الضحيةُ التي سرقتْ بيتِيتربي أزهاري على جرحِي
تقرأُ جريدةَ أبي كلَّ صباحٍ
من حقولِ القمحِ
حتى تلالِ المريميةِ
تفتشُ في قمصانه عني
تراني مصلوباً بين خيطين
في فروةِ الروايةِ

«في البدء كانت ثورة» لسليمان منصور (زيت على قماش ـــ 200 × 500 سنتم ـــ 2016)

وصياحِ ديكنا المشاكسِ
بين دجاجتين
الضحيةُ تجفّلُ مني
كلما لامستْ صورةُ جدتي
معطفَها المستوردِ
فتلعنُ السماءَ على مطرٍ
اضطّرها أنْ تعودَ إليَّ
كشبحٍ ينبتُ من بين أصابعِها
يدخلُ وسادتَها وينصبُ
كميناً لاصطيادِ نومِها المبعثرِ
فتقرأُ في كتابٍ مملٍ عن حبّ فاشلٍ
لبولِ سيلان
تتقمصُ نهايتَهُ وتسقطُ عن الجسرِ
في مقبرةِ «تييس» قبلَ أن تكتبَ وصيةً
من سطرينِ ونصف لابنها المهاجرِ
بعدَ أنْ تعترفَ له أنني مثلُها
ضحيةٌ
الضحيةُ تراني قربَها في كوخٍ
وسطَ مخيمٍ يَعِجُّ بالضجيجِ
تعرفُ أنني أشُبهها
يوم كانت
في الرابعة من عمرها
لكنها تطردُ ماضَيها
بسحبِ الهواءِ من رئِتي
تتركُ الحديقةَ للبكاءِ
لتصلبَ ديرَ ياسينَ
على موتٍ وهجرةٍ
تتقنُ فنَّ الضياعِ
الضحيةُ تهربُ مع قمرٍ شحيحِ الطلعةِ
هزمته مرآةُ البئرِ
ولحن اختلت أوتارُه
في مساءاتٍ هزيلةٍ
تكررتْ من ضجرٍ
لا يجيدُ سوى كسرِ الناياتِ
على ضحيةٍ خلقت من وجعها
ضحايا تخرج أسماؤهم
من تحتِ جلدِها
كلما اقتربتْ من ألبومِ الذكرياتِ
الضحيةُ الناجيةُ من عهدِها العتيقِ
تعيدُ فيها كلامَها عن الطغاةِ
الذين حولوا أزهارَ «أوشفيتس»
إلى مقاصلَ وأنفاقٍ
**
«أوشفيتس» الأمسِ
«كفر قاسم» اليومْ
«قانا» مرتين تزحفُ
على بطِنها بعد قتلٍ
اخترعته الضحيةُ
لضحايا لم يرتكبوا ذنباً
ليدينِ هاربتينِ من «الهولوكست»
سوى أنهمْ وقعوا في مصيدةِ
النوايا الحسنةِ
الضحيةُ تحاصرُ عكا
بالبارودِ ونشيجٍ مبتذلٍ
يحملُه صدى على ظهر صدى
يخنقُ العالمَ من وجعٍ زائفٍ
تكرّره ليلَ نهارٍ في ضحاياها
تفتحُ مقابرَ لإحلامِ حيفا القديمةِ
تكسرُ رمشَ الشمسِ عن يافا
الغزالةُ التي كانتْ تغزلُ بحراً للحياةِ
وترعى صخرةَ المغيبِ لعاشقين
من بيسانَ
دَرَسَا العربيةَ في بئرِ السبعِ
تحتَ ظلّ داليةٍ
جَاءَ بها الزرّاعُ من خليلِ الرحمانِ
وتفتحتْ رغبتُهما بعدَ سنتين
في رحلةٍ مدرسيةٍ بريئةٍ جداً
للقدسِ العريقةِ
يطيرانِ بينَ أجراسِها والمآذنِ
العاشقانِ لم يقرأا يوماً سيرةَ الضحيةِ
والضحيةُ الناجيةُ من المحرقةِ
سجَّلَتُهما في قوائمِ الضحايا
المطلوبينَ للموتِ إذا كذَّبتْ الأغاني
لحنَ المؤرخِ الشيطانِ
**
في المكانِ بين اللدِ والرملةِ
عازفُ جيتارٍ من كييفْ
والده كان زوج الضحيةِ
لم يجدْ تابوتاً لساقٍ مبتورةٍ
أكلها الترابُ وتفجرتْ الذاكرةْ
الضحايا في ذاتِ المكانِ
تغيرتْ عناوينهم برصاصِة
فأصبحتْ دمشقُ كبغدادَ
وعمانُ كلبنانَ ومعهم القاهرة
هجرةٌ تفتحُ البحارَ على دسرٍ واصبة
والفلسطيني هو الشريدُ بينَ كلّ الأمكنة
ينصبُّ خيمةً
فينبتُ من خاصرتِه ألف مخيمٍ
عازفُ الجيتارِ ابنَ زوجِ الضحيةِ
يصنعُ مسدساً وطائرةً
لنورسٍ يعلّمُ البحر السكونَ
في انتظارِ حلمٍ لا يهدأُ
في انتظارِ غدٍ بجناحينِ
من سحابٍ
يعيدُ الضحايا
إلى بيتهم المسروقِ
* شاعر فلسطيني من غزة