1- رقص
لو هكذا،
سأقول:
مثلي مثلك
الإحساس مشروع الحياة
فكيف نحيا دون أن نحيا؟!

فهيّا..
كي نجرّب ما نريد، ونملأ
النّفس الأخير بدهشة التّجريب
هيّا! جرّبي لغتي الجديدة
وارقصي فوق المجاز
ولا تقولي: «لا تدعني»
لن أفكّ يدي عن الخصر النّحيل
ولن أقيّد معصميك
تمايلي كفراشة في الضّوء
واحترقي بمائي
داعبي ظلّي قليلاً
حرّكي فيّ النّدى

تخطيط لحسن المسعودي: الكَرَمُ هو العطاءُ فوق ما نستطيع، جبران خليل جبران (أحبار وضِماخات على قماش، 2017)


لا صوت بي إلّاك
غنّي لي.. وغنّي لي!

-أأنت أسيرتي وأنا أسيرك؟!
-نحن أحرار وأسرى في الفضاء.

يكون ضوء خافت
ويكون إيقاع خفيف
مثل حبّ ناشئ في ظلّ أشجار الغروب

أهذه هي رقصتي الأولى لديك؟!
أرى.. أرى.. يا للبلاغة!
منذ كم والشّعر يمكن أن يكون مجسّداً أنثى؟!
ومن قال: القصيدة عندها نهدان
كالنّونين. تسكر نقطتان
على قباب النّهد؟

«تلك قصيدتي.. تلك القصيدة
من دمي.. منّي.. وعنّي..»

يا فصاحة قبّة قالت وروحي
تمطر الماء الملغّز فوقها: «إنّي أحبّك يا..
أحبّك سيّداً فوقي
فخذني.. كلّ ما في
ملكك. الآن انتشلني
من حياتي، ذكرياتي.
واملأ الجسد المحبّ
دماً جديداً منك
واخلقني كما تهوى»

أراني فيك مثل حدائق منسيّة
أقصى الشّمال.. شمال روحينا «أراني فيك مثل
معابد الهند العتيقة»
لا أريدك شارعاً أمشي به
لأصبّ مائي في النّهاية.
بل أريدك فيّ روحاً
لا تفارقني!

لنرقص..
عانقي روحي بروحك
واحتوي جسمي بجسمك
ها أنا طفل على كتفيك
يسند رأسه..
فتحرّكي.. وتمايلي..
الإيقاع يشبهنا
سنعلو فوق فوق
فالمكان خطيئة أزليّة.
لا وقت كي نخشى المفارقة الأليمة
فالزّمان خطيئة أبديّة.

[متحرّرون من الحياة وطيشها
متمسّكون بما نريد وطيشه]

هيّا! أعيريني السّعادة مرّة
هي رقصة كالضّوء في جزء
خفيّ مظلم. ويضيء منّا ما نريد
تخفّفي منّي ومنك.. تحرّري
من كلّ شيء لا يريد لنا الحياة
تطلّ موسيقى المحبّة من عل
من فوق آلات السّماء
ويشرق الحبّ البهيّ بكامل
العفويّة البيضاء.. كامل روحنا
الإيقاع منلفت كأرواح الطّفولة
لم نكفّ عن التّلاشي في البهاء
ولا نكفّ.. ولا نكفّ..

تكاثرت نغمات هذا الحبّ
حتّى فاضت الأرواح عن أجسادها

- ماذا وراء الرّوح؟
- ما ندري، ولا ندري.
- وماذا تفعل الأجساد؟
- ترقص.
- هكذا؟!
- ...

تلك المسارح لا تضيء،
ولن. فهيّا! حرّكي ساقيك
ينمو في أماكن خطونا
قمر طفوليّ.. ويسهر وحده
يرعى شؤون الحبّ.
لا ينسى التّعرّي في ظلام اللّيل..

ننسى أن نحدّق جيّداً فينا
وننسى أن نعود هنا
وننسى أنّنا ننسى
ونسبح للنّهاية
- إن وجدناها -

على قدميك تظهر منك
موسيقى وموسيقى وموسيقى
على كتفيك أعواد
على نهديك جيتار
على فخذيك نايات
فهل سيكون عازفها أنا؟

حطّي هنا.. حطّي برفق
كي أراك بكاملي
وأرى الجنون أمام عيني شاخصاً
متربّصاً: ماذا ستفعل؟
- أفعل الفوضى.

خذي جسدي وروحي – إن أردت -
دعي معي «أنت»..
الحياة سخيّة جدّاً وأنت معي
فماذا سوف تعطيني سوى هذا إذن؟

يا شعر، مشغول أنا
فالشّعر ليس قصيدة!
يا حبّ، هل تدري بما أدري؟
أنا كسحابة أعلى حمامات تصلّي
بل أنا شيء أخفّ.. أخفّ من شيء
أنا ماذا؟
فقدت حقيقتي، ووجدتها حبّاً.

أجنّ بما أرى
تلك الحقيقة لي؟!
أ هذا ما أردت؟!
-أردتك الظّلّ الملازم لي-
أأنت معي، ولي؟

هيّا..
لنرقص ما استطعنا
لن نخاف..

تطلّ موسيقى المحبّة من عل
من فوق آلات السّماء
ويشرق الحبّ البهيّ بكامل
العفويّة البيضاء.. كامل روحنا
الإيقاع منفلت كأرواح الطّفولة
لم نكفّ عن التّلاشي في البهاء
ولا نكفّ..
ولن نكفّ..

2. ماء

[لا يعتني شخص بشخص يعتني بشؤونه]

صدّقت سيرة وردة
كانت على سور الحياة
الماء يأتي باحتفاء بالغ لجذورها
فيها يقول الماء: «أنت مدينتي»
■ ■ ■
لو كان للماء اشتداد السّيف
ما كان استطاع الورد شرب الماء.
تلك براءة الماء المحايد
لا يحابي.. لا يمانع
باذل ما يستطيع لمن يجيء
ولا يريد سوى امتناع الشرّ
منّا عن حماه، وأنّ شاطئه
تنام عليه أزهار وأشجار وأحجار،
وتلهو طفلة فيه، وأن يعطوه
ما يحتاج من مدح بسيط
لا يصيب الماء بالكبر الغبيّ،
ويتركوا حرّيّة للماء يذهب أينما
شاءت غرائزه!

سيمشي
حافراً في الأرض أنهاراً وبحراً..
لا يفكّر في كلام النّاس عنه: «لا.. لا شيء! أمشي مثل ظلّ ذاهل
تتساءل الأشجار عن وجعي
فأصمت، ريثما تتساقط الأوراق».
■ ■ ■
يا هذا الذي
تتسوّل الفتيات أغنية له
تتناول النّجمات ألحاناً له
يا أيّها المغويّ في طرق الحياة،
■ ■ ■
يقول نهر شارد: «كنت الّذي يمشي خيالاً
في طريق لا يؤدّي للمراد
ولم يكن عندي متاع كي
أواصل رحلتي! شخصاً غريباً
أستريح على ظلال النّخل.
لم أسطع مناماً
من ضجيج تعارك الأغصان
لم أسمع حديث الغيم لي حتّى
ولا قول السّماء: «تعال لي»!
لم أنتبه!
لم أستطع شيئاً!
ولا شيء أطاق تجاربي»!
■ ■ ■
ويقول بئر: «كم أخاف من النّضوب!
فحينها سأظلّ وحدي ها هنا
تمضي الحياة بعيدة لشؤونها.
وحدي؛ فلا الأطفال تلهو في جواري.
لن أرى الفتيات يملأن الأواني من دمي.
لن يجلس العشّاق عندي في ظلام اللّيل
يختلسون أحضاناً وقبلات.
ولن تأتي البهائم في الغروب
لكي تحدّثني عن الأوجاع في أجسادها.
حتّى النّجوم؛ ستسهر اللّيل الطّويل
على مكان آخر».
■ ■ ■
ويقول بحر: «قد تعبت من الحكايات الكثيرة
والحمولات الثّقيلة. أسفلي يكتظّ
بالأسرار. يجلس عاشقان على شفاهي.
يجلس الولد الوحيد،
وتجلس البنت الوحيدة.
يجلس الذّكر العجوز،
وتجلس الأنثى العجوزة.
يجلس الكرسيّ منفرداً كثيراً.
لا يفكّر صائدو الأسماك فيّ
سوى لأخذ قصائدي منّي.
وفي ليل الشّتاء
سأعرف العشّاق.. عشّاقي».
■ ■ ■
تقول سحابة: «وأنا أحلّق في الأعالي.
لا أبالي بالحياة بأسفلي.
وأشعّة الشّمس الحنونة فوق ظهري
كم تدلّكني/ تدلّلني.
وأنا أغيّر منزلي دوماً ودوما..
لا سكون لديّ..
يرجو النّاس أن أهمي عليهم
حينها يجتاحني حسّ خفيّ
بالتّواضع».
■ ■ ■
كم يحبّ الماء رائحة البنفسج فوقه
ويخاف من بول المصانع
يعشق الفتيات حين يجئنه
بجرارهنّ مع الصّباح.
ومغرم بحكاية تروى
على شطّيه في وقت الغروب.
متيّم بالأغنيات عليه في ليل طويل.
لا ينام، ولا يملّ من الحياة..
سيكمل الجريان دون توقّف!

لو كان للماء اشتداد السّيف
ما كان استطاع النّاس شرب الماء.
تلك براءة الماء المحايد
لا يحابي.. لا يمانع
باذل ما يستطيع لمن يجيء
ولا يريد سوى امتناع الشّرّ
منّا عن حماه، وأنّ شاطئه
تنام عليه أزهار وأشجار وأحجار،
وتلهو طفلة فيه، وأن يعطوه
ما يحتاج من مدح بسيط
لا يصيب الماء بالكبر الغبيّ.
ويتركوا حرّيّة للماء
يذهب
أينما
شاءت
غرائزه!

(*) قصيدتان من ديوان صدر حديثاً بعنوان «سَبْعُ كَلِماتٍ زرقاء»، عن دار تبارك للنشر والتوزيع، القاهرة، 2019.
(**) السويس/مصر