يحدّقُ القِطّ في حذائي ويتبعُ انعكاس أحجاره المزيفة التي تتلألأ كلما لامستها أشعة الشمس. وأنا تذكرت حلمَ الليلة الماضية. قططٌ ضخمة سوداء تركضُ خلفي. حكيت ذلك لجدتي فقالت إن أحلام الخريف لا قيمة لها ولا يجب أن تُفسر. الفلاحون يحرثون الأرض ويقلبون معها رؤوسنا. لم أسألها عن علاقة الفوضى في رأسي بما يحدث في حقول الآخرين.
«قط رابضاً» (1861) لادوار مانيه

ثمّ أنظر إلى شاربي القط ّوأحاول أن أتذكر المكان الذي خبأت بداخله المقص. يجب أن أقص شاربيه ولا أريده أن يشعر بأي إهانة. المسألة ليست شخصية بتاتا لأني اخترت أن أعذّبه هو دون باقي القطط. يجب أن يفهمَ الدرس. أنا يد القدر في حياته مثلما هناك قطّ القدر الأسود في حياتي. مرات كثيرة صنعت أقدار كائنات صغيرة، هدمتُ أعشاش النمل وأغرقتها. كنت أصنعُ لهم تسونامي صغيراً بالماء وبالنفخ في الحفر وأنطلق كالجنديّ الذي يلقي بقنبلة يدوية دون أن يلتفت. على القدر أن يظل أعمى.
أقص الآن شاربي القط الذي لن يفهم ما يحدث له إلا بعد فوات الأوان. أقص شاربيه وأرددُ: لم أعد صالحة للحياة ولا يمكنني أن أستمر في العيش بعد كل الذي رأيته دون أن أكون قدر الآخرين الأسود.

تمثالٌ للجميلة على الشرفة
وأنت تقرأ باهتمام مخيف هذه المقدمة تبدو لي شخصاً يحب الحكايات الكاملة. ليست هناك أي حكاية. كل ما هناك أن المرأة الجميلة على الشرفة الزجاجية حين بلغت الأربعين ولم تنجب أطفالاً، عادت إلى البيت التي ولدت فيه. حلت بحيّنا مرة أخرى كأنها نزلت من السماء. وقررت أن تسند ثقل رأسها بكفيها وتحدق من الشرفة في العالم الذي كان داخل رأسها وهي تحاول أن تقيس الفرق بين ما كانت تحلم به قبل أن تبلغ الأربعين وبين ما تبقى. وجهها المسند على الكف ظل عالقاً في عيني. صوتها الخافت وهي ترمي لي ورقة نقدية من الشرفة الزجاجية كل يوم حين أمر من أمام بيتها، يذكرني الآن بمعنى الوقوف في مفترق الطرق. شعرها الطويل الأشقر. أحمر شفتيها المخملي حين كانت تأمرني بجملتها التي لم تتغير لسنوات. تأمرني فأمتثل. للجمال رهبة كما تعرف حتى بالنسبة لفتاة صغيرة.
أحضري لي علبة سجائر و علكة القرفة. تقول.
صوتها ما زال يتدلى في أذني كالعنكبوت التي تعبر خيط شبكتها صعوداً ونزولاً. صوتها أتذكر به الآن صورة خالدة للسأم الذي يصيب امرأة تستعد لأن تبقى وحيدة بعد الأربعين.
* المغرب