تختلط الأفكار في رأس منير، بطل رواية «أوسكار» (منشورات المتوسط) للمغربي محمود عبد الغني، من دون أن تفرز أي ركيزة لفيلم يتوق للاشتغال عليه، فيرشحه بعد ذلك لنيل جائزة «أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة» الأميركية... ذو الجسد النحيل، الذي ولد من دون حاجبين، في منتصف العمر، كان درس العلوم السينمائية في فرنسا، لكن مصيره انتهى إلى التعليم في معهد المسرح في الرباط. مثقف لا يعوزه عمق أو رؤيا، بل تتخبط الموضوعات في رأسه، وعلى مكتبه ضمن كراسات دوَّن فيها رؤوس أقلام عن موضوعات محتملة لإخراج فيلم عنها. سقوط بلاده في مستنقع الفساد والجهل والزيف يؤرقه ويكبِّله، وكذا تفعل أحوال العرب.

للسينمائي صديقة حميمة تدعى ربيعة، واجهت ــــ أثناء عودتها من باريس لزيارة وطنها المغرب بعد انقطاع ـــ حادثاً في الطائرة اعتقده ركابها أنه إرهابي، عندما سمعوا رجلاً يصرخ: «الله أكبر». بيد أن الملتحي، لم يكن مزنراً بحزام ناسف، وجل ما كان يرغب به هو الأذان والصلاة في ممرّ الطائرة! الحدث الذي أخَّر هبوط الطائرة، يجعل منير يذوق لوعة الانتظار. ومن اللوعة يبدأ السرد ذو الأزمنة والأمكنة المحددة بوضوح، على لسان راو محيط بالأحداث، لا يتوانى عن التدخل فيها بصيغة ضمير المتكلم، ولو في فقرات محدودة. لا يخلو السرد في الفصول الثلاثة من استطرادات تبدو أحياناً مبررة، إذ تأتي على لسان مثقفين من طراز رفيع (منير وربيعة والصديقة المشتركة الصحافية الثورية بهيجة)، وفي أحيان أخرى تتمظهر منهكة للقارئ. كما تنقل هذه الفصول فيتيشية البطل الإيروتيكية بأريحية، وعلاقته المتأرجحة بصديقته. منير العاجز عن الإنتاج الثقافي لـ«خلل في التاريخ»، يجد في قدمي منيرة ترياقاً، كما يعول كثيراً على آرائها وتقييماتها للأمور.
قد يشعر القارئ أن كل موضوع مطروق في «أوسكار»، يحتاج إلى رواية قائمة بذاتها. بيد أن ما يبرر كثرة الأفكار والمواد، هو أنَّها تعتمل في داخل منير، القارئ النهم المتصل ببيئته، والعاجز عن تغيير ما يعتورها من أمراض اجتماعية وهنَّات، أو إنتاج ما يسلط الضوء عليها. الحديث عن الإرهاب المعاصر بدوره، يشغل صفحات وافرة، ولا سيما العلاقات السببية بين الجماعات الإسلامية المتشددة وإضعاف الدول، ورغبة منير بالتعمق في ذلك في فيلمه المفترض. المغرب حاضر أيضاً، بحكومته التي يرأسها وزير ينتمي إلى حزب إسلامي، والعاجزة عن محاربة الفساد، رغم رفعها هذا العنوان. الفساد الذي يدفع ببعض الناس إلى العثور على مخارج بوساطة طرق غيبية، كما هم أهالي المرضى النفسيين الذي يعهدون بأبنائهم العليلين إلى أماكن تشبه القبور، ويتركونهم معلقين بسلاسل! المغرب بقوانينه البالية التي تلزم الضحية المغتصبة بالزواج من مغتصبها، ما يدفع كثيرات إلى الانتحار، وبأطفاله المغتصبين من الأوروبيين لقاء بدلات مالية، وبشبابه الذي يعلن بعضه الولاء لـ«داعش».
الفساد والإيمان بالغيبيات والقوانين البالية في المغرب

يطل المغرب برأسه من خلال غياب المدرسة فيه عن أداء أدوارها التربوية والتكوينية، والنظام التعليمي الذي يفصل العلم عن الأدب «بجدار برلين من نوع آخر». وللمثقفين «الوسخين» في البلاد إشارة تتمثل في صورة ذلك الناقد الفني «الجاهل» الذي يمشي كطاووس، ويبصق على الأرض بعد أن يسعل، ويجعل التشكيليين يسيرون خلفه كقطيع لأنه يجاملهم بمقالات «سيئة» في الصحف، ما يرفع مبيعات المعارض.
سعة ثقافة الروائي عبد الغني تنعكس في صفحات «أوسكار» التي ترد فيها عناوين أفلام وروايات بالجملة، وأقوال شعراء وكتاب وروائيين جلهم غربيون، وعمقه يكبه في الحديث المتماسك في علم النفس. أمَّا مواقفه من الأوضاع في سوريا والمجدفة بـ«الشرعية»، فيحمِّلها لمنير، الذي أمسى لا يحتفي بعيد ميلاده منذ سنة 2011 لأنه يتفق مع ميلاد الرئيس السوري. ويقول صراحة في اللفتة عن مصر إن «الجيش المصري لا يثأر لشهدائه من الضباط الكبار، بل يقتل مقاتلين مأجورين لا قيمة عسكرية أو فكرية لهم». ويقول صراحةً إن «الدول العربية تشكو الوهن، وجيوشها مسترخية».
يعتقد منير أن تخالط الفلاسفة ورجال الدين المتنورين في بلاد العرب قد يبشر بقيامة ما، وهو يجد الإلهام أخيراً في موقع مغاير لمحتويات كراساته، حين يلوذ مع منيرة إلى الجبال.
«أوسكار» رواية «شرعية»، ورغم أسلوبها السائر بهدى جمل قصيرة، إلا أنّ أحداثها تفتقر إلى التشويق، ولا تخلو من مزالق مرهقة، خصوصاً عندما يتخبط منير في سيل أفكاره، ويتفلسف!