منير العكش: مقبرة جماعية تحت مدينة واشنطنتحت مدينة واشنطن مقبرة جماعية كانت في يوم من الأيام مدينة «هندية حمراء» مسالمة تدعى نَكُنْشَتَنْكِهْ. وكانت هذه المدينة مركزاً تجارياً زاهراً لشعب كُونُويْ على ضفاف نهر پُوتُومْكْ قبل أن يبني جورج واشنطن عاصمته على أنقاضها. أما كونوي فكانت اسماً لهذا الشعب المدفون تحت مدينة واشنطن عندما مشى الموت نائماً من پَالُوسْ إلى سواحل الهند، ولم يستيقظ بعدها من نومه الزواحفي، إلا على سواحل كنعان المستباحة. مدينة واشنطن التي تربض اليوم فوق أشلاء شعب مباد هي التجسيد الحي لـ«فكرة أميركا» المستمدة من «فكرة إسرائيل» التاريخية: فكرة اجتياح أرض الغير واقتلاعه جسدياً وثقافياً. تحت أرض الولايات المتحدة الأميركية اليوم، هناك أكثر من 400 أمة وشعب يرقدون الآن كما يرقد شعب كونوي مع عضويات الوحول والطمي تحت المدن والمزارع والحقول الآمنة التي كانت ذات يوم مدنهم ومزارعهم وحقولهم وملاعب وجودهم.
(منير العكش ـ «تَلْمُودُ الْعَمِّ سَام» ـ 2004)

توراة الإبادة
وكلم الرب موسى قائلاً: انتقم نقمة لبني إسرائيل من المديانيين، ثم تضم إلى قومك. فكلم موسى الشعب قائلاً: جردوا منكم رجالاً للجند، فيكونوا على مديان ليجعلوا نقمة الرب على مديان. ألفا واحد من كل سبط من جميع أسباط إسرائيل ترسلون للحرب. فاختير من ألوف إسرائيل ألف من كل سبط. اثنا عشر ألفاً مجردون للحرب. فأرسلهم موسى ألفاً من كل سبط إلى الحرب، هم وفينحاس بن ألعازار الكاهن إلى الحرب، وأمتعة القدس وأبواق الهتاف في يده. فتجندوا على مديان كما أمر الرب وقتلوا كل ذكر. وملوك مديان قتلوهم فوق قتلاهم: أوي وراقم وصور وحور ورابع. خمسة ملوك مديان. وبلعام بن بعور قتلوه بالسيف. وسبى بنو إسرائيل نساء مديان وأطفالهم، ونهبوا جميع بهائمهم، وجميع مواشيهم وكل أملاكهم. وأحرقوا جميع مدنهم بمساكنهم، وجميع حصونهم بالنار. وأخذوا كل الغنيمة وكل النهب من الناس والبهائم، وأتوا إلى موسى وألعازار الكاهن وإلى جماعة بني إسرائيل بالسبي والنهب والغنيمة إلى المحلة إلى عربات موآب التي على أردن أريحا. فخرج موسى وألعازار الكاهن وكل رؤساء الجماعة لاستقبالهم إلى خارج المحلة. فسخط موسى على وكلاء الجيش، رؤساء الألوف ورؤساء المئات القادمين من جند الحرب.
وقال لهم موسى: هل أبقيتم كل أنثى حية؟ إن هؤلاء كن لبني إسرائيل، حسب كلام بلعام، سبب خيانة للرب في أمر فغور، فكان الوبأ في جماعة الرب. فالآن اقتلوا كل ذكر من الأطفال. وكل امرأة عرفت رجلاً بمضاجعة ذكر اقتلوها.
(سفر العدد)

أدونيس: قبر من أجل نيويورك
حتى الآن، ترسم الأرض إجاصة
أعني ثديا
لكن، ليس بين الثدي والشاهدة إلا حيلة هندسية:
نيويورك،
حضارة بأربعة أرجل، كل جهة قتل وطريق إلى القتل،
وفي المسافات أنين الغرقى [...]
وِلْيَمْ بْلِيْك «رؤيا يوم القيامة»

برتولت بريشت: خوف من النظام
سألوا أجنبياً، عائداً لتوه من الرايخ الثالث، عمن يحكم هناك حقاً، فأجاب: الخوف.
خائفاً، يبتلع المعلم كلامه وهو وسط النقاش، يلتفت شاحب الوجه نحو جدران الحجرة؛ يمضي ليلته في الأرق مفكراً بكلمة غامضة قالها المفتش. البقالة العجوز تضع إصبعها على شفتيها لتحبس كلمة سخط حول رداءة الدقيق. هَلِعين ينظر الآباء والأمهات إلى الأبناء كما ينظرون إلى الوشاة. حتى المشرفون على الهلاك يكتمون صوتهم عندما يودعون أهلهم.
لكن ذوي القمصان البنية يخشون أيضاً من لا يرفع يده عالياً، يرهبون من يرد التحية: Heil. الصراخ في كلتا الحالتين، مشبع بالرهاب كقباع الهلافيت التي تتوجس من سكين القصاب. وهلعاً تتصبب عرقاً المؤخرات الرابضة فوق كراسي المكاتب.
لم كل هذا الخوف من كلمة حق؟
بسبب قوة النظام الجبارة، معتقلاته، ما لديه من أقبية التعذيب، من شرطة متكرشين، من قضاة رعاديد ومرتشين، وبطاقات وقوائم بأسماء المشبوهين تغص بها حتى السقف غرف بناية بأسرها.. بسبب كل هذا، كان يزعم أن النظام لا يخاف كلمة حق يقولها إنسان بسيط.
لكن رايخهم الثالث يذكرنا بقلعة تار الأشورية التي — كما تزعم الأسطورة — ما استطاع جيش اقتحامها، غير أنها تهاوت تراباً بكلمة مدوية واحدة.. نطقت بداخلها.
دريدا/هابرماس: من أجل أنوار جديدة
مفهوم الأنوار، كما هو عند كانط، يمشي بعكس فكرة الدعم اللامشروط الذي طُلِبَ بعدَ 11 سبتمبر. الأنوار علامة على تحرر الإنسانية الخاضعة لطوعٍ أعمى للسلطة، تحرر مكتسب في تأكيد عقلاني للذات.
(جاك دريدا ويورغن هابرماس: مفهوم 11 سبتمبر، حوار في نيويورك)

جان بودريار: مملكة الريبة
لقد استعمل الإرهابيون حتى مُبْتَذَلَات الحياة اليومية الأميركية كقِناع ولعبةٍ مزدوجة. كانوا ينامون في ضواحي مدنهم، قرؤوا ودرسوا وسطَ الأُسَر، قبل أن يستيقظوا من يوم لآخر مثل قنابلَ موقوتة. إتقان هذه السرية دونما ثغرةٍ هي تقريباً إرهابية بدورها مثل العمل الْفُرْجَوِي لـ 11 سبتمبر. لأنه يضع موضعَ ريبة أيَّ فرد: أليس كل شخص يبدو مسالماً إرهابياً مفترَضاً؟
(جان بودريار ـ روح الإرهاب)

سْلَافُويْ جِيجِيكْ: مَرْحَبًا بكم في صحراء الواقع
ما حدث في 11 سبتمبر هو ولوجُ هذه الشاشة الاسْتِيْهَامِيَّة لواقعنا. لم يقتحم الواقعُ الصورة: الصورة هي التي اقتحمت واقعَنا.
(سْلَافُويْ جِيجِيكْ: مَرْحَباً بكم في صحراء الواقع. ملحوظة: عنوان كتاب جيجيك مأخوذ من حوار في فيلم: مَاتْرِيكْسْ)

تزفيتان تودوروف: ذاكرة الشر لا تربِّي الأجيال
الاحتفاء الطقوسي بالذكرى ليس فقط ذا جدوى ضعيفة في تربية الأهالي، عندما ينحسر التأكيد، في العودة للماضي، على الصورة السلبية للآخر أو على الصورة الإيجابية للذات، مما يسهم أيضاً في حَرْفِ نظرنا عن أمور مُلِحَّة في الحاضر، ومنحِنا وعياً هانئاً بأقل كلفة.
(تزفيتان تودوروف: ذاكرة الشر، إغراء الخير، تحقيق حول القرن).

جان بيار وِينْتِرْ: مغرمون بالدمار
ثمةَ بدواخلنا ما يبتهج، بلا وعي، للدمار. أينما حلَّ وبمن حلَّ. ثمة فينا حصة لعينة ومَرَضِيَّة هي العمق المشترك لإنسانيتنا.
(جان بيار وِينْتِرْ ـ هلعٌ في الحضارة)

دُونْ دِلِّيلُو: أبراج مُسْتَهَامَةٌ
لكن، لكل هذا بنيتم الأبراج، أليس كذلك؟ ألم يتم بناؤها كاستيهامات للغنى والقوة، لتصير ذات يوم مكرَّسة لاستيهامات التدمير؟ فلكي نراها تَنْهَارُ نبني أشياءَ كهذه. الاستفزازُ واضح. فلأي علة أخرى شيدتموها بهذا العلو وجعلتموها مضاعفة، ضاعَفْتُمُوهَا؟ إنه استيهام، فلماذا إذن لا نكرره مرتين؟ هذا ما تقولونه، هكذا: ها هي، دَمِّرُوها.
(دُونْ دِلِّيلُو ـ رَجُلٌ يَسْقُطُ).

مَارْتْنْ آمِيسْ: يبقى الحب حياً وسط خراب الأبراج
رغم كل شيء، يتجلى الحُب كأصلب ما فينا، عندما ينقلب العالَم وتَسْوَدُّ الشاشة. لا نكون مدركين إن كان سيبقى على قيد الحياة. لكننا نكون متيقنين من أنه آخر ما سيختفي.
علينا أن نعترف بأن 11 سبتمبر لا يمكن أبداً، دونما شك، تَمَثُّلُهُ كاملاً.
(مَارْتْنْ آمِيسْ ـ الطائرة الثانية، 11 سبتمبر 2001-2007)

بُولْ أُوْسْتِرْ: وَحِيداً فِي الظَّلَامِ (مَقاطع)
يُفَكِّرُ الفكرُ في فكرتِه.
كم مضى من الوقت قبلَ أن تراها ثانيةً؟
شهر تقريباً. كانت الأيام تمضي، ولم أكن أتوقف عن التفكير بها. لو كنت أعرف أنها طالبة في جويار Juilliard، لوجدتُ لها أثَراً، لكني لم أعرف شيئاً. لم تكن إلا رؤيا خلابة نظرت إليَّ مصوبة رؤيتَها على عينيَّ خلال ثانيتين قبل أن تحتفي. كنتُ مقتنعاً أني لن أراها مرة أخرى. لقد لعبت الآلهة بأقداري، والفتاةُ التي كان مقدَّراً لي أن أحبَّها، المخلوقة الفريدة التي استقرت في الأرض لتعطيَ حياتي معنى، تم نَشْلُهَا وبعثُها إلى بُعْدٍ آخرَ — إلى مكان يصعب ولوجه، مكان لن يُسمَح لي أبداً بولوجه. أتذكر أني كتبتُ قصيدة طويلة موضوعها الأساسُ هو العوالم المتوازية، الفُرَص المهدورة، شرور القدر المأساوي.
■ ■ ■

هل يعني لك اسمُ جْيُورْدَانُو بْرُونُو شيئاً؟
لا. لم أسمع به قط.
فيلسوف إيطالي من القرن 16.
كان يزعم أن الله لانهائي، وإذا كان الله نهائياً، يلزم إذن عدد لانهائي من العوالِم.
نعم، يبدو لي هذا منطقياً. إذا افترضنا إيماننا بالله.
لقد مات في محرقة من أجل هذه الفكرة.
لكن، ألا يعني ذلك أنه كان على ضَلَال، أليس كذلك؟
لماذا سؤالي عن ذلك، أنا بالذات؟ أنا لا أعرف شيئاً من هذا. كيف لي أن أكوِّنَ فكرة عَمَّا لا أعرفه؟
■ ■ ■

ماتت بِيتِي مكسورة القلب. ثمة أناس يضحكون لسماع هذه العبارة، وذلك فقط لأنهم يجهلون كل شيء عن الحياة. نموت مكسوري القلب. يحدث ذلك كل يوم، وسيواصل الحدوث إلى آخر الدهر.
■ ■ ■

لست أدري بَعْدُ لماذا أحسسنا، بِثَلَاثَتِنَا، بضرورة رؤية هذا الفيديو — كما لو كان الأمر فريضة مقدسة. ندرك، بِثَلَاثَتِنَا، أنه سيواصل ملازمتَنا طوال ما تبقى من أيامنا، ورغم ذلك تولد لدينا الانطباع، لا ندري كيف، بأنه يتوجَّبُ علينا أن نكون هنا مع تِيتُوسْ، أنه يلزمُنا، حُباً له، إبقاء نَظَرِنا شاخصاً في البشاعة، استنشاقُها وإبقاؤها فينا، هذه الموتُ المتوحدة والبئيسة، فينا، هذه القسوة التي فُرِضَتْ عليه في هاته اللحظات الأخيرة، فينا وليس في أي شخص آخر، كي لا نتركه لليل عديمِ الشفقة الذي كان قد ابتلعه.

مِل غيبسون: «أبوكاليبتو» سَطوةُ الْخَوْفِ في البيت الأبيض
أبوكاليبتو: بدايةٌ جديدة، هو المعنى الذي يعطيه المخرج لعنوان فيلمه، مبتعداً عن المعنى الإغريقي: رؤيا، كشف، تجلٍّ. يبدأ العرض باقتباس من وِيلْ دْيُوراَنْتْ: «لا تُغْزَى الحضارة الكبيرة من الخارجِ إلا إذا كانت محطَّمة من الداخل»، في انتقاد صارخ للسياسة الأميركية في ظل جورج بوش الابن من خلال إسقاطات على حضارة المايا، الفترة التي اختارها مل غيبسون مادَّةً لفيلمه. انبرى متخصصون ومؤرخون كثيرون لتصويب ما ظنوه مغالطات تاريخية في تصوير الحقبة متناسين أن هَمَّ الفيلم كان تصوير ما يفعله غزو أراضي الغير وإبادتهم وبث الخوف بالإنسان حين يتوسَّل سياسة جعل الآخر قرباناً له باسم السماء. قراءة تعززها إدانة المخرج لتحضيرات بوش الابن لغزو العراق.

فاضل العزاوي: الموجة تأتي من قلب العدم
ليل ليل ليل ليل ليل ليل ليل ليل ليل ليل أسود كالفحم سواد شموس ميتة فحم في ليل من فحم في ليل شموس أتبعها ومجرات تتبعني في ذاكرة الأرض هنا البحر سيرفعني والموجة تأتي من قلب العدم الأول في ليل حياة نبدؤها أبداً مثل رحيل نحو ربيع في مرعى.
آه، أني إن أتبع هذا النجم الغامر بالضوء حياتي، أبلغ حتماً ركب دليلي الصاعد في رحلته نحو الأبدية منتظراً إياي أخيراً في أبعد واد في الصحراء العربية.
برُوغِل «سطوة الموت»

سركون بولص: أخبار اليوم أو سيناريو صانع الموت
أليوم يا إلهي
رأيت ما رأيت
أليوم، رأيت
جمعاً صغيراً من أهلي
في بلدي

أليوم، كما في أيام أخرى كثيرة
رأيتهم، يصرخون ضد الحصار
رأيتهم
بالألوان على شاشة السي. إن. إن
[ماكدونالدز الأخبار]
يصرخون ضد الحصار
رأيتهم، هزالى
مجوعين يصرخون ضد الحصار

لقطات عابرة
خلفها تاريخ طويل من الرياء
وما أمهر الأصابع التي تخيط الكفن!

جنرال مأفون آخر
في البنتاغون
[أرجو له
مقاماً لائقاً بأمثاله
في أوطأ حلقة من حلقات الجحيم]
يحرك دبوساً إلكترونياً على خريطة
إنها بلدتنا المحترقة..
هذا النياندرتال الحليق
يقول إنهم لم يحرقوا ما فيه الكفاية
والقنابل تشكو من الضجر
صواريخ الكروز والتوماهوك
تهذي وتزبد عبر الخليج.

ماذا رأيت اليوم
ماذا رأيت؟
وجه صانع سيناريو الموت
[ألتوماهوك اسم
لصولجان قبيلة من الهنود الحمر
أبيدت عن بكرة أبيها
وسموا باسمها صاروخا
لإبادة الهنود الحمر الآخرين]
لن يشبع التنين.

هل نحتج أمام آلة صماء
أم نصرخ في أذن الحديد؟

أليوم يا إلهي
عرفت أن القصة
إذا رويت
سوف تعري رواتها الكذبة
وأن التلفزيون الملون جريمة.

إدواردو غاليانو: الذاكرة الهائمة
3 كانون الثاني.
في اليوم الثالث من العام 47 قبل الميلاد، دمر الحريق أشهر مكتبة في القدم. كانت جحافل الرومان قد اجتاحت مصر، وفي إحدى معارك يوليوس قيصر ضد شقيق كليوباترا، انتهبت النار الجزء الأكبر من آلاف آلاف البرديات الـملفوفة في مكتبة الإسكندرية.
ألفي سنة بعد ذلك، اجتاحت الجحافل الأميركية الشمالية العراق، وخلال الحرب الصليبية لبوش ضد عدو اختلقه بنفسه، أحيل الجزء الأكبر من آلاف آلاف كتب مكتبة بغداد رماداً.
طيلة تاريخ البشرية، لم يكن من ملاذ وحيد للكتاب في بلوى الحروب والحرائق: كانت المكتبة الهائمة فكرة وزير فارس الأعظم، أبي القاسم إسماعيل، نهاية القرن العاشر.
باعتباره رجلاً نبيهاً، كان هذا الرحالة الذي لا يكل يحمل مكتبته معه. 400 جمل محمل بـ 117 ألف كتاب، في قافلة طولها كيلومتران. كانت الجمال تشكل أيضاً سجلاً شاملاً: كان كل من قطعان الجمال الـ 32 يحمل العناوين التي يستهلها حرف من حروف الأبجدية الفارسية الـ 32.
الخوف، إنه الخوف، حتى أن صحافي الاستقصاء الشهير بوب وودوورد أسمى كتابَه الأكثر مبيعاً الآن في أميركا «الخوف». هو ذا هو جوهر الأدب القيامي، هو أدب أزمة: كلما أحس جزء من الجنس البشري بالخوف من جزء آخر، تراءى له في رؤيا يخلط فيها الأزمنة أن العالم على حافة النهاية من أجل بداية جديدة لا بد، كي تقوم قيامتها، من التضحية بالآخر، في صورة قرابين، أضحيات، إبادات للضعيف كي يسود القوي، باسم خطاب يتخفى خلف الطابع العقائدي. بتأمل أول نصوص الأدب القيامي المتفق عليها بين مؤرخي الأدب: سِفْرُ دَنْيَالْ (القرن 2 ق.م) ورُؤْيَا يُوحَنَّا (95 ب.م)، ومقارنتها مع السينما الهوليوودية غداة 11/9، يتبين أن لكل متون الأدبيات القيامية الأسلوب والثيمات نفسيهما: اللعب بالسياقات الزمنية وتصويرها على أنها تنحو نحو الفناء من أجل انبثاق عالم جديد، النزعة التدميرية لدى القوي، اعتبار الخوف محركاً أساساً في العلاقة بين الذات والآخر. وأبرز سمات هذا التلاعب بالزمن تكريس صانع الرأي العام الأميركي لحدث تدمير البرجين على أنه نهاية لعالم من أجل بداية آخر خارجَ سياقات التاريخ الراهن للوقائع: صار الجميع يتحدث عن 9/11 دونما حاجة لذِكر السنة، كأن الحدث لم يقع في 2001. لا حاجة لذِكر السنة، لم يحدث ذلك في سنة معيَّنة، بل حدث عند قيامة العاَلَم، قيامة عالَم السيد الأميركي، دون غيره من باقي الأمم. فقط، لا ينبغي التغاضي عن كون هذا النوع الأدبي عابراً لكل المعتقدات، وضعية كانت أم سماوية، فكما هو حاضر في التصورات اليهودية والمسيحية للمُخَلِّصِ، هو أيضاً حاضر في التصورات الإسلامية للمهدي المنتظَر والخليفة الذي سيعمِّم النور على الأرض بعدما شاعَ فيها الظلام. كما لم تسلم منها إيديولوجيات معاصرة كالنازية والماسونية وبعض طوباويات اليسار (الخمير الحُمْر). وفق هذا المنظور، وتزامناً مع الذكرى 17 لأحداث 9/11، انتخبنا، ها هنا، طائفة من النصوص التي نرى فيها ممثلاً للأدب القيامي أو شارحاً له: