رشيد وحتي | عن «المركز الثقافي للكتاب» (الدار البيضاء ـــ بيروت)، صدر أخيراً كتاب «نقد المفاهيم» للمفكر المغربي عبد الله العروي (1933). العمل نقد تحليلي لمفاهيم مرتبطة بقضايا التعددية، والعلم الموضوعي واللا عِلْم. ويبدو الإصدار الجديد استكمالاً لمشروع العروي ضمن سلسلة المفاهيم الشهيرة المنشورة ما بين 1980 و1996: «الأيديولوجيا»، «الحرية»، «الدولة»، «العقل»، «التاريخ»؛ بل يبدو أن العروي يحاور نفسه وكتاباته هذه وينتقدها، ليتجاوز نفسه. في نقده للمفاهيم، يمهد العروي بجردة لأوضاع العالم العربي، خلال القرنين الماضيين، حيث انتفى ارتباطهم بالمنطق الموجه للتراث الثقافي، ويَتَوَجَّبُ التفكير في الحرية والدولة والعقلانية لدخول مسار التاريخ المؤطِّر لحاضرنا الكوني.

أول مفاهيم العروي المنقودة: السجال. علاقته بالفلسفة وعلم الكلام علاقة سجالية. أما المفهوم الثاني فهو: التعددية، «إنني مجبر في النهاية على الانتصار للتعددية»، يقول المؤلِّف، ليخلص إلى أن «هنالك دائماً تعددية تزيد وتنقص، حسب الحيز الذي تتجلى فيه». وهنا يُضَافُ إلى التعددية مفهوم آخر: الاختلاف، الذي يؤسس للتفكير وللقول الفلسفي. بعد ذلك، يخصص فصلاً للحديث عن علوم المجتمع، التي تشمل لديه الاقتصاد ثم الاجتماع ثم التاريخ ثم السياسة ثم الجغرافيا البشرية ثم علم النفس ثم التربية، ليتساءل العروي في شكل صرخة: لماذا نجد هذه التخصصات موزعة عندنا على معاهد مختلفة، بينما هي مجتمعة عند غيرنا؟ ويختتم بنداء في شكل مشروع دَوْلَتِيٍّ يدعو فيه إلى إعادة بناء الهيكل الجامعي، في العالم العربي، تأخذ فيه علوم المجتمع مكانة تستحقها بجانب العلوم الأخرى، في تلاقح معها. خاتمةُ خواتمِ الإصدار الجديد، وبمثابة وصية: لا يوجد اليوم إلا شغلان جديدان: العلم والخيال العلمي. «إذا كنتَ مؤهلاً، فعليك بامتهان البحث العلمي. وإذا لم تكن، وكانت لك قدرة على التعبير، فعليك اليوم بكتابة القصص العلمي». علماً أنّ المؤرخ والمفكر المغربي، الذي انشغل بالسياسة لسنوات، قبل أن يتفرغ للتأليف الفكري والتدريس الجامعي، أصدر أكثر من 30 مؤلَّفاً بين الفلسفة، والتاريخ، والسرد الروائي واليوميات. يستند المشروع الفكري للعروي، بشقيه التأريخي والفلسفي، إلى ما يسميه «الماركسية الموضوعية»، التي تعود إلى المرجعيات الأولى لهذا النسق (هيغل، فيورباخ، ماركس، إنغلز)، في محاولة أولى لجرد تطور المفاهيم تاريخياً، ثم نقدها ثانياً، بما يسمح باستشراف مستقبلي وتحيين في الحاضر يمكن أن نرسِيَ عليهما لَبِنات المسيرة نحو التقدم. من جهة أخرى، ركز العروي على التأريخ للمغرب منذ ما قبل التاريخ إلى الراهن، مروراً بالأسس الاجتماعية للحركة الوطنية المغربية، بتوجيه السهام أولاً إلى كل الأطروحات التي تدور في فلك المركزية الأوروبية. لم يكن قَطّ مهادناً للأطروحات الارتكاسية في الأوساط العربية ــ الإسلامية، في ما يشبه «نقداً مزدوجاً» للأنا والآخر الذي برع فيه أيضاً زميله عبد الكبير الخطيبي.