مختلفة هي الإهداءات المنقوشة على عتبات كتبها التي تغري القارئ بالجلوس، ثم توقع به في فخ القراءة! «إلى محنتي التي خرجت منها بضوء كثير» أهدت الأردنية زليخة أبو ريشة (1942) مجموعتها الشعرية الأخيرة «أزرق تشطره نحلة» (دار دلمون الجديدة ـــ دمشق). هي التي جابهت محنتها بكتابة الشعر، فأصدرت «في ثناء الجمال»، و«للمزاج العالي» وغيرهما من الأعمال... إلى جانب ذلك، تكتب زاوية أسبوعية، لاذعة في معظم الأحيان، في جريدة «الغد» الأردنية. خاضت تجربة القصة القصيرة في بداياتها، ولم تعاود الكرة، ونسجت حكايات للأطفال. وهي ذاتها التي كتبت دراسات متعددة، منها ما كان في اللغة لتحريرها من قيد الجنسوية كما في «اللغة الغائبة» الذي يعدّ من أوائل الكتب العربية التي تناولت هذا الموضوع، وبحث آخر فريد من نوعه هو «نحو نظرية في أدب الأطفال». في عام 2016، كتبت مقالاً أثار سخطاً كبيراً عليها ولم تتراجع عنه، إذ انتقدت دور تحفيظ القرآن، واصفةً إياها بأنها تعمل على «غسل الأدمغة». لم تكن هذه المرة الأولى التي تنتقد فيها المنظومة الإسلاموية السائدة في المجتمع الأردني. لذا، يبدو مفهوماً الرفض الشديد لآرائها في مجتمع صدّر آلاف المقاتلين إلى سوريا والعراق، وتبوّأ عدد منهم مراتب قيادية في الجماعات التكفيرية المقاتلة، عدا تواجد خلايا نائمة يعلن كل فترة عن تفكيك إحداها في المملكة، مما يعني وجود حاضنة شعبية لأفكار السلفية الدعوية والجهادية التي تعمل بعيداً عن دائرة ضوء الأحزاب السياسية المرخصة كما يفعل «الإخوان المسلمون» الذين تصفهم أبو ريشة بأنهم لا يقلّون تكفيرية ولكنهم لا يعلنون ذلك. «الأخبار» التقت الكاتبة والباحثة الأكثر جدلاً في الأردن «زولا»، كما اعتاد جمهورها أن يناديها مذ بدأت بالصدفة توقّع منشوراتها على مواقع التواصل الاجتماعي بهذا اللقب. حوار سردت فيه بكل أريحية سيرة حياتها، واصفة دورة فكريّة كاملة، منذ بداية التديّن انتهاءً بالأفكار التنويرية وما بينهما من بحث جادّ عن الحقيقة للتأكد من سلطة «النص» الديني.

كيف تصفين ثقافتك الدينية؟
نشأتُ في بيئةٍ دينيّة متصوّفة، حيث كان والدي حفيد شيخ الطريقة الشاذلية في عكا وسائر بلاد الشام، وكان له مريدون يؤمّون بيتنا الصغير، ويقيمون الحضرةَ والذِّكرَ، ويُنشدون الأناشيد، ويقيمون المُذاكرة والنقاش حول مخطوطة الشيخ علي وفا «المسامع». وكنت قد تشرّبتُ إيمانَ أهل الطريقة، وهو على أي حال إيمانٌ لا يقفُ عند ظاهر النصّ، بل يتجاوزه إلى الأعماق الرحيمة والجميلة، مما شكّلَ طبيعةً خاصّةً مختلفة وثورية؛ فكانت مصطلحات الجنة والنار والعروج… رموزاً لم نأخذها بحرفيّتها الموجودة لدى السلفيّة أو الإخوان. من خلال هذا النوع من التربية الدينية المتصوفة، لم أعرف الثقافة الدينية السائدة حالياً، أي ثقافة «الإخوان المسلمين»، التي كانت موجودة منذ طفولتي في الخمسينيات، ولكن ليس بالحدة ذاتها الموجودة اليوم. هذا التباين في الثقافات فرض نفسه على زواجي حين ارتبطت بأحد أعضاء الجماعة. وخصومي من «الإخوان المسلمين» الآن يرددون بأن آرائي وكتاباتي بعد الانفصال، تعبّر عن رغبة بالانتقام من الزوج وهذا يعكس أزمة أخلاق عميقة وممنهجة لديهم.

ما الذي وجدتِه وأنت قريبة من فكر «الإخوان المسلمين» ضمن المؤسسة الزوجية؟
كانت حياتي آنئذِ تعيشُ «صراعَ نصوص»، بحيثُ كنتُ مأمورةً كزوجة عليها أن تخضعَ لسلطة النص الديني التي يفسرها الإخوان على أنها سلطةٌ للرجل على المرأة. ولكم بدوتُ سمكةً خارجَ مائها، حيثُ كنتُ قد نُشِّئتُ كأنثى مستقلةَ الإرادة، محترمة الكينونة، لا فارق عند أبي بين ذكرٍ وأنثى. واستخدام النص المقدس كمرجعيّة للتعامل اليومي في شؤون الحياة، وفي نزوعي إلى التفرد والاستقلال في الشخصية والقرار الذي يخصني، جعلني أذهب بعيداً في تعميقِ دراستي للإسلام؛ فتسجلتُ في «معهد الدراسات الإسلامية» في القاهرة من أجل الدراسة. ولحسن حظي كنت قد درّست في معهد المعلمات التابع لـ «الأونروا» مادة مشابهة. كنت أريد إجابة من الداخل للتأكد من صحة سلطة النص. خلال هذه الرحلة، تعمّقت في مواضيع متعددة مثل الحجاب. انتهى زواجي بعد 19 عاماً وكانت فترة كافية لإنهاء هذا الصراع وبلوغ خلاصاتٍ فيه، وكانت لدي قراءة نقدية لأدبيات الإسلام والإخوان.

هل كانت الثورة الإسلامية في إيران السبب الأقوى في نشر ثقافة التدين في الأردن؟
بواكير أسلمة المجتمع في الأردن بدأت قبل الثورة الإيرانية، فقد كان هناك نشاط لجماعة الإخوان المسلمين منذ الأربعينيات، وقد شكّلت النكسة الفلسطينية في عام 1967، تاريخاً مفصلياً لكل الأمة العربية بانكسار المشروع القومي العربي. تم استغلال الحدث من قبل الإخوان المسلمين والوهابية، التي لم تكن قوية حينها، للترويج للسبب الذي أدى إلى الهزيمة وحصره «بالبعد عن الله».
حين انتقدت مراكز تحفيظ القرآن، اعتبرت رابطة الكتاب في الأردن بأنني «أهاجم القرآن»

لحظة الضعف النفسي والوجداني لدى الشعوب العربية بعد انكسار المشروع القوميّ، سهّلت دخول أيديولوجيا الإخوان المسلمين إلى المجتمع التي بدأت تحلّ تدريجاً مكان الفكر والمشاعر القومية، فتراجع القوميون والناصريون وبدأ التحوّل إلى اليمين. هذه الأحداث كلّها سبقت الثورة الإيرانية بعقد من الزمن، حيث ظهر النفط حينها كقوّة في السعودية التي أعلن ولي عهدها أخيراً نشر الوهابية في العالم في فترة الحرب الباردة باتفاق مع الأميركيين. هنا التقت مصالح الإخوان مع النظام والمال السعودي والإدارة الأميركية، فبدأت المليارات تُغدَقُ على الإخوان في الأردن، لتنشئة أجيالٍ جديدة من السلفية الوهابيّة، عبر الإكثار من بناء المساجد وإقامة آلافٍ من مراكز تحفيظ القرآن وتقديمِ منحٍ لإعداد الدعاة في جامعات السعودية. كل هذه العوامل التقت مع لحظة تاريخية تحالف بها النظام في الأردن مع الإخوان لمجابهة اليساريين والقوميين. على أثرها، أمسكت الجماعة بزمام الأمور في وزارة التربية والتعليم لمدة 50 سنة تمت خلالها «أخونة» المناهج والكتب المدرسية والتأثير على نوعية الموظفين، حتى وصلت الأسلمة إلى قطاع المدارس الحكومية والخاصة!

كيف أحدثت مناهج وزارة التربية والتعليم هذه الردة في المجتمع؟
لا أحب أن أسمّيها ردّة لأنها تحيل إلى مصطلح ديني، أفضّل تسميتها «تخلّفاً» ورجوعاً إلى الوراء، حيث صرنا عبدة للماضي الذي يجب، بدلاً من دراسته واستخدام المنهج النقدي في فهمه والإفادة من دروسه. كل المصلحين في العالم يرون في إصلاح التربية، السبيل لتحقيق نجاح المجتمعات وتقدّمها. ومحلياً تُرِكَتْ التربية نهباً للفكر الماضوي وللإسلام السياسي الذي يريد إعادة الخلافة الإسلامية وبلوغ السلطة لحكمنا باسم فهمه الخاص للدين. وفي دراسة صغيرة أجريتها عن موضوع الكتب المدرسية ورصدتُ فيها مظاهر الأسلمة، وجدتُ أن هذه الكتب اقتصرت على وجود المسلمين ومعاداة ما عداهم، والاحتفاء بتاريخ الإسلام وشخوصه، وتجاهل العصر الذي نحنُ فيه.

ماذا عن الجماعات السلفية الدعوية والجهادية، وهل خطرها أكبر من خطر الإخوان؟
هذه تركة الوهابية وأموال الخليج، ولم تقتصر مصادر التمويل على الحكومات فحسب، بل كان هناك أيضاً أفراد يموّلون الطرفين. لا يمكن التغاضي عن أن الإخوان المسلمين تفريخ للحركة الوهابية؛ فحسن البنا كان يتردّد بشكل منتظم على مكة والمدينة في العشرينيات من القرن الماضي، حتى تسميتُه للإخوان مأخوذة من حركة كانت موجودة في الحجاز باسم «إخوان طاع الله». أما تفسيري وتعليلي الذاتي في ما يخص اختلاف حركة الإخوان عن السلفية في تشدّدها، فذلك بسبب البيئة التي أتى منها مؤسس الحركة وهي بيئة مصرية ليّنة بالماء والخضرة، والشخصية المصرية شخصية لَدِنة على عكس الشخصية الصحراوية في شبه الجزيرة العربية. أرى أن حسن البنا لطَّف قساوة الأفكار الدينية بأن «رش عليها من ماء النيل». بالنسبة لسؤالك عن أيهما أخطر، فكلاهما خطر في سعيهما إلى السلطة، يختلفان أحياناً في الوسيلة لبلوغها، والإخوان تكفيريون ولو لم يعلنوا ذلك. وإذا أعلنوا غير ذلك، فهي التقيّة وإخفاء الحقيقة.

ما مدى صعوبة التصادم مع المنظومة الدينية السائدة؟
لم يكن أمراً سهلاً. بداية الأمر كان التصادم ــ كما ذكرت ـــ يتمثّل في صراع النصوص داخل المؤسّسة الزوجية، وكنت قد بدأت الكتابة من دون «استئذان» بطبيعة الحال، وقد أحدثَت مقالاتي التي كنت أنشرها في جريدة «الرأي» الأردنية منذ عام 1980، صدمة لدى الوسط الإسلامي. وأذكر أن أول مقالة نشرتها في زاوية «7 أيام» كانت عن النقاب، وعلّقَ عليها الشيخ علي الطنطاوي في حديثه الإذاعي من الرياض، محرّضاً عليّ الأجهزة والدولة ومعتبراً أنني منحلّةً وعميلةً للغرب!
واجهتُ ضغوطاً شديدةً من السلك الإخواني لتغيير لهجتي وموضوعاتي التي تمسّهم في الصميم. وبعد «فكّ الارتباط» معهم، بدأت المساجد تشتمني وتكفرني وتغتال سمعتي، ووزِّعت منشورات قبيحة المحتوى ضدي في الفترة التي سبقت عودة الحياة البرلمانية للأردن في عام 1989، أي في فترة الأحكام العرفية. كانت هذه المنشورات تحتوي على إساءات بالغة واغتيال شخصية، وتكفير. كما تم تناولي في جريدة «اللواء» الإخوانية بسلسة من المقالات الموقعة باسم فاطمة سالم لكاتبٍ ذكر، وامتلأت الصحف المحلية بردودٍ ناريّةٍ بالعشرات ولم تكن بعيدة عن التكفير والتخوين.

هل كانت الدولة جادة في محاربة التكفير والظلامية؟
لا، ليست جادة على الإطلاق، وما زالت غير جادة. يستدعي الأمر تجفيف منابع الإرهاب المتمثلة في مراكز تحفيظ القرآن كلها، فهي تحمل ايديولوجيا إخوانية أو سلفية، الدروس الدينية في المساجد، الدعاة رجالاً ونساءً الذين تقوم وزارة الأوقاف بتفريخهم وإعدادهم بمنحٍ من جامعاتٍ سعوديّة! الجدية في محاربة التكفير والظلامية، تكون بوقف التمويل الخارجي الخليجي لمنابع الإرهاب التي ذكرتها، فهناك إنفاق كبير فوق حلم أسر فقيرة بأعداد كثيرة، وهنا لا بد من نقد اليسار الذي يركّز دائماً على خطر التمويل الأجنبي الغربي القليل، مقابل صمته عن المليارات العربية التي دخلت الأردن وأسست لفكر متوحش صحراوي قبيح.
أنا أرى أن هناك ضرورة لتحويل مراكز تحفيظ القرآن إلى مراكز ثقافية تعلّم المسرح وتعرض الأفلام ويمارسُ الأطفال فيها سائر الفنون، وهذه الأخيرة بالذات أوقفوا حصصها في المدارس على الرغم من أنها موجودة في المناهج.

ما رأيك بالنخب التي تحدد لنا نمطاً من ثقافة يقبلها الغرب وتستخدم لغة استعلائية، وتحاول تشكيل رأي بنسخ غريبة عن مجتمعاتنا في أمور تخصنا؟
هناك قضايا عامة إنسانية يتمّ تناولها ولا تخص الغرب وتنظيراته فقط، وهناك بعض النخب التي جاءت متبنية للفكر الرأسمالي والليبرالية الجديدة، وهذا أمر أعتبره في غاية السوء. لذلك سنرى خلطاً في المفاهيم وعدم وضوح للبوصلة وتوهّماً للأدوار، مع العلم بأن النخب لا تقوم الآن بأي دور. بالإضافة إلى ذلك، يوجد انتقال خطير للنخب التي يعوّل عليها وكانت شريكةً حقيقيةً وأصيلة في عملية التنوير، إلى اليمين والإسلام السياسي بأطيافِه في خيانة لجذورها الفكرية. والشيء بالشيء يذكر من بين الذين هددوني بالقتل وقمت برفع دعاوى عليهم، كان هناك مهندسون وشيوعيون سابقون أصبحوا إسلاميين. لست مع الليبراليين الجدد، ولكني قد أتقاطع معهم في لحظة أو على موقف محدد كما أتقاطع مع غيرهم.

هل لدى منظمات المجتمع المدني فرصة في عملية تغيير ملموسة؟ وما هو رأيك بالدعوات المتكررة لمفاهيم المجتمع المدني؟
بداية أنا أرى المجتمع المدني كجيب أو جزيرة صغيرة في محيط إسلاموي كبير لا أمل فيه ولا يمكن تغييره إلا بتجفيف منابعه، ولا أعلم مدى قدرة المجتمع المدني على القيام بمشروع حقيقي وهو مجزأ ومفتت بالمقارنة مع الإسلاميين الذين يملكون بناء صلباً خصوصاً في الجانب الاقتصادي. أنا لا أبخّس ما تقوم به منظمات المجتمع المدني، وأشكرُ كلّ جهدٍ يواجهُ حالتنا من ضعفِ الدولةِ وتغوُّلِ الإسلامويين. ومن الطبيعي أن تكون الاستراتيجيات ضعيفة، ما دام التنويرُ والعلمانيّة تستفزّان الإخوان والسلفيين. هناك أخطاء بلا شك، ولكن التشابك والتعاضد يؤدي إلى حدوث تيارٍ تنويري علماني يستطيع التصدي لتيارات أخرى مسيطرة.
من زاوية أخرى، أنا أتوجّس من أي توجه يحمل إعجاباً بالنموذج الأميركي وبالإسلام على الطريقة الأميركية وينتمي له بشكل مبطن، مع العلم أني قد أتقاطع معه في لحظةٍ مصيرية كالاتفاق على إحداث تيار تنويريٍّ علمانيٍّ يواجه هذا الخلل المخيف لدينا.

هل هناك مأزق هوية في الأردن؟
نعم، هناك مأزق هوية على مستويات عدة. فقد كان طابع الهوية في البداية عروبياً منذ تأسيس المملكة مع وجود عناصر غير عربية في تلك الفترة من شركس وأكراد وغيرهم. إلا أن ذلك لم يشكل عائقاً ولا صراعاً، فقد كانت اللغة العربية هي الناظمة لهذه الهوية الجامعة. بعد الانكسار القومي وبدء التسلل الإسلاموي، صارت الهوية إسلامية، فأصبح التعريف عن النفس يختصر بالقول: أنا مسلم. لقد ترتب على ذلك عداء لغير المسلمين من مسيحيين ودروز. بعد أحداث أيلول (سبتمبر) من عام 1970 بين النظام في الأردن والفلسطينيين، ومع وجود أخطاء كبيرة في تلك المرحلة، بدأ تمييز فعلي في الهويات الفرعية (أردني، فلسطيني) وانتقل الأمر من جانبه السياسي إلى الجانب الحياتي اليومي وهذا سبب لترميز هذه الهويات من خلال تشجيع الأندية الرياضية مثلاً. إنني أقوم بتوصيف حالة ولكني غير مؤمنة بهذه المسميات، من بين الظواهر المحلية وجود أزمة لدى الفلسطيني، هل هو أردني أم فلسطيني؟ وهناك سجال غير صحي أحياناً بين «شرق أردني» وبين «فلسطيني» لحسم هذه القضية، ولكن الوضع شائك وغير بسيط.

كيف وقفت إلى جانبك الحركة الثقافية في الأردن بعد تعرضك للتهديد ولهجمات تناولتك بشكل شخصي؟
لم يصطف أي جسم ثقافي في الأردن إلى جانبي، وحتى رابطة الكتاب لم تتبنّ موقفاً إيجابياً تجاهي على مدار تعرضي لأربع حملات من التهديد والهجوم، بل وقفت ضدي، ولم يصدر عن هيئتها الإدارية أي بيان يتصدى لهذه التهديدات. وحين انتقدت مراكز تحفيظ القرآن قبل سنتين، اعتبرت الرابطة بأنني «أهاجم القرآن»، مع العلم بأن هناك شخصيّات في الرابطة دعمتني، لكنها لم تستطع التأثير على موقفها. كما لم أتلقّ أي دعم من جمعيات حقوق الإنسان، بل جاءني الدعم من منظمات أهليّة خارجيّة، مثل منظمة «القلم» العالمية التي أنا عضو فيها.
في ثمانينيات القرن الماضي، مررت بمحن وواجهتها وحدي، ولكنها الآن مكثفة وواسعة أكثر بسبب مواقع التواصل الاجتماعي. بعض المثقفين يقولون لي إنني لم أستشرهم عندما دخلت هذه المعركة، وآخرون قالوا إنهم لا يعرفون معرفتي في الدين ليأخذوا موقفاً، لذلك جابهت هذه التهديدات بمفردي.

تسمية حسن البنا للإخوان مأخوذة من حركة كانت موجودة في الحجاز باسم «إخوان طاع الله»


من وقف إلى جانبي في هذه السنوات الأخيرة أدباء وأديبات تنادوا بشكل شخصي من بينهم الكاتب المرحوم جمال ناجي الذي فقدناه أخيراً، إضافة إلى بعض الكتّاب العرب الذين تواصلوا معي وهاتفوني. ومن وقف بجانبي بشكل حقيقي أشخاص تعرّفت إليهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ومجموعة رائعة من النساء القديرات في حقولٍ متعدّدة، شكلن لي دعماً مادياً ومعنوياً بعيد الأثر. وأستطيع القول إن هناك شباباً واعياً الآن يفحص المدوَّنة الدينية، وينقدها بلا خوفٍ من الإرهاب الفكري المحيط بنا، رغم ارتفاع كلفة ذلك، إسلام البحيري مثالاً.

هل كنت مثل كثيرين الذين وقفوا مع ناهض حتّر بعد استشهاده؟
كنت قد وقفت إلى جانب ناهض حتر حين تعرض للهجوم قبل مقتله، وكان هناك عدد من المتضامنين معه على مواقع التواصل الاجتماعي في حين امتنعت الحركة الثقافية عن القيام بدورها، للأسف، إزاء التهديدات التي تعرّض لها وأودت بحياته. بل هناك من أدانه كما فعل القرار المتهوّر لرئيس الحكومة السابق بالقبض عليه! هناك جبناء وهناك انتهازيون وهناك خونة مبادئ.

هل هناك بوادر حركة تنويرية محلية، في حين نشهد اختفاءها على الساحة العربية، وفي أحسن الحالات ظهور بعض المفكرين المدفوعين بدعم جهات ذات أهداف سياسية، وأقصد بالذات الدعم الخليجي للمؤسسات والأفراد في سياقات معينة تركز على الافراد وتبتعد عن المجتمع كمنظومة قابلة للتعدد؟
هناك عدد من المؤسسات التي أوجدها المال الخليجي (وهذا مال يختلف عن التمويل لجهات إسلامية)، فنجد منطلقات مختلفة شعاراتها تنويرية وحداثية ولكن في حقيقة الأمر هي توفيقية؛ فمن المستحيل أن يحدث هناك توافق بين الإسلام السياسي والحداثة. محلياً، هناك مؤسسات ثقافية مدعومة خليجياً، تعكس حالة عامة في الوطن العربي حيث يحتضن الخليج مؤسسات ومبادرات وجوائز عدة متعلقة بالشعر والرواية والغناء... أنا لست ضد الأدباء وإنتاجهم لكن تجب الإشارة إلى أن هناك معايير «وسطية» تفرض على الثقافة بحيثُ توضع حدود لحقوق الإنسان وللتساؤل وللحريات، ولمعنى الثقافة، ولدور المثقف/ة في مواجهة قضايا المجتمع.

نشرت لك مادة العام الماضي في جريدة «الأخبار» تتحدثين فيها عن الكتب التي أصدرتها ما بين الشعر والبحث والمقال الصحافي، وقد صدر لك أخيراً ديوان شعر بعنوان «أزرق تشطره نحلة»، كيف تناولك النقاد بشكل عام؟
ديواني الجديد هو مجموعة من نصوص قديمة، لكن لديّ مخطوطات جديدة، أنوي التفرغ لترتيبها وإخراجها إلى النور. ما زلت أملك الشغف بالكتابة وخصوصاً الشعر الذي أجد فيه متعتي الروحية الخاصة وأجد فيه ذاتي وأتحاور من خلاله مع الكون، ولكنني أعتبر نفسي غير محظوظة في موضوع النقد، وأستطيع القول بأن النقاد تجاهلوني. وبتقديري الشخصي مرد ذلك خوفهم على سمعتهم كي لا يفهم تعاطيهم مع نصوصي على أنه دعم وتبنٍّ لآرائي، وهذا انسحب أيضاً على عدم تناول كتبي في الرسائل البحثية الجامعية داخل الأردن، رغم استخدامها كمراجع من قبل طلاب في أميركا وأوروبا.