سبق لنا أن تناولنا موضوع دور القوات المسلحة المصرية (وفي الأردن والسودان) في اقتصادات تلك الدول عند استعراضنا مؤلف «رجال أعمال ببدلات عسكرية» (الأخبار 22/06/2017). زينب أبو المجد الأستاذة المساعدة في تاريخ الشرق الأوسط في «أوبرلين كولدج»، تعود للموضوع نفسه في كتابها «عسكرة الأمة - الجيش والتجارة والثورة في مصر» (منشورات جامعة كولومبيا ـ 2017)، لكن بتفاصيل دقيقة وتحليلات نافذة تعتمد على مختلف المراجع الأولية والثانوية والقياسية وغير القياسية المتوافرة وذات الصلة. توضح كيفية تمكّن القوات المسلحة المصرية من التكيّف مع التغيرات العديدة التي مرت بمصر منذ الانقلاب العسكري الأول عام 1952، والذي استحال ثورة في السنوات اللاحقة حيث ارتبط العسكر بأحوال الفئات المعدمة والفقيرة وذات الدخل المحدود واتبع نظاماً اشتراكياً، لمنحها حقوقاً لم تحصل عليها قبلاً. مرحلة التغير الثانية ـ وفق الكاتبة ـ هي مرحلة الانفتاح الساداتية التي ركزت على ثقافة الاستهلاك. المرحلة الثالثة هي مرحلة المخلوع حسني مبارك التي انتقلت فيها مصر إلى مرحلة النيوليبرالية المتوحشة.

مارست القوات المسلحة المصرية أدواراً قيادية في تلك المراحل، على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والفكرية... لكن مدى هيمنة ثقافة عسكرة المجتمع (الأمة) ربما تتجلى على أفضل وجه في كلمات اللواء عصمت مراد مدير الكلية الحربية في معرض رده على سؤال داليا عثمان مراسلة صحيفة «المصري اليوم» بتاريخ 13 تموز 2017 «هل يؤهل طالب الحربية للانضمام مباشرة للعمل ضمن صفوف القوات المسلحة؟» إذ أجاب: «خلال أيام تخرج الكلية الحربية، يعي الطالب كيف يفرق بين الإنسانية والمودة وبين العمل والالتزام، ومثله مثل باقي مئة ألف مقاتل تخرجوا في الكلية الحربية على مدار 40 عاماً، الجميع يجتهد وينفذ التعليمات، فطلاب الكلية الحربية يعرفون أنهم قادة المستقبل، هم الوزراء، المحافظون، السفراء، رؤساء الجمهورية، المديرون، بفضل تضحياتهم وعملهم الجاد - التشديد مضاف». أوردت الكاتبة النص مترجماً إلى الإنكليزية، واقتبستُ نصه العربي الأصلي من موقع الصحيفة. وتعلق على تصريح اللواء بالقول: «لكن في الوقت الحالي، فإن الجنرالات هم فعلاً قادة البلاد. إضافة إلى رئيس البلاد، المشير عبد الفتاح السيسي الذي كان وزيراً للدفاع، فإن مجموعة من الألوية أو الجنرالات يقودون مختلف المؤسسات الوطنية ومنها قناة السويس والمرافئ البحرية وهيئات الدولة في مجالات الزراعة والإسكان والتجارة الخارجية والاتصالات وغير ذلك. كما أن بعض الجنرالات المتقاعدين يديرون شركات حكومية مثل هيئات المياه والصرف الصحي والإنترنت واستصلاح الأراضي...
تقرّ الكاتبة بأن القوات المسلحة المصرية أنقذت الأمة وخدمتها، ثلاث مرات أولها عام 1952 عندما حررت مصر من الاحتلال الإنكليزي وقضت على النظام الملكي وأقامت نظاماً متحرراً. المرة الثانية عندما حرّرت البلاد من حكم مبارك عام 2011 عبر انحيازها إلى الشعب المطالب برحيله، وأخيراً عام 2013 عندما انحازت إلى الشعب المُطالب بإنهاء حكم الإخوان المسلمين. لكنها تضيف: «إنقاذ الأمة عنى في الوقت نفسه عسكرتها. ففي كل مرة قامت القوات المسلحة بإنقاذ الأمة، عمل المنقذ على احتكار السلطات كافة ومراكمة امتيازات اقتصادية هائلة».
لذلك، يوضح هذا المؤلف كيف أن القوات المسلحة المصرية ــ كونها مؤسسة شبه مستقلة ذاتياً ــ عملت على الهيمنة على سياسات الدولة واقتصادها في العقود الستة الأخيرة. والمؤلف يتابع الجذور التاريخية لنفوذ القوات المسلحة المصرية سياسياً واقتصادياً وكيفية تمكنه من البقاء رغم الربيع العربي واستعادة سيطرته المطلقة. تقول الكاتبة إن القوات المسلحة المصرية سيطرت سيطرة كاملة لفترة ستة عقود مع انقطاع مؤقت لمدة 18 شهراً عندما سلمت السلطة لإدارة مدنية إسلامية. عمل الجيش المصري خلال فترة هيمنته الممتدة منذ عام 1952 على عسكرة الحياة اليومية للمجتمع وفي الوقت نفسه على تضليل مختلف فئات الشعب. فعلى سبيل المثال، قام بتزويدهم بخبز مدعوم، وبنى لهم شققاً بأسعار مخفضة، وافتتح قاعات أفراح، وصمم ملاعب كرة قدم، وباعهم مختلف المواد الاستهلاكية. فمن الممكن رؤية أعلام المؤسسات التي يملكها، ترفرف فوق مختلف المؤسسات الاستهلاكية التابعة له وكذلك مؤسسات البناء: من جسور وطرق سريعة وفنادق فخمة ومراكز اصطياف وحتى المرائب. إضافة إلى ذلك، فإن جنرلات الجيش المتقاعدين سيطروا على إدارات تلك المؤسسات الحكومية التي توفر للمواطن خدمات أساسية مثل مياه الشفة وشبكات الصرف الصحي والمواصلات واستصلاح الطرق وصيانة خطوط الهاتف. كما اخترق الجيش/ القوات المسلحة، حيوات المواطنين عبر التجنيد الإجباري الذي يمتد من سنة إلى ثلاثة سنين. فمن غير الممكن لأي شاب السفر أو الحصول على وظيفة أو حتى الزواج قبل إنهاء الخدمة العسكرية. كما تنتج القوات المسلحة أغنيات وأناشيد حماسية عن الضباط الأبطال، وأفلاماً وثائقية عن الجنود الشجعان، وتفتتح المتاحف للمعارك الكبرى، من أيام الفراعنة إلى يومنا، إضافة إلى توزيع السلل الغذائية (توقفت عن ذلك هذا العام حيث بدأت ببيعها بأسعار مخفضة جداً مقارنة بسعر السوق). تلاحظ الكاتبة أن مع أنه لم تعد هناك حاجة ملحة للقوات المسلحة ذلك أنها خاضت آخر معاركها الرئيسة قبل 40 عاماً، ووقعت اتفاقية سلام مع العدو الصهيوني، فقد عمل قادتها على إعادة اختراع أنفسهم بهدف واحد هو الحفاظ على حضورهم المسيطر والمهيمن في المجتمع المصري. بعد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد، كان على القوات المسلحة العودة إلى ثكناتها وخفض عديدها، إلا أنها استمرت في فرض التجنيد الإجباري والحصول على ميزانية ضخمة وما زالت تحتل أحياز الجماهير الاقتصادية الاجتماعية.
باختصار، تقول الكاتبة إن القوات المسلحة، بوجودها الطاغي في مختلف مناحي الحياة، حوّلت المجتمع إلى معسكر خاضع لرقابتها الدائمة.
في مجال بحثها في هيمنة القوات المسلحة المصرية على المجتمع والبلاد، تطرح المؤلفة أربعة موضوعات رئيسة. الموضوع الأول هو أن مؤسسات القوات المسلحة المصرية ليست هي التي أسست أول نظام عسكري عام 1952. الانقطاع الجوهري الأول حصل في ثمانينيات القرن الماضي بولادة قوات مسلحة جديدة هي التي تحكم مصر في أيامنا هذه. والاختلافات بين القوات المسلحة السابقة والحالية نجدها في تكوينها الاقتصادي-الاجتماعي وعقيدتها، وكيفية عسكرتها المجتمع. بينما كان قادة القوات المسلحة المصرية السابقون ينتمون للطبقة الوسطى الذين صعدوا في ظل نخب مترفة حاكمة ومجتمع معسكر أو مجيش، عبر الحروب والاشتراكية، فإن القوات المسلحة الحالية تسيطر عليها مجموعة من مديري الأعمال العسكريين، أو ما تطلق عليه اسم «ضباط نيوليبراليين» يهيمنون على المجتمع عبر السيطرة على السوق. نقطة الاختلاف الرئيسة الأخرى تتعلق بالعقيدة. بينما كانت عقيدة القوات المسلحة الأولى ذات هوية قومية عربية واشتراكية ومرتبطة بالأمور الإقليمية، فإن عقيدة القوات المسلحة المصرية الحالية ضيقة تركز على العصبية (patriotism) المصرية والأمور الداخلية. تتبع الكاتبة هذا الانقطاع وولادة الضباط النيوليبراليين الذين يتميزون بمركز ثقل في رسم سياسات البلاد. ولادة هؤلاء الضباط النيوليبراليين، تمت عند تحويل مصر إلى دولة رأسمالية نيوليبرالية تحت حكم المخلوع حسني مبارك. تؤكد الكاتبة أن هؤلاء الضباط ليسوا بالضرورة مؤمنين بمبدأ الرأسمالية، بل يعارضونها بسياساتهم لأن المؤسسات التي يديرونها تتمتع بميزات تتجاوز ما هو مسموح به في القطاعين العام والخاص. لكن أولئك الضباط يستفيدون من انفتاح السوق لتحقيق مكاسب شخصية ومؤسساتية.
موضوع الكاتبة الثاني هو أن الضباط كانوا قبل انتفاضة عام 2011 جزءاً لا يتجزأ من نظام حسني مبارك النيوليبرالي بل من صنّاعه. وقد سقط ذلك النظام لأنه لم يحقق عدالة اجتماعية، وعانى وباء الراعي-الزبون، وفساداً سافراً وانحطاط الخدمات العامة وتمايزاً طبقياً غير مسبوق. في عملية التحول إلى النظام النيوليبرالي، عيّن حسني مبارك ضباطاً متقاعدين في مراكز مدنية بهدف حماية نظامه من أي انقلابات عسكرية. ومع أنه حافظ على وجه مدني للدولة بتعيين وزراء تكنوقراط، فإن أولئك الجنرالات كانوا هم الحكام الحقيقيون للدولة. إذ تولوا مناصب حكام المحافظات، وأسهموا في إدارة اقتصاد رأسمالي مختل لأنهم كانوا في مواقع إدارة النشاط الاقتصادي في دولة نيوليبرالية. بذلك، فإن الجنرالات كانوا مسؤولين عن أغلاط النظام الذي انهار عام 2011. وتولي الكاتبة انتباهاً خاصاً لمسألة دور القوات المسلحة كمنقذ.
وفي الموضوع الثالث، تقول الكاتبة إن العسكر المصريين هم نتاج سياق إقليمي وعالمي وتغيروا مع تغير السياقين. فالقوات المسلحة جاءت إلى السلطة إبان الحرب الباردة. ومثل كثير من المستعمرات السابقة، اتبعت سياسات معادية للإمبريالية واختارت الانحياز للمعسكر السوفيتي. كذلك إن القوات المسلحة المصرية دعمت تغيرات مطابقة في القوات المسلحة العربية الأخرى. لكن عند انتهاء الحرب الباردة، عندما لم يتسنَّ للقوات المسلحة في مختلف أنحاء العالم الاختيار بين دول عظمى، اختارت الانحياز إلى جانب الولايات المتحدة. وكما كثير من القوات المسلحة الأخرى، أسّست أعمالها الخاصة بها لحماية نفسها من الاقتطاعات في ميزانياتها، ما منحها مواقع أفضلية مكنتها من الهيمنة على المؤسسة والمجتمع. وقد عمدت الكاتبة إلى إجراء مقارنة بين القوات المسلحة المصرية وجيوش في شرق المتوسط وعلى الصعيد العالمي ليتبيّن أنهم جميعاً يتشاركون في هذا الانتقال الوظيفي. موضوع الكاتبة الرابع والأخير هو أنّ هدف انصراف القوات المسلحة إلى الأعمال لم يكن فقط لتحصيل الأرباح ومراكمة المصادر. بطرق باب سوق استهلاك الطبقات كافة والتحكم في مجالاتها المدينية، فإن أولئك الجنرالات تمكنوا من تأسيس مراقبتهم الكاملة للمجتمع، مع التطلع للسيطرة الكاملة عليه. ولأن القوات المسلحة المصرية والدولة المصرية حديثتان، فإن الكاتبة تستعين بنظرية ميشال فوكو التفكيكية لترى أن الدولة عملت على مراقبة الشعب على نحو كامل بهدف خلق مجتمع منضبط ومذعِن «لا يمكن لأي شخص من الخاضعين أن يفر، وليس ثمة من أعمالهم، كافة، لا يمكنني رؤيتها». لذا فإن مؤسسات القوات المسلحة المصرية قد حولت المجتمع ومحيطه، إلى معسكر دائم، حيث يخضع كل مواطن لعين الضابط العلنية والخفية، ويُسَوَّغ ذلك كله بالحاجة إلى ضمان الأمن وحماية الأمة، دوماً وفق الكاتبة.
هذه المقدمة المهمة لهذا العرض، تقودنا إلى محتوى المؤلف. تستعرض الكاتبة نقاطاً ثلاثاً مهمة في «المقدمة» أولاها توصيف مؤسسات القوات المسلحة المصرية وتأريخها، وسنعرض هذه النقاط الثلاث «التوصيف» و«السياقية» و«التقصي» مع بعض ما وصلت إليه الكاتبة من استنتاجات.
ا) التوصيف:
مؤسسة القوات المسلحة المصرية جيش حديث قياسي، يحمل أعباء ماضيه وبنيته في مرحلة ما بعد الاستعمار وخياراته العَقِدية والحروب التي خاضها في القرن العشرين. وتقول الكاتبة إن حجم القوات المسلحة أكبر مما يجب بمراحل كثيرة، ويفرض الخدمة العسكرية على مئات آلاف الشباب المصري، ويتمتع بميزانية ضخمة ويعتنق خطاباً عصبياً متطرفاً (ultra nationalistic rhetoric) في عقيدته ويدير جهاز دعاية داهية (sophisticated) بهدف عسكرة المجتمع. أما تدريب القوات المسلحة، فيركز على الحروب النظامية، ويمتلك صناعة عسكرية كبيرة يذهب إنتاجها للاستهلاك المحلي وللتصدير. كما لدى القوات المسلحة إمبراطورية أعمال (business) لا يمكن التكهن بحجمها وأرباحها، وتهيمن على بيروقراطية الدولة التي تسهل لها ممارسة أعمالها.
تضيف الكاتبة أن القوات المسلحة المصرية، الأميركية التدريب، تعمل على طرد عدد كبير من الضباط المخولين برتبة عقيد وعميد بوصول أعمارهم إلى الأربعين، والهدف هو الحفاظ على البناء الهرمي للمؤسسات العسكرية. وهي لا تسمح بترقية إلا أعداد محدودة من العقداء والعمداء إلى رتب أعلى، والذين بدورهم يتم تحويلهم للتقاعد عند وصولهم إلى سن الخمسين، ويتم تعيينهم مديرين لمؤسسات مدنية ويحصلون على رواتب تقاعدية عالية، إضافة إلى معاشاتهم من المؤسسات المدنية. أما التعيينات، فتتم وفق الرتبة العسكرية الأخيرة والولاء!
أما عدد أفراد القوات المسلحة فهو كبير، يضم في آن خريجي جامعات وطلاب مدارس والأميين. الأخيرين يتم تحويلهم إلى وزارة الداخلية للعمل كقوات مكافحة الشغب، ويعانون أحوال عمل غاية في السوء، ما كان سبباً في انتفاضتهم عام 1986. وقد أثرَت الكاتبة مؤلفها المهم بجداول أحدها خصصته لأحجام القوات المسلحة (الجيش والبحرية والقوات الجوية وقوات الدفاع الجوي والاحتياط) من عام 1965 إلى عام 2015 حيث بلغت أعدادهم: الجيش 310000، والبحرية 18500، والقوات الجوية 30000، والدفاعات الجوية 80000. أما أعداد الاحتياط فبلغ 479000 فرد موزعين على فروع القوات المسلحة الأربعة.
كانوا ينتمون للطبقة الوسطى قبل أن يستحيلوا مدراء أعمال عسكريين


كذلك استخدمت القوات المسلحة المصرية المجندين كعمال سخرة أو بأجور زهيدة، وتضيف إن «عبد الحليم أبو غزالة وزير الدفاع المصري في ثمانينيات القرن الماضي عمل على استخدام المجندين الأميين غير الصالحين جسدياً وثقافياً وتقنياً ونفسياً للخدمة العسكرية عمال سخرة في النشاطات التجارية مثل العمل في الحقول أو المخابز، ما قاد إلى نقد البعض هذه الممارسة ووصفها بأنه عبودية (slave labour)».
من الأسئلة الأكثر إلحاحاً التي تُطرح على نحو دائم: ما حجم أعمال القوات المسلحة وما مقدار أرباحها السنوية مقارنة بدخل الدولة السنوي؟
تجيب الكاتبة على جانب من الأسئلة، وإن على نحو عام فتقول: «إن أعمال القوات المسلحة الحالية تقع تحت مظلة ثمانية تكتلات هي:
1) جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع لوزارة الدفاع. وقد أسس هذا الجهاز في أعقاب توقيع اتفاقية السلام مع العدو الصهيوني، وبدأ العمل في المجالات المدنية، وهو يملك حالياً 11 شركة عملاقة لكل منها شركات متفرعة عنها.
2) وزارة التصنيع الحربي. التي استحدثت في الخمسينيات وتملك حالياً 16 مصنعاً للتجهيزات الدفاعية.
3) الهيئة العربية للتصنيع. التي استحدثت عام 1978 وتملك حالياً تسعة مصانع حربية تم تحويلها إلى إنتاجات مدنية.
4) الهيئة الهندسية للقوات المسلحة التي تعمل مع الحكومة كمتعاقد شبه حكومي لتنفيذ مشاريع بناء.
5) جهاز الصناعات والخدمات البحرية الذي يملك أربع شركات لبناء السفن والنقل النهري.
6) إدارة النوادي والفنادق للقوات المسلحة التي تدير قاعات الأفراح والمطاعم والمقاهي وغيرها.
7) إدارة الخدمات الطبية للقوات المسلحة التي تدير المشافي العسكرية، وتقدم خدمات مدفوعة للمدنيين.
8) جهاز مشروعات أراضي القوات المسلح الذي يستعمل أراضي القوات المسلحة لمشاريع بناء.
ب) السياقية:
النقطة الثانية هو سياقيتها (contextualise) ضمن البيئة الإقليمية والعالمية، مع طرح الأسئلة النظرية والمقارنات التأويلية وأساليب التحول، وتذكر القارئ بحدوث انقلابات عسكرية في كثير من المستعمرات السابقة بعد الحرب العالمية الأولى إبان الحرب الباردة، واستهدفت الإطاحة بالأنظمة التابعة للاستعمار أو الأنظمة الرجعية (حرفياً: المحافظة)، وتذكر بانقلاب مصطفى كمال أتاتورك الذي أطاح بالخلافة العثمانية. تشير المؤلفة إلى أن الوضع في كيان العدو لا يختلف عما جرى في المستعمرات السابقة حيث تمارس العسكرة دوراً محورياً في المجتمع الإشكنازي، وفق المؤرخ باروخ كمرلنغ. عسكرة المجتمع حصلت في أوروبا أيضاً بعد الحرب العالمية الأولى. ومن الأمثلة التي توردها الحكم النازي في ألمانيا وحكم موسوليني الفاشي في إيطاليا. كما تلفت إلى العسكرة الجارية في الولايات المتحدة عبر رومنسية النظرة إلى الجنود وعد قوة الدولة العسكرية دليلاً على تفوقها. كما تعرج على دول أخرى في العالم مثل باكستان واليمن تحت حكم المغدور علي عبد الله صالح، وتركيا وكيان العدو الصهيوني بالطبع.
ج) التقصي:
تشكو الكاتبة من قلة المراجع عن القوات المسلحة العربية بعد السبعينيات، وتشير إلى مراجع متفرقة عن المادة ظهرت في 1989 و1990 و2007، إضافة إلى مؤلف ظهر عام 2011 عن الضباط المصريين إبان الفترة الناصرية.
آخذة في الاعتبار قلة المصادر، فإنها تشير إلى استعمالها مراجع قياسية وأخرى غير قياسية، ومن ذلك مذكرات الضباط والخطابات والمقابلات الصحافية مع كبار الضباط، إضافة إلى ميزانيات الحكومات والقوانين والتشريعات والنصوص الدستورية وما يرد في صحيفة «الأهرام» الحكومية وصحيفة «الأهالي» اليسارية وصحيفة «المصري اليوم». واستعملت مصادر أميركية مختلفة ذات صلة.
ننهي عرضنا هذا بالتذكير بمحتوى المؤلف الذي يضم ستة فصول، إضافة إلى المقدمة المطولة: الفصل الأول: اشتراكية بلا اشتراكيين 1950-1970»، «الفصل الثاني: الثمانينيات المباركة: أسلحة واستهلاك وفضائح» وهنا، وظّفت الكاتبة في تقصيها بعض الفضائح مراجع غير معهودة وغير قياسية ومنها رواية صنع الله إبراهيم «ليالي الحلمية». ويضم «الفصل الثالث: الضباط النيوليبراليين يراكمون الثروات: التسعينيات إلى سنين الألفية»، و«الفصل الرابع: جمهورية الجنرلات المتقاعدين: التسعينيات إلى سِني الألفية»، و«الفصل الخامس: عمال غاضبون وبقالون وسمانون إسلاميون وجنرلات ثوار: 2011-2014»، «الفصل السادس: استنتاجات: كيفية إنهاء عسكرية الأمة».
وأثرت الكاتبة بجدولين إضافيين أولهما عن ميزانيات القوات المسلحة المصرية من 1950 إلى 1915، وثانيهما عن مديري النقل البحري العسكريين ومن ذلك قناة السويس وقطاع النقل البحري ومرافئ الإسكندرية ودمياط وبورسعيد ومرافئ البحر الأحمر والنقل النهري وهيئة سلامة النقل البحري وهيئة السد العالي وغيرها.
مؤلف مهم يعرض الأمور ذات الصلة بتجرد عاطفي وربما صادم، يساعد في معرفة جذور السياسات الداخلية والخارجية المصرية، ودور القوات المسلحة المصرية في تحديدها ومعرفة أولوياتها، خصوصاً ما يتعلق بالصراع مع العدو الصهيوني، بعيداً من الأحلام والأوهام غير المسوغة.