لا تقف الرواية الجديدة «انعتاق الرغبة» (المركز الثقافي للكتاب ـ الدار البيضاء) للكاتبة المغربية فاتحة مرشيد (1958) عند إشكالية الجندر والتحوّل الجنسي فحسب، بل تتجاوز ذلك لتمتدّ إلى انتقاد المجتمع الذي يعيش فيه الفرد حالات قد تبدو للأغلبية خاصةً ومعزولة، وبالتالي مرفوضة، أو على الأقل ينبغي ألا تتجاوز دائرة التستّر والإخفاء. تناقش الرواية الإرث الاجتماعي والديني، وتفتح باب الأسئلة بخصوص العديد من التيمات، أبرزها احترام الخيارات النفسية للآخر، والدفاع عن خصوصية الفرد. لذلك، جاء العنوان منسجماً مع ما تذهب إليه الرواية من طروحات، حيث «انعتاق الرغبة» هو في الأساس انعتاقٌ من قارورة مغلقة هي الجسد، وهي أيضاً نظرة المجتمع إليه. تتوقف الرواية أيضاً عند الطاقات التي يهدرها الفرد في معارك خاطئة، الفرد القادر على انتقاد المجتمع، ومعرفة تفاصيله، لكن الجاهل أيضاً لنفسه، والعاجز عن النظر إليها، وتحويل النقد الخارجي الجاهز إلى نقد داخلي منتج. تعمل فاتحة مرشيد على تفكيك الموروث الثقافي الشعبي، ونقد المتداول الاجتماعي القائم على طمس المشاعر والانحياز لثقافة الأغلبية، الرافض للاختلاف والداعي إلى حياة نمطية متشابهة، يبدو فيها الخارج عن السرب عاقّاً وغير مرغوب فيه. سيكتشف عز الدين متأخراً أنه لا ينتمي إلى الجنس الذي تمثله صورته الفيزيولوجية. سيصارح زوجته التي سترفض الوضع وتطالبه بالرحيل. لذلك سيقوم بتصفية تركة والده ويؤمّن مستقبل ابنه، ثم يغادر باتجاه بلجيكا وبعدها كندا لكونها بلدانا «تكنّ اعتباراً للمتحولين». بعد سنوات طويلة، يتلقى الابن رسالة من والده تشرح له أسباب الرحيل. رسالة مكاشفة قد تكون جارحة، لكنها أيضاً صريحة ومؤثرة، خصوصاً حين سيعلم الابن أن والده فارق الحياة، وأن الرسالة كانت بمثابة وصية. عن الرواية الجديدة وغيرها من الأعمال، يدور هذا الحوار مع فاتحة مرشيد التي وصلت إلى أرض الكتابة شاعرةً، إذ أصدرت في البداية دواوين عدة من بينها: «إيماءات»، و«ورق عاشق»، و«تعال نمطر»، و«أي سواد تخفي يا قوس قزح»، قبل أن تتحوّل إلى الرواية سنة 2007. إذ ستصدر «لحظات لا غير»، لتعقبها روايات أخرى هي: «مخالب المتعة»، و«الملهمات»، و«الحق في الرحيل»، و«التوأم». لكنها لم تغادر الشعر، بل أصدرت في موازاة أعمالها السردية مجاميع شعرية أخرى: «آخر الطريق أوّله»، «ما لم يُقل بيننا»، «اِنزع عني الخطى»، فضلاً عن كتب أخرى في القصة والمجال المهني. يحسّ متتبع مسار فاتحة مرشيد أنها تغلق عليها ورشتها الأدبية، مؤمنةً في ذلك بأن الكاتب عليه أن ينشغل بما تكتب يداه، لا بما يوجد بعيداً عنهما. لذلك يلمس قارئ أعمالها هذا الدأب الواضح في تحولات الكتابة لديها وفق مشروع يؤكد أن الكاتبة تعرف تماماً ما تريد.
لنبدأ من الصفحات الأولى لروايتك الجديدة ««انعتاق الرغبة». يقول الأب في رسالة إلى ابنه: «منذ وعيت بالدنيا وأنا سجين جسد ليس لي». عادة ما تقف الروائية العربية في صف الدفاع عن قضايا المرأة وتسعى إلى الكشف عن معاناتها والانتصار لها. علامَ راهنت فاتحة مرشيد وهي تذهب بعيداً عن هذا المنحى، لتطرح مسألة الجندر، ولتفتح بالتالي ملف الجنس الثالث؟
- بدءاً، حبذا لو نبتعد عن التعميم. لأن كل تجربة إبداعية هي تجربة إنسانية متفردة إن لم نقل استثنائية. والإبداع لا جنس له، وحساسية المبدع غير مرتبطة بجنسه (مذكر أو مؤنث) ولكن بالفنان داخله. إنها مسألة إبداع ومرجعية ثقافية، لهذا أنا لا أتفق مع تسمية الكتابة النسائية. وأعتبر أنني أكتب أدباً إنسانياً لا نسائياً، أدباً ينتصر لجوهر الإنسان، كيفما كان جنسه أو هويته الجندرية، ويعبر عن معاناته في بعدها الإنساني العميق. وفي هذا الصدد جاءت رواية «انعتاق الرغبة» لتضع القارئ أمام تساؤلات فلسفية حول مفهوم الذكورة والأنوثة، الجنس والجندر، وتقربه من واقع الأقليات الجنسية.

يبدو أن الأمهات في المغرب لا تكتمل «سعادتهن إلا بإنجاب الولد». هذا ما تقولينه في إحدى صفحات الرواية. وهذا الوضع يشمل بلدان العالم العربي بشكل عام، لا المغرب وحده. هل ترين أن التفكير العربي ما زال ذكورياً رغم الخطابات المبشرة بالحداثة والتحول الاجتماعي والثقافي؟
- هذه المقولة تعبر عن واقع ثقافي واجتماعي يرث فيه الذكر ضعف الأنثى، مع أن مسؤولياتها لا تقل عن مسؤولياته، فيصبح إنجاب الذكر بمثابة تأمين مادي يحصّن هذه الأم والأخوات من جشع الأقرباء الذكور. هل التفكير العربي ما زال ذكورياً؟ أجل وسيظل في غياب ثورة ثقافية حقيقية.

بورتريه للشاعرة بعدسة الفوتوغرافية الفرنسية إليس أورتيو كامبيون في الوداية في الرباط


يعود الأب إلى طفولته ليسرد لابنه في الرسالة إياها بأن سعادته كانت تكتمل حين كان يجد نفسه مع أخواته في الحمام العربي الخاص بالنساء وهو دون الخامسة، ثم لاحقاً وهو يرتدي ملابس أخته متقمصاً شخصية صديقتها. هل كنت تحاولين النبش في الماضي لتبرير الحاضر على اعتبار أن الظواهر السيكولوجية لها منابع أساسية في طفولة الإنسان؟
- أعتقد أن الرواية كانت واضحة في هذا الصدد وبيّنت علمياً بأن التحول الجنسي ليس نتيجة تربية معينة، بل هوية جندرية يولد بها الشخص، وأن الإحصائيات العالمية تقرّ بأن معدل وجود حالات العبور الجنسي هو أكثر لدى الذكور بحيث واحد في كل ثلاثين ألف رجل يحسّ في أعماقه بأنه امرأة، فيما واحد من كل مئة ألف امرأة تحس أن لها روح رجل. وسعادة عز الدين وهو يرتدي ملابس أخته، كانت نابعة من إحساس داخلي بمصالحةٍ ما مع جسده، مع أنه لم يكن بعد واعياً لطبيعة هويته الجنسية.

هناك أيضاً حضور للتمثل الديني في هذه المسألة، فحين دخل الأب ووجد ابنه يرتدي ملابس أخته، نهره قائلاً: «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. الرجال لا يتشبهون بالنساء، وإلا نزلت عليهم اللعنة». كيف تنظر الروائية إلى الخطاب الديني الذي يبدو حاسماً وصارماً في موضوع التحول الجنسي؟
ــــ الخطاب الديني في موضوع العبور الجنسي ليس حاسماً ولا صارماً كما قلت، بل يخضع لتأويلات رجال الدين ومدى إلمامهم علمياً بظاهرة العبور الجنسي. لهذا نجد دولاً إسلامية مثل إيران تحتل المرتبة الثانية عالمياً، بعد تايلاند، في عمليات تغيير الجنس، لأن فتوى الخميني كانت واضحة ومكّنت العابرين من المصالحة مع ذواتهم. كما أن مصر اهتمت بالموضوع وحصل فيها بعض المتحولين على إذن من الأزهر لتغيير الجنس. المسألة مسألة اجتهاد من طرف علماء الدين والأطباء على حد سواء، وهذا ما لم يحصل بعد في المغرب، مع أن الدار البيضاء في السبعينيات والثمانينيات لغاية 1987 كانت قبلة للعابرين والمتحولين جنسياً. كان فيها أشهر طبيب: الدكتور جورج بيرو الذي كان يأتيه المشاهير من العالم بأسره، إلى مصحة الحديقة لإجراء عمليات تغيير الجنس.

عودة إلى الرواية، سيسافر الابن إلى «قرية المثليين» في كندا، حيث عاش والده المتحول جنسياً بعد خروجه من بلجيكا. وحين سيلتقي بفادية الشابة التي كانت تعيش تحت رعاية والده، سيتراجع انتقاده لهذا الأخير. يبدو تعاطفك مع شخصية الأب الذي ينتمي إلى الجنس الثالث تعاطفاً واضحاً ومطلقاً، وأحياناً تنوبين عن شخصياتك في إبداء هذا الموقف، وفي توجيه النقد للمجتمع وللعالم الخارجي. ألا تخافين الوقوع في المباشَرة؟
ـــــ تعني تعاطف السارد مع والده بعد رفضه له في البداية. باختصار شديد وحتى يستطيع من لم يقرأ الرواية بعد أخذ فكرة عن الحكاية: السارد، وهو جراح تجميل، سيكتشف عبر رسائل تصله من مجهول، السرَّ الذي دفع والده إلى الرحيل من المغرب من دون رجعة، والتخلي عنه وهو لا يزال طفلاً في عامه الثاني، وهو كونه متحولاً جنسياً، امرأة في جسد رجل. هذه الرسائل التي خطها والده والتي ستصله بعد وفاته، ستحفزه على السفر مقتفياً خطى هذا الوالد عز الدين ليتعرف على وجهه الآخر بعدما قام بتغيير جنسه ليصبح «عزيزة». رحلة انعتاق السارد اتخذت صبغة التعلم، لأن كونه جراح تجميل لم يعفِه من جهله بعالم الأقليات الجنسية. تقول عزيزة: «لا أحد يشك في كوني أباك البيولوجي، لكن ما أسعى إليه هو أن أكون أباك الروحي». من هنا سيسهم الأب من خلال السفر بابنه عبر تحليل الذات والمجتمع، في تعبيد الطريق أمامه للخروج أو الانعتاق من أسر السائد والمألوف وتجاوز ثقافة الكسل والتلقي السلبي. كل ما قيل فرضته دينامية السرد، والروائي ليس منظِّراً، وليس عليه أن يبدي رأياً أو يصدر أحكاماً أخلاقية، هو يحكي حكاية يشترط فيها أن تكون ممتعة، وأن تحترم ذكاء القارئ باستفزاز الأسئلة بداخله، وجعله يجتهد في إيجاد أجوبته الخاصة.
تضع الرواية أمامنا تساؤلات فلسفية حول مفهوم الذكورة والأنوثة، الجنس والجندر


أريد أن أسألك عن ردود المتلقي العربي بعد بضعة أشهر من صدور الرواية من خلال لقاءاتك المباشرة مع القارئ، أو من خلال وسائط التواصل الحديثة، خصوصاً فايسبوك وتويتر. كيف تقرأ فاتحة مرشيد ردود القراء، خصوصاً أننا ننتمي إلى مجتمعات عربية محافظة على الأقل ظاهرياً؟
ـــــ قد أفاجئك لو قلت بأنه ليس لديّ لا تويتر ولا فايسبوك شخصي، والصفحة التي تحمل اسمي إنما فتحها قرائي، وأنا أشكرهم على كرم اهتمامهم. أما اللقاءات المباشرة التي كانت لي مع طلبة الجامعة، خصوصاً شعبة العلوم الاجتماعية، و«جمعية أصدقاء الفلسفة»، فقد خلفت لديّ إحساساً رائعاً بتعطش شبابنا لكتابات تتجاوز لغة الخشب، وتخوض بصدق وحرية في ظواهر يعرفونها ويصادفونها في حياتهم اليومية، ولكن لا أحد يجرؤ على الخوض فيها. إنه شباب العولمة والانترنت الذي تفتحت عيونه وعقوله على ما يجري في العالم، ولم يعد يطيق هذه السكيزوفرينيا التي يفرضها عليه المجتمع. لقد كانت أسئلة القراء خلال اللقاءات ذكية وفي مستوى عال من الدقة والفضول المعرفي، وتفوق في جرأتها كل توقعاتي. واتضح لي أن مفهوم الجرأة نسبي وهو يتقلص كلما تفتحت عقولنا واتسعت زوايا نظرنا إلى العالم، لأن الجهل بالأشياء يؤدي حتماً إلى الخوف منها وبالتالي محاربتها. ومعاناة العابرين جنسياً مضاعفة. فعلاوة على كونهم يعيشون في جحيم يدفع الثلثين إلى محاولات الانتحار جراء هذا الانفصام الذي لا يطاق بين أجسادهم وأرواحهم، هم كذلك ضحايا خوف المجتمع من الاختلاف، وهو طبعاً خوف عن جهل.

جاء في ظهر الغلاف على لسان الشخصية أن الأمل ليس هو الحياة بل الرغبة، كيف ذلك؟ وهل الرغبة تقيّد الإنسان أم تحرّره؟
ــــ أجل الأمل انتظار والرغبة حركة. الآمال لا تصنع المعجزات، الرغبات هي التي تصنع المعجزات لأن الإرادة وليدة الرغبة لا الأمل. أما عن الرغبة التي قصدتها في العنوان «انعتاق الرغبة»، فهي الرغبة التي قال عنها الفيلسوف سبينوزا بأنها جوهر الإنسان وماهيته، والرغبة التي قال فيها سرفانتس «أنا أحيا برغبتي في الحياة». الرغبة التي أقصد هي الرغبة في الحياة، وهي الرغبة الأساسية، لأنه لا حياة من دون الرغبة فيها. ومنها طبعاً تتناسل باقي الرغبات.
بهذا المفهوم، فالرغبة التي جاءت في الرواية هي التي تحرّر الإنسان، لكن عليه أن يحرّرها أولاً، لأن المجتمع العربي بمعتقداته وسلطاته يقيّد رغبات الفرد، لكن الأسوأ هو عندما يقيد الفرد رغباته بنفسه، ويعيش للآخرين ويستبدل رغباته برغباتهم، لأن «الأسوأ ليس ألا ننتظر شيئاً من أحد، ولكن ألا ننتظر شيئاً من أنفسنا» كما جاء في الرواية.

يلاحظ القارئ تأثير الطب على مجمل أعمالك، كموضوع الموت الرحيم في رواية «الحق في الرحيل» على سبيل المثال لا الحصر. كيف بنيت جسراً بين الطب والأدب؟ ومن أين جاءت فكرة موضوع العبور الجنسي في رواية «انعتاق الرغبة»؟
ــــ الروائي والمبدع عموماً يستفيد من تجاربه الخاصة، والطب بالنسبة إليّ ليس مجرد مهنة. إنه تجربة حياتية تنغرس في قلب الإنساني. وهو كذلك فن في مفترق علومٍ شتى كما يقال. كطبيبة أطفال حصل أن شخّصت حالات التباس في الأعضاء الجنسية عند بعض المواليد، ما يعرف بالتشوهات الخلقية الجنسية وهم الذين نسميهم بالخنثى. فهم بين الأنوثة والذكورة، وهذه حالات اعتنى بها الطب نوعاً ما والدين كذلك في ما يخص الإرث مثلاً. لكن هؤلاء المواليد الذين يتدخل الطب باكراً في حياتهم ويصحح جنسهم في اتجاه أو في آخر، هل هذا التصحيح سيتماشى لاحقاً مع إحساسهم الداخلي عندما سيصبحون بالغين وستكون لهم حياة جنسية؟ هل سيعكس هويتهم الجنسية أو ما يسمى بالجندر؟
هنا يُطرح السؤال، وهذا هو السؤال الأولي الذي تولدت عنه أسئلة أخرى جعلتني أكتشف مثل السارد في الرواية ـــ وفي غياب اهتمام مقررات كليات الطب بالموضوع ـــ فظاعة جهلي بعالم الأقليات الجنسية. إن كان الطب قد اهتم بحالات الخنثى، فذلك لأن البيولوجيا قد ساعدت على هذا الأمر بجعل حالتهم ظاهرة للعين المجردة. لكن الأمر يختلف بالنسبة لهؤلاء الذين لا يعانون من أدنى التباس في أعضائهم الجنسية. ومع ذلك، هناك التباس من نوع ثان، بل انفصام بين أجسادهم وأرواحهم أو أنفسهم. هذا ما دفعني للقيام ببحث في الموضوع لمدة سنتين، شكّل نواة هذه الرواية.

الدار البيضاء في السبعينيات والثمانينيات كانت قبلة للعابرين والمتحولين جنسياً (ف. م)


لم تقتصر الرواية على حالة العور الجنسي، بل نجد تعريفاً بعالم الأقليات الجنسية ككل. لماذا هذا الاهتمام؟ وإلى أي انعتاق تسعى هذه الرواية؟
- من السهل ملاحظة أنّ هناك جهلاً بعالم الأقليات الجنسية وخلطاً كبيراً بين أنواعها، ليس فقط في مجتمعنا العربي، وهذا الخلط يؤدي إلى أشياء مؤلمة: مثلاً في إيران التي تُعنى بالمتحولين جنسياً، بحيث تؤدي الدولة نصف تكاليف عمليات تغيير الجنس لكل عابر جنسي. تجبر المثليين على تغيير جنسهم للعيش بأمان (تفادياً لعقوبة الإعدام) مع أنهم ليسوا متحولين جنسياً، وهم راضون كل الرضى عن هويتهم الجندرية. كل هذه الأقليات الجنسية تعاني من خوف المجتمع من الاختلاف. فهل يحق لأحد أن يعاني إرضاءً للآخرين؟ هذا هو السؤال الذي حاولت الرواية الإجابة عنه بتقديم شخوص رفضوا لعب دور الضحايا، بحيث كل واحد من الشخوص الرئيسية للرواية خاض رحلة انعتاق ونجح فيها.
عز الدين انعتق من جسد لا يعكس هويته الجندرية، فريد انعتق من ماضيه ومن زواج كبّله ومن الأحكام المسبقة، وفادية كانت امرأة شجاعة انعتقت من ماضيها وقررت مصيرها بنفسها. على العموم، كل ما أتمناه هو أن تسهم هذه الرواية في كسر الصورة النمطية المُكرّسة في وعي الناس عن الأقليات الجنسية، وفي تبديد بعض الجهل بمعاناة هذه الأقليات التي ليست سوى وجه من وجوه إنسانيتنا المتعددة.

تبدين أيضاً مشغولة في كتاباتك بالمسألة الوجودية. يتخلل السؤال معظم أعمالك. لكنك لا تبحثين عن أسباب وجود الكائن البشري، بل يتشكلّ الأمر لديك على شكل تأملات وأسئلة تتولد عنها أسئلة أخرى. رواية «التوأم» نموذجاً. هل على الروائي أن يكون فيلسوفاً أيضاً؟
ـــ الرواية تجربة إنسانية إبداعية وفكرية تستفيد من كل المجالات المعرفية. وعلاقة الأدب بالفلسفة علاقة في توطد مستمر. لقد استفاد الأدب باختلاف أجناسه من الفلسفة واكتسب عمقاً أكثر، كما استفادت الفلسفة من الأدب لتبسيط مفاهيم معقدة ونشرها على نطاق أوسع. فما خلفه نيتشه من شعر ونثر قرّبنا من فلسفته أكثر، كما أن مسرحيات وروايات جان بول سارتر وألبير كامو جسدت بجمالية مفاهيم الفلسفة الوجودية. الرواية لها قدرة هامة على التبليغ لأنها تخاطب انفعالات كونية عند المتلقي، والانفعال يجعلنا أكثر قابلية للاستقبال لأنه «كي تخاطب العقل، عليك أولاً أن تلامس القلب». لهذا، لا شك عندي في كون الخلفية الفكرية ترقى بالعمل الإبداعي، ومتعة القارئ تكون مضاعفة عندما ينتهي من قراءة رواية ما ويحس بأنه قد كبر حسياً وفكرياً.

«كتبتُ الرواية، لكنّي شاعرة قبل أي شيء». هذا ما صرّحتِ به مرة. هل الأسبقية للشعر هنا مسألة كرونولوجية فحسب أم فيها تفضيل لجنس أدبي على آخر؟
- الشعر ليس مجرد كلمات ننسج منها قصائد. إنه طريقة عيش وفلسفة حياة. بهذا المفهوم أقول إنني شاعرة قبل أي شيء، شاعرة في الشعر وفي الرواية وفي الحياة وحتى أثناء ممارستي لمهنة الطب. وليست لدي أدنى مفاضلة بين الأجناس الأدبية. كلها تعبير عن الوجه الجميل لإنسانيتنا.