*رفقةُ الوحوش

صنع شاعرٌ تمثالاً لوحشٍ
ووضعه في حديقةِ أحلامِه.

نامَ الشاعرُ،
فاستيقظ الوحشُ ففتح عينيه وتمطى
ونهضَ يبحثُ عن فريسةٍ له
في الحديقةِ التي كان فيها وحيداً.

ومنذ ذاك
الشاعرُ نائمٌ
فيما الوحشُ رابضٌ على صدرِه
يتجولُ طليقاً في حديقةِ أحلامه
لا يدري متى سيجهز عليه.

*رفقة النجوم

وفي حديقةِ الظلام
كان شاعرٌ قد كوّرَ حجراً في كفِّه
ورمى به نحو السماء.

بقيَ الحجرُ يرتفعُ
وعبثاً ظلَّ الشاعرُ يرقبه
منتظراً سقوطَه على الأرض.

توارى الحجرُ واختفى
حتى استحالَ نجمةً على وجهِ السماء
وما زال الشاعرُ في حديقةِ ظلامِه،
في ظلامِ نهارٍ لا ينتهي،
واقفاً
محدّقاً في النجمِ في الأعالي
منتظراً أن يسقطَ من هناك نيزكٌ
كان قد كوّره حجراً بكفِّه.

*ليليّاتُ حديقةِ الخواص


يأتون فرادى في الليل.
في كلِّ ليلة،
حين يكونُ الشاعرُ وحيداً في حديقةِ خواصِّه.

يأتي شحّاذٌ أخرسُ مسكين،
وتأتي امرأة يعرفها
من روايةٍ فرنسيةٍ من القرنِ التاسع عشر،
يأتي معلمٌ له بوجهٍ واحدٍ وبعشراتِ الأسماء..
تأتي أرملةٌ عاقر
كانت قد ماتت وفي نفسِها شيءٌ من ولدٍ لم يولد،
ويأتي جنديٌّ
كان قد قُتل آلافَ المرات في آلافِ المعارك،
يأتي فتىً عاشقٌ
قضى ولم يكن له من عشقِهِ
غيرُ جُرح يداريه بالشجن،
ويأتي ملكٌ منفيٌّ
لم يبقَ له من مُلكِه غير الروح،
ويأتي موسيقيّ أعمى،
وتأتي شاعرةٌ ماتت كمداً بالشعر،
ويأتي حكيمٌ
اعتزلَ الناسَ فماتت معه حكمتُه،
وقبل أن يكتمل الجمعُ
ترفّ روحٌ فريدةٌ في الفضاء
فيأتي طفلٌ
كان قد طارَ أخضرَ.

كلّ ليلِ
يأتون كثيرين يعرفُهم،
وكثيرون سواهم يأتون، يعرفونه فلا يعرفهم.
ويلتئمونَ جميعاً مثل ملائكةٍ على مائدةِ الشاعر،
فلا أحدَ منهم يرى أحداً.
وحده الشاعرُ يرونه،
ويراهم الشاعرُ جميعاً وفرادى،
على المائدةِ
صامتين
متأملين،
يدورُ عليهم الشاعرُ بالكؤوسِ،
وبالخبزِ،
والضوءِ،
وبالكلام.

وحتى إذا ما انفضّ الليل،
وانفضَّ معه الزوارُ الليليّون اللامرئيون
فرادى
لا أحدَ يرى أحداً
يودّعهم الشاعر..
ويعود ليلتقط من المائدةِ
ما بقي عليها من كلامٍ،
ومن ضوءٍ،
ومن خبزٍ ونبيذ،
فيواصلَ به قصيدتَه التي
لن يتممَها
عن الليلِ في حديقةِ الخواص.


*رفقة الخيال

في نهارٍ قائظٍ
من عامٍ احتبسَ فيه المطر
حدّق شاعرٌ في حديقةِ خيالِهِ
فرأى عشباً يابساً،
ورأى شجراً ذاوياً،
وأغصاناً جفّت،
ورأى ورقاً أصفرّ وذبل.

نظر الشاعرُ إلى أصبعٍ له،
وكانت نظرتُه كلاماً لم يكن كلاماً،
فسالتْ قطرةُ دمٍ خضراءَ من الأصبع.

سقطت القطرةُ على موضعٍ كان لساقية،
فاستحالت القطرةُ ماءً دفّاقاً،
واستحال الماء جدولاً،
واستحال غيمةً
في نهارٍ لم يعد قائظاً
من العامِ الذي لم يعد المطرُ فيه محتبساً.


*في حديقة الحرية

في حديقةِ حريّته
كان شاعرٌ قابضاً في كفٍّ تراباً
ومغترفاً بأخرى ذهباً سائلاً
وبين قبضتي الشاعر
امتزج الترابُ بالذهبِ السائلِ فكان تمثالَ طير.

وبعطرٍ من صوته
همسَ الشاعرُ في التمثال
فصارَ التمثالُ طيراً.
وصار للطيرِ جناحان.
ومسّد الشاعرُ الجناحين بهمسٍ منه،
فطارَ بهما الطير.

كلّ آنٍ، كلّما كان في حديقةِ حرّيتِه
يطلق الشاعرُ طيراً
لينأى سابحاً متوارياً في الفضاء
فلا يعودُ الطير.

حتى إذا ما نفد الترابُ
ونفد الذهبُ
وما عاد في الحديقةِ تمثالٌ ولا في الفضاء طيرٌ
أغمض الشاعرُ عينيه
وأطبق على صدرِه بكفّيه
نائماً
ماكثاً هكذا حتى الأبد
في أثرٍ من عطرٍ كان بصوتِه.

* شاعر عراقي