تستنشقه بهيئة غائبة. لقد كانت تجسد الرصانة، بفستانها الأسود وشعرها الكستنائي الطويل المعقود نحو الأعلى.

أورتيغا مايلا ـــ «حَرَكَةٌ» (أكريليك على قماش، 1990)

رغم ذلك، كانت ماريا — البارحة صباحاً — في حالة متغيرة. رأيتها، من خلال الباب الموارب لغرفتها، وهي تمسك السكين الخاص بتقطيع الخنازير، بهذه اليد التي تحمل بها اليوم غصن الياسمين، وهي تغرزه بشراسة في بطن أبي، مرة تلو الأخرى، حتى خرجت أحشاؤه وسقط مغشياً عليه. بعد ذلك، خطت ماريا وهي نائمة، تلتمس طريقها نحو سريرها، وارتمت فوقه وبيدها السكين، ثم بدأت تبكي، كما يفعل الأطفال، بكثير من الهلع واليأس كأنها رأت شبحاً. إنها المرة الأولى التي أراها تبكي. اقتربت منها، وواسيتها بالقول أن لا تقلق، وأنني هنا من أجل حمايتها. أخذت السكين منها وذهبت لكي أرميه في النهر. لقد قتلت ماريا أبي لأنه لم يحترم الباب المغلق قط. كان يلج غرفتها عندما تذهب أمي إلى السوق صباحاً، وأحياناً أخرى عندما كانت أمي تذهب لزيارة صديقاتها، بعد الظهيرة، أو ليلاً، بعد تأكده من نوم أمي. فمن خلال غرفتي، كنت أسمعهما، أسمعها تقول له إن باب غرفتها مغلق، وتحذره بما سيؤول إليه الوضع إذا ما تمادى في أفعاله، لكنه لم يحترم قرارها. وقد حصل ما حصل. بدأت ماريا تستجمع شجاعتها، إلى اليوم الذي كان فيه السكين هو خلاصها الوحيد. سوف يعرف الناس ما وقع، إن آجلاً أو عاجلاً، في هذه القرية الصغيرة. ربما كانوا يعرفون، بالمقبرة، ما أعرفه أنا بالذات. ولكن بدافع هذه الالتزامات الاجتماعية الغريبة، كان عليهم أن يتصرفوا بهذه الطريقة، كأن شيئاً لم يقع. بينما تبكي أمي، لكي تتخفف من هذا الثقل العظيم. فهؤلاء الزوار الذين يمدحون أبي، شعروا بتحسن كبير عندما قاموا بدفنه، وحتى القس الذي وعده بالجنة، هل كان يفكر في الجحيم بالنسبة لهذا الجسد الضعيف الملقى بالتابوت؟ ربما كان كل ساكنة القرية يعرفون ما أعرفه، ولكن يبقى ذلك غير مؤكد ما داموا لم يصرحوا به. لكنهم سيقومون بذلك بمجرّد أن يحتسي أحدهم الخمر، ويفتح المجال للكلام. ربما سيكون على الواحد منهم أن يتكلّم أولاً، ولن أكون أنا بالطبع، لأنني لا أريد أن أكشف ما أعرفه. لا أريد أن تعود ماريا مع أمي إلى المنزل، وهي تعض غصن الياسمين، وبجبهتها المبتلة الصارمة، جراء الحر القاسي لهذا الصيف، وتفعل بي ما فعلت بأبي، وذلك بأن تغلق باب غرفتها علي.

4. خوليو كورتاثار: تعاسة رجل [الأرجنتين]
عند خروجه من حديقة، لاحظ رجل أن ساعته اليدوية معطلة. بتعاسة، يرى الرجل جماعة من الناس تصعد زقاقاً، في الساعة الحادية عشرة، بينما هو، الكائن الأخضر المبتل والأشعث، فالساعة تشير لديه إلى الحادية عشرة إلا ربعاً. بتفكير عميق قال الرجل: «لقد تأخر الوقت ولكنّه أقل تأخيراً من وقت الآخرين. فبالنسبة لهؤلاء هناك خمس دقائق تأخير، يعودون إلى منازلهم متأخرين، ينامون متأخرين. أما أنا فأمتلك ساعة تتميز بحياة أقل، بمنزل أقل، بنوم أقل، فأنا رجل مبتل وتعيس». تناول الرجل قهوته بإحدى المقاهي، وغمس خبزه المحمص في دموعه الطبيعية.

5. خوليو كورتاثار: رجل ونسر [الأرجنتين]
انقض نسر بسرعة البرق على رجل يتجول وحيداً، حيث قام بمحاصرته أمام جدار من الغرانيت .قال النسر للرجل: — أتجرأ على القول بأني قبيح المنظر؟ الرجل: — أنت من أجمل الطيور التي لم أر شبيهاً لها من قبل في حياتي. النسر — قل أفضل من ذلك. الرجل: — أنت أبهى من طير الجنة. النسر — أتجرأ على القول إني لا أحلق عالياً؟ الرجل: — أنت تحلق فوق القمم العالية، أسرع من الصوت وتطير خارج الغلاف الجوي. النسر: — أتجرأ على القول إن رائحتي كريهة؟ الرجل: — رائحتك طيبة أكثر من لتر عطر جَانْ مَارِي فَارِينَا. النسر: — سحقاً. ليست هناك وسيلة لكي أوجه إليه ضربة محكمة بمنقاري.

6. خوليو كورتاثار: رجل ووردة [الأرجنتين]
وجد رجل وردة وحيدة وسط الحقول. كان ينوي قطفها ولكنه اعتبر ذلك قسوة مجانية، فَجَثَا أمام الوردة ثم شرع في اللعب معها، بفرح غامر، حيث بدأ في مداعبة بتلاتها، والنفخ عليها لكي تتمايل راقصة، ويطن عليها كنحلة، ويشم عطرها وأخيراً نام تحت ظلها في سلام كبير. تأملت الوردة في الرجل قائلة «إنه كوردة».

مصادر النصوص
1, 2. Andres Neuman: Le bonheur ou pas, Cataplum éd., 2010.
3. Frontières: anthologie de nouvelles hispano-américaines, Presses universitaires de Lyon, 2003.
4, 5, 6. Julio Cortázar: Nouvelles, histoires et autres contes, Collection Quarto, Gallimard, 2008.