أهرام الجيزة الثلاثة هي قصة أصحاب الكهف القرآنية. في القرآن طُرحت بالكلمات، وفي الجيزة طرحها المصريون القدماء بالحجر، بالمعمار. نعم، هكذا مباشرة. وهذا يعني أن أصحاب الكهف على علاقة بديانة الأهرام، وبأهرام الجيزة الثلاثة على وجه الخصوص. بل إن النُّوّم «الذين تحسبهم أيقاظاً وهم رقود» (الكهف: 18) ينامون تحت الأهرام، في غرفها السفلية. قشة صغيرة تخبئ العلاقة بين أسطورة أصحاب الكهف وبين أهرام الجيزة. إزاحة هذه القشة سيجعل كل عين قادرة على رؤية الشبه الشديد بين القصة القرآنية وديانة الأهرام. أما القشة التي تحجب الصلة، فهي قشة الحذر والخوف. فإذا ما أزحنا الخوف قليلاً، فسوف نجد أن هناك شبهاً، بل شبهاً صاعقاً ربما، بين الأهرام وأهل الكهف. ولنبدأ بالمشهد الذي يعرضه لنا القرآن حول أهل الكهف: «سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم» (سورة الكهف 22).

رجل مصري يصلّي أمام الأهرامات عام 1955 (غيتي/ Getty)


ثلاثة وكلب!
أليست الأهرام ثلاثة رابعها أبو الهول، الكلب/ الأسد، الذي يربض أمامها؟
ثمة على الأقل شبه شكلي لا يمكن إنكاره. ثم لنمض إلى الوصف القرآني للكلب كي تزداد قناعتنا بالشبه الجدي بين ما يصفه القرآن وما هي عليه الأهرام الثلاثة وكلبها/ أسدها: «وتحسبهم أيقاظاً وهم رقود، ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال، وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد» (الكهف: 18).

باسط ذراعيه بالوصيد!
لعل هذا أفضل وصف يمكن تقديمه لوضع أبي الهول. فعلامة أبي الهول هي أنه يربض باسطاً ذراعيه. هو ليس واقفاً، بل رابض بذراعين مبسوطتين أمامه، لا في تكاسل، بل في توتر ويقظة، مثل كلب الحراسة. أما الوصيد فهو في اللغة: «فناء الدار والبيت... والوصيدة: بيت يتخذ من الحجارة للمال (الدواب) في الجبال... والوصيدة كالحظيرةِ تتخذ للمال إِلا أَنها من الحجارة والحظيرة من الغِصنَة» (لسان العرب).
وأبو الهول يربض في فناء الأهرام. وهو يربض داخل تحويطة حجرية تحيط به لعلها هي «الوصيد» ذاته. هذا لا يعني أن القرآن كان يتحدث عن أهرام الجيزة مباشرة. بل كان يتحدث عن الفكرة الدينية التي كانت وراء بناء الأهرام ذاتها: فكرة الثالوث والكلب والكهف الذي يحويهم. بالتالي، فالقرآن لم يأخذ الصورة من واقع الأهرام في الجيزة. فوقت نزول القرآن لم يكن الكلب أبو الهول مكشوفاً للعيان. كان مدفوناً في الرمال. وربما كان رأسه البشري هو المكشوف وقتها فقط. ولم يكن أحد يدري وقتها أن جسده جسد كلب/ أسد. القرآن كان ينقل تقليداً دينياً عمره آلاف السنوات، وهو التقليد ذاته الذي أنتج الأهرام.

أبواب شمالية
طيب. لكن هذا لا يكفي وحده لتأسيس القضية. لا يكفي للإقناع. حسن، نحن نملك المزيد. فلننظر إلى ما تقوله لنا المصادر العربية عن باب الكهف. يعلمنا القرطبي في تفسيره أنّ «كهفهم مستقبل بنات نعش» (تفسير القرطبي). يضيف ابن حبيب في المحبر: «وكان باب الكهف بحذاء بنات نعش»، أي في مقابل بنات نعش. وبنات نعش في شمال السماء، بل إنه رمز شمال السماء.
وبنات نعش أيضاً رمز للنوم الأبدي، أي للموت الخالد. أما برج الجوزاء في جنوب السماء، فرمز للانبعاث والتجدد. من أجل هذا، فبنات نعش هي روح سيث كما يخبرنا بلوتارخ. وسيث هو ممثل الموت، في الديانة المصرية القديمة. لذا فأراوح الموتى تذهب إلى بنات نعش التي ترمز إليه. ومن أجل هذا ارتبطت بنات نعش بالموت عند العرب، بدليل وجود النعش في اسمها ذاته. من أجل هذا، ينفتح باب الكهف إلى الشمال. تنفتح على سيث، وعلى بنات نعش. وهذا ليس صدفة. أما برج الجوزاء، فهو روح حورس كما يخبرنا بلوتارخ أيضاً.
القصة القرآنية لم تقل إن أهل الكهف موتى بل قالت إنهم نيام

بذا فهو رمز التجدد والانبعاث. والحق أن ما جاء به القرطبي، وغيره أيضاً، إنما هو توضيح لما تكاد تقوله مباشرة سورة الكهف: «وترى الشمس إذا طلعت تزور عن كهفهم ذات اليمين وذات الشمال. وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال، وهم في فجوة منه» (الكهف: 17). وهكذا، فالشمس عند طلوعها في الصبح «تزور عنهم»، أي تتجنب باب كهفهم، في حين أنها «تقرضهم» في المساء، أي تلمسهم لمساً ما أو تقترب منهم، عند غيابها. ومن الواضح أن الجهة الوحيدة التي يمكن لها أن تجعلهم في مبعدة عن أشعة الشمس هي جهة الشمال، لا غير. وهذا يعني أن باب الكهف شمالي حسب القرآن. وهذا هو واقع الأهرام الفعلي، فأبوابها مفتوحة للشمال: «إذ أن مداخل هذه الأهرامات تواجه القطب الشمالي للسماء كي تتمكن روح المتوفي من الصعود إلى منطقة النجوم «الثوابت» التي تدور حول القطب والتي لا يمكن أن تسقط تحت خط الأفق، وبالتالي لا يمكن أن يضطر إلى الهبوط في الأعماق المخيفة» (أريك هور نونج، وادي الملوك؛ أفق الأبدية: العالم الآخر للمصريين، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1996، ص124).

النوم والموت
لكن القصة القرآنية لم تقل إن أهل الكهف موتى بل قالت إنّهم نيام. وهذا صحيح. ذلك أن موت الكائنات الإلهية ليس مثل موت الناس العاديين. موت سيث ليس مثل موتنا. إنه طراز من الخلود. أو طراز مختلف من الموت. إنه نوم طويل ما. بذا ففتية الكهف كانوا يتقلبون في كهفهم: «ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال» (سورة الكهف: 18). وقد فهم المفسرون القدماء، بشكل ما، أن تقلبهم هذا له علاقة بالانقلابات الصيفية. يقول ابن حبيب في المحبر: «كانت لهم في السنة تقليبتان: واحدة في الشتاء وواحدة في الصيف». نحن هنا نتحدث عن الانقلاب الصيفي والانقلاب الشتوي. في الانقلاب الشتوي، تكون سيطرة أهل الكهف. ذلك أن الشتاء هو بنات نعش. أما الانقلاب الشتوي، فهو فصل نقيضهم، فصل حورس. وفي التسعينات، قدم روبرت بوفال نظريته المثيرة: أهرام الجيزة هي النظير الأرضي لنجوم حزام الجوزاء الثلاثة في السماء. إنها حزام جوزاء مطروح بالحجر على الأرض. وهذا يعني أن الأهرام الثلاثة تمثل جنوب السماء. هذه الفرضية فتحت لهم باباً آخر مختلف للديانة المصرية، ولأديان العالم القديم. فالأهرام كانت نصب العالم القديم كله. لكن إذا كانت الأهرام حزام جوزاء على الأرض، فلماذا تفتح أبوابها للشمال لا للجنوب؟ حزام الجوزاء جنوبي لذا كان على نظيرها الأرض، أي أهرام الجيزة، أن تتجه بأبوابها نحو الجنوب. فوق ذلك، لم هي مطروحة في شمال مصر لا في جنوبها؟
بناء عليه، فمن المحتمل أن تكون أهرام الجيزة حزاماً شمالياً معاكساً لحزام الجوزاء الجنوبي. أي أنها حزام سيث في مقابل حزام حورس. ذلك أن برج الجوزاء الذي يقع في مركزه حزام الجوزاء هو روح حورس. عليه يكون حزام الخلود الميت في مقابل حزام التجدد والتغير. إذا لم يكن الأمر كذلك، فلا بد أن تكون مصر، التي هي في النهاية نيل أرضي، معاكسة للنيل السماوي، الذي هو نهر المجرة. فما هو شمالي في السماء يكون جنوبياً في مصر، والعكس.
وكنت قد عالجت كل هذا في كتابي القديم «ديانة إيزيس وأوزيريس في مكة في الجاهلية»، ذلك الكتاب المغامر، المليء بالنبوءات والأخطاء معاً.

ثلاثة أم أكثر؟
حسب القرآن، فقد كان هناك خلاف حول عدد أصحاب الكهف، فهم بين ثلاثة وسبعة. والكلب رابعهم أو سادسهم أو ثامنهم. ويمكن فهم هذا، فبنات نعش سبعة نجوم تبدو كالمقلى. أربعة هي النعش، وثلاث هن البنات. كما أن نجوم الجوزاء المركزية سبعة. فهناك ثلاث هن حزام الجوزاء، وأربع هن المستطيل حولها. وحين يكون التركيز على الحزام فقط نكون مع ثلاثة رابعهم كلبهم.
الشبه بين أهرام الجيزة وأصحاب الكهف يحتاج إلى أكثر من هذه العجالة بالطبع. بذا سأنهي بالحديث عن الآية: «ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنة وازدادو تسعاً» (الكهف: 24). وقد أدرك كثيرون من القدماء أن الرقم 9 الزائد هو الفارق بين التوقيت القمري والشمسي.
وينقل المقريزي عن القاضي أبو الحسن علي بن القاضي المؤتمن ثقة الدولة أبي عمرو عثمان بن يوسف المخزومي في كتاب «المنهاج في علم الخراج‏» بهذا الشأن ما يلي:
«فمعنى هذا أن الثلثماية كانت شمسية بحساب العجم ومن لا يعرف السنين القمرية، فإذا أضيف إلى الثلثماية القمرية زيادة التسع كانت سنين شمسية صحيحة» (خطط المقريزي).
إذن، فقد أضيفت إلى السنوات الثلاثمائة القمرية تسع سنوات أخرى: 300+9، لكي تصبح 300 سنة شمسية. فالسنوات الشمسية الـ 300 تساوي 309 سنوات قمرية.
أما أنا فأرى العكس. فهناك في السنوات الـ 300 تسع سنوات زائدات. أي أننا مع 291 سنة قمرية. بذا فعدد السنوات الشمسية هو 283.5 سنة تقريباً. وهذا رقم شديد القدسية منذ العصور الحجرية. لكن قصة هذا الرقم طويلة ومعقدة جداً، ولا تتسع لها هذه العجالة.

* شاعر فلسطيني