على جدار في زقاق فرعي، أو كنبذة عن حياته يختار أحدهم مفتاحاً للتعريف عن نفسه في صفحته الشخصية في فايسبوك، عبارة مكرّرة «هذا الوقت سوف يمضي» ولكن هل سيمضي هذا الوقت حقاً؟هل ستختفي خصلة الشعر البيضاء التي استوطنت الرأس، وكذلك التجاعيد التي أخذت مكانها في الجبهة؟ أما عن هذا الوقت الذي مضى فكيف قضيته يا ترى؟ في المرحاض تتصارع مع كولونك العصبي أم في السرير تواجه اكتئاباً مزمناً أم أنك أفرغت طاقتك الفائضة في تنظيف الأطباق أو تكسيرها ربما.. أو لعلك كنت أكثر تفاؤلاً وأطلقت قدميك في شوارع المدينة بلا هدف.
هل قضيت الوقت على أنغام «يمّا الحب يمّا» أو كنت أكثر كلاسيكية وحاولت تناسي الوقت على أنغام موتسارت الجنائزية وأنت تضغط زر النيوزفيد على فيسبوك كل خمس دقائق من شدة الملل لتظهر لك الأخبار المكررة كل يوم فتقرر تجاهلها ومتابعة إنستغرام فيفي عبده الأكثر بهجة.
هل قضيت الليالي في الأرق متقلباً رغم اضطرارك إلى الاستيقاظ في السابعة صباحاً أم نمت مغيّباً دون إحساس بأي شيء.. أم استيقظت ساعة تلو الأخرى جراء كوابيس متعثرة عن طفولتك الغريبة
من وجهة نظر فرويدية، وهل شربت قهوتك لتواجه العالم بنشاط أم فضلت المشروبات عديمة الكافيين لتستيقظ ظاهرياً فقط وتكون أكثر استرخاء وقدرة على مواجهة تفاهات الزملاء الصباحية.
هل واجهت مخاوفك ووساوسك القهرية وقطعت علاقاتك غير المجدية أم لا زال كل شيء مؤجلاً مع الكثير من الأسئلة التي طرحتها على نفسك خلال هذا الوقت بدءاً من عدد إسفنجات الجلي التي استهلكتها وعدد أكواب النسكافيه اليومية إلى عدد الخسارات والإحباطات والمنعطفات التي لازلت تعاني عرجاً منها، بعد أن حسبت نفسك تجاوزتها.
وكم من صدمة حدثت خلال هذا الوقت وما الشخص الذي غدوته بعدها وكم مرة شحنت طاقتك لكونك مجبراً على الاستمرار أو لكون الحياة ستمر فوقك إن لم تنهض بسرعة وكم مرة انتقلت من مشاعر النكران إلى مشاعر التقبّل وتكررت الدورة من جديد.
ربما لم تترك برنامجاً يستضيف نجلاء قباني أو مقطعاً يوتيوبياً لماغي فرح تحذرك من هذا الشهر وهي تنهي المقطع بإحدى أقوالها المأثورة «لا تقلق يا عزيزي فهذا الشهر سوف يمضي» وفعلاً سيمضي هذا الشهر ولكن مع كم كبير من الحماقات التي ارتكبتها وستعيد ارتكابها في أوقات قادمة، ستتوجه في نهايته إلى الصرّاف الآلي لقبض راتبك الذي سيمضي بدوره سابقاً الوقت بكثير، ذلك الوقت البطيء جداً وأنت تنتظر عملاً مؤجلاً أو تحاول تعلّم لغة جديدة معقدة على أمل أوقات تتمنى أن تمضيها في بلد آخر.
ستفتح ذراعيك لشهر جديد وأنت متوجس من خيبات جديدة وتخفض سقف التوقعات يوماً تلو الآخر محاولاً عقد نوع من الصلح مع أيامك المثقلة بالمجهول، تحاول محاربة مخلفات الوقت الماضي بحقنة بوتوكس أو بهموم جديدة أو حبة ليكسوتان قبل النوم، تحسد مرضى الزهايمر وأنت تحذف رسائل الواتساب والصور المخزّنة في ذاكرة الهاتف مصدّقاً كذبتك المريحة بأنها الرابط الوحيد المتبقي بعد أن يمضي الوقت لتبقى الصور المستوطنة في رأسك والتي تأخذك مرغماً إلى ذلك الوقت وكأنه لم يمض أبداً.

* دمشق