مَن لا يعرفها! هذه السباخُ الممتدّةُ إلى ما وراءِ الأفق، بحجم مدينة كبيرة، المسمّاة «مزارع الملح».
صمتٌ يسري دمُه في أوداج المكان، نغمُ الرفوش والفؤوس خافتٌ لا يبين، والأغاني الحزينة المنسربة من الحناجر المجرّحة، مبلّلةٌ بأرواح من اختفوا.
أفواه جراحِ الأقدام والأيدي كمّمها الأجاج، فما عادت تقوى على الصراخ.
ربواتٌ من البلور الأبيض، كأنّها شواهد مقبرة، تحفّها منذ خيوط الفجر الأولى، نساءٌ مؤتزرات بقطع خُضر، يقطفن دون ضجر «أزهار الملح».

علاء بشير ــ «رسمة» (فحم على ورق ـ 1991)

وجهٌ ذابل منذ عامه الأوّل:
ماذا تجرفين بعد أفول السنين، إن كانت مطالع عمرك الأملاح؟
هذه ليست سدوم الآثمة، أعمدة الملح تشي بأنّها أرواحٌ لأجساد معذّبة. هذه السبخةُ مملحةٌ مقلوبة، من مائدة العشاء الأخير، يهوذا قابض الأثمان ثلاثين بئر نفط، لا ليشتري حقل الفخاري بل يشتري نعوشاً للشباب.
هذه السباخ بقايا من أطيان الخلق، أقدم حتى من الآلهة!

* العراق