بعد «إرادة المعرفة» (1976)، «استعمال الملذات» (1984)، «الاهتمام بالذات» (1984)، أتم ميشال فوكو (1926 ـــ 1984) في «اعترافات الشهوة» (غاليمار) ـ الذي بقي حبيس الأدراج 34 سنة ـــ الدراسة الأركيولوجية لمفاهيم وممارسات الجنس من خلال نصوص رجال الدين في المسيحية الأولى. إذ ركّز على القرنين الرابع والخامس، متناولاً موضوع الشهوة ضمن المنظومة القهرية للمؤسسة الدينيّة نصوصاً وممارساتٍ.أهمية عمل فوكو تتجلى في تركيزه على تحويل الممارسة إلى حقيقة يوميّة وسياسية ينبغي للمسيحي اتباعها ليدور في فلك النظام الرباني، مع أن هذه الممارسات لا تنتمي فقط إلى الحلقة الخاصة كـ «التعفف عن الرذيلة»، بل لها ضوابط مؤسساتية وعلنية كالاعتراف والتعميد، فيما نظام الطاعة هذا قائم عبر مجموعة من التقنيات التي أسماها آباء الكنيسة الأوائل الحَوْكَمَة المسيحيّة. هنا، يتحول الجسد فضاءً خاصاً ومقولةً دينيّة تتحكم بها الكنيسة، من خلال تنظيم الزواج، العفة، الكفارة، التعميد، العذرية، كما لو أن الجسدَ الطاهرَ صورةٌ لجسد الرب المنزه عن كل دَرَنٍ أو دَنَس.
كعادته في الأجزاء الثلاثة الأولى من «تاريخ الجنسانية»، يستند فوكو، في تحليله، إلى المنهج الأركيولوجي نفسه في الكشف عن قهر السلطة للجسد، بقراءة النصوص الرسميّة بوصفها انعكاساً لهيمنة المؤسسات التي تمارس سلطتها على الجسد، ومحللاً المسلَكِيَّات التي تعكس الحقيقة الجسديّة والسلوكيات المرتبطة بها، كنتاج شبكة من علاقات القوة المتغيرة: الممارسات المسيحية المرتبطة باللذة تتخذ إما شكل محاولات تأويلية تربط هذه الممارسات بما هو ربانيّ، وإما شكل محاولات لقمعها. كأن عملية القمع هذه هي التي تُكَوِّنُ الذات الطهرانيّة، التي يَجْدُرُ بها أن تقابل الرب في الممات والبعث. هذه التقنيات ـــ في هيأة تعليمات وفنون مختلفة ــ ممارساتٌ لصقل الذات ومحاولة لإقامة نظام شبه طبيعي للحياة. في محاولة لتلخيص الكتاب في جملة مركزة، صرحت المحللة النفسية إليزابيث رودِنِسْكُو للصحافة، قائلة: «متمحورةً حول طريقة تَمَثُّل القديس أوغسطين وآباء الكنيسة للرغبة، ها هي اعترافات الشهوة تصدر أخيراً».