هناك رابط ما بين الإسلام ونجمة الزهرة. يتضح ذلك من حقيقة أن يوم المسلمين المقدس من بين أيام الأسبوع هو يوم الجمعة، الذي هو يوم الزهرة: «رب يوم الجمعة الزهرة» (ابن المطهر، البدء والتاريخ). يضيف إخوان الصفا: «يوم الخميس المشتري، ورب يوم الجمعة الزهرة، والسبت زحل» (رسائل إخوان الصفا). أضف إلى ذلك أن هناك من يخبرنا أن: «الزهرة تدل على الإسلام» (القزويني، آثار البلاد). كما أن هناك من يؤكد لنا: «أن الملة الإسلامية انعقدت في نوبة الزهرة» (التوحيدي، البصائر والذخائر). أي إن الإسلام انبثق كدين في فترة سيادة الزهرة فلكياً. أما ياقوت، فيربط العرب ككل، وليس الإسلام فقط، بالزهرة، ويزيد بأن يشرك المشتري في أمر الإسلام: «لأن الزهرة دليلة العرب، وبها، مع المشتري، قامت شريعة الإسلام» (ياقوت الحموي، معجم البلدان).
غير أن الأهم أن الإمام الغزالي، حجة الإسلام، يقدم لنا إشارة أقوى على ارتباط الإسلام بالزهرة. يقول: «وقد بخّر زرادشت للمريخ وعطارد. وقد بخّر محمد رسولنا للزهرة يوم الجمعة» (الغزالي، سر العالمين). وليس بالأمر الهين أبداً أن يبخّر الرسول للزهرة إن صح الخبر. يضيف الغزالي ناقلاً عن المنجمين: «وقد ذكر الجمهور منهم [المنجمين] إن طالع رسول الله... تولاه الزهرة» (الغزالي، سر العالمين). وهكذا، فغالبية المنجمين تربط بين الرسول محمد وبين نجمة الزهرة. فالزهرة طالعه. وهذا يؤكد الخبر السابق بشكل ما.
لكن الأغرب من ذلك أن الغزالي يقدم لنا دعاء موجهاً للزهرة. نعم دعاء دينياً موجهاً من حجة الإسلام لنجمة الزهرة باعتبارها كائناً إلهياً أو شبه إلهي: «وتقول في يوم الجمعة مخاطباً للزهرة: أيتها النفس الطاهرة والزهرة الزاهدة الباهرة، ذات اللهو والطرب والرقص واللعب والشرب والأكل، الفرحة النزهة، الناظرة، المزينة، الطائعة لربها، الحرة الطاهرة، أسألك أن تعطيني ما يصلح منك لي» (أبو حامد الغزالي، سر العالمين وكشف ما في الدارين).
والمثير أن الزهرة في هذا الدعاء تتوزع بين اللهو والطرب من ناحية، وبين الزهد من ناحية أخرى. فهي «ذات اللهو والطرب والرقص واللعب والشرب والأكل»، إضافة إلى أنها «نفس طاهرة زاهدة». ونحن نعرف بالطبع أن هذه الزهرة هي ذاتها التي أسكرت الملكين هاروت وماروت وأسقطتهما: «الزهرة كانت صاحبة هاروت وماروت» (القرطبي، تفسير القرطبي). أما فسقها فمعلوم تماماً: «الزهرة كانت بغياً عرجت إلى السماء باسم الله الأكبر فمسخها الله شهاباً» (ابن قتيبة الدينوري، تاويل مختلف الحديث). ولاحظ جملة «بغياً عرجت إلى السماء». إنها جملة متناقضة مدهشة.

عروبة

والاسم الأقدم ليوم الجمعة عند العرب هو عروبة. فقد كانت أيام الأسبوع قبل الإسلام بوقت على الشكل التالي: «الأحد: الأول [أول أحياناً]، والإثنين: أهون، والثلاثاء: جُبار، والأربعاء: دُبار، والخميس: مؤنساً، والجمعة عروبة، والسبت شيار» (اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي). يضيف اللسان: «وفي حديث الجمعة: كانت تسمى عروبة، هو اسم قديم لها». وكان كعب بن لؤي «أول من سمي يوم الجمعة بالجمعة، وكانت العرب تسميه عروبة» (اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي). وهذه الصيغة تشير ربما أن كعبا هذا كان من عباد الزهرة.
وليس هناك اتفاق على معنى الاسم «عروب، عروبة». أما الدكتور جواد فربما كان ميالاً إلى أنه من أصل غير عربي، كما اشتبه بعض اللغويين القدماء: «وقد انتبه علماء العربية إلى اسم «يوم عروبة»، فقالوا: هو اسم قديم للجمعة. «وكأنه ليس بعربي». وعروبة «بمعنى غروب في السريانية وفي العبرانية وقد سمي اليوم السابق للسبت «عروبة»، لأنه غروب، أي مساء نهار مقدس» (جواد علي، المفصل).
وربط الدكتور علي بين الاسم «عروب، عروبة» ومعنى «الغروب» في السريانية والعبرية احتمال وارد. ولعله يكون وارداً بقوة إذا عرفنا للزهرة وجودين: مسائي وصباحي. فحين تطلع في الفجر قبيل الشمس «نجمة الصباح»، وحين تطلع بعد غروب الشمس تكون «نجمة المساء». بالتالي، يمكن أن يكون الاسم «عروب، عروبة» اسم الزهرة عند طلوعها المسائي. وعروبة في هذه الحال صفة للزهرة في وجودها المسائي، وهي تعني: التي تطلع عند الغروب، أي الزهرة المسائية. ويبدو أن هذه الصفة (عروبة = المسائية) غلبت على الاسم (الزهرة) لاحقاً، فصارت كلمة «عروب» تعني الزهرة مباشرة. بالتالي، يمكن القول إن اسم يوم الجمعة «عروبة» كان في الأصل اسماً لمساء الجمعة، أي المساء الذي يسبق السبت، ثم صار اسماً ليوم الجمعة ككل لاحقاً. من هنا فالزهرة هي التي أعطت اسمها، أو صفتها، ليكون اسماً ليوم الجمعة.
الحرم القدسي كان حرماً للإلهة الزهرة في عرف القدماء


لكن جذر «عرب» العربي يعطي معنى الحسن والجمال، ويبدو أن هذا المعنى مأخوذ من اسم الزهرة (عروب، عروبة) ذاتها. فهي جميلة السماء وفاتنتها: «المرأة العَرُوب: الضَّحاكة الطيِّبة النفس، وهُنَّ [بالجمع] العُرُب. قال الله تعالى: فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكاراً. عُرُباً أَتْرَاباً [الواقعة 36- 37]» (ابن فارس، مقاييس اللغة). يضيف اللسان: «العروبة والعروب: كلتاهما المرأة الضحاكة» (لسان العرب). يزيد الزبيدي: «فأَما العُرُب فجمعُ عَروب وهي المَرْأَةُ الحَسْنَاءُ» (الزبيدي، تاج العروس). العروب حسناء ضاحة لأن الزهرة هي حسناء السماء الضاحكة الطروب المبتهجة.
يؤكد هذا ملاحظة لابن وحشية وصف فيها الزهرة، التي تسمى أناهيد عند الفرس، بأنها مطرية السماء: «الفصل الخامس من الباب الخامس في صفة قلم كوكب الزهرة، أناهيد، مطرية الفلك» (ابن وحشية، شوق المستهام). وتعبير «مطرية الفلك» يعني شيئاً يشبه قولك «غانية الفلك» أو «فاتنة الفلك»، أي فاتنة السماء. إذ يقال في العربية: «امرأَة مَطِرة: كثيرة السواك، عَطِرة طيبة الجِرم، وإِن لم تُطَيَّب. والعرب تقول: خير النساء الخفرة العطرة المَطِرة... قال ابن الأَثير: والعَطِرة المَطِرة هي التي تنظف بالماء، أُخِذَ من لفظ المطر كأَنها مُطِرت فهي مَطِرة أَي صارت مَمْطورة مغسوله» (لسان العرب).
لكن جذر «عرب» يكاد يكون ضداً. فالمرأة العروب هي العاصية والمطيعة معاً: «العروب المطيعة لزوجها، المتحببة إليه. قال: والعروب أيضاً العاصية لزوجها، الخائنة بفرجها، الفاسدة في نفسها» (لسان العرب). يضيف ابن فارس: «مرأةٌ عَروبٌ، أي فاسدة» (ابن فارس، مقاييس اللغة). وهذه هي طبيعة الزهرة المتناقضة، فهي زاهدة وفاسقة، عاصية ومطيعة معاً. والطبيعة المتناقضة انبثقت من وجودها المزدوج كنجمة للصباح والمساء في ما يبدو.

الزهرة والقدس

على كل حال، يبدو أن الحرم القدسي، قبلة المسلمين الأولى، كان حرماً للإلهة الزهرة في عرف القدماء. وهو ما يدعم ارتباط الإسلام بنجمة الزهرة: «وقد نقل أن الصابئة بنوا على الصخرة [صخرة الحرم القدسي] هيكل الزهرة... والصابئة الذين بنوا هيكل الزهرة كانوا على عهد إبراهيم» (مقدمة ابن خلدون). يضيف ابن خلدون: «وأما بيت المقدس، وهو المسجد الأقصى، فكان أول أمره، أيام الصابئة، موضعاً لهيكل الزهرة، وكانوا يقربون إليه الزيت فيما يقربونه، ويصبونه على الصخرة التي هناك». عليه، فلم يكن اتجاه المسلمين نحو الحرم القدسي، حرم الزهرة، مصادفة. فقد كانت ديانة عائلة الرسول في الجاهلية على علاقة بالزهرة.
بذا، فالزهرة تشتبك مع الإسلام والعرب من كل ناحية. لكن لم يتساءل أحد عن العلاقة بين الاسم «عروب، عروبة» وبين اسم «العرب» كشعب، رغم أنه تساؤل مشروع. أما نحن، فنطرح السؤال، لكننا لا نجرؤ على الإجابة عليه. فليس لدينا ما يمكّننا من الحكم بشأن الصلة اللفظية الواضحة بين الاسمين. أي لا نجرؤ على القول إن كانت صلة أصيلة أو صلة مصادفة.
وأيا كان، فإن التيفاشي يربط الزهرة بالعرب عموماً، لكنه لا يربطها بهم وحدهم، بل يربطها بمن يسكن الجزر عموماً، والعرب يسكنون جزيرتهم: «الزهرة: لها بابل والعرب والحجاز وكل بلد في جزيرة» (التيفاشي، سرور النفس بمدارك الحواس الخمس).
على كل حال، فإننا نعتقد أن الزهرة هي من بين الكواكب السيارة السبعة التي على علاقة بإيزيس. بل إنه يمكن القول إنها كنجمة مساء وغروب تتماهى إيزيس الشمالية. وإيزيس الشمالية هي نجمة عناق في شمال السماء. وهي النجمة الوسطى في ذيل بنات نعش. لكنها كنجمة صباح، تكون متماهية مع إيزيس الجنوبية، أي مع الشعرى العبور اليمانية. وإذا كان وجودها الشمالي هو السائد عبر قصة هاروت وماروت، فإن رمزها الفلكي يربطها بإيزيس الجنوبية. فهو يشبه بشدة أداة «عنخ» المرتبط بإيزيس الجنوب.
وفي وجودها الصباحي تكون بشكل ما قرين هو سهيل اليماني، أي الجنوبي، لأنها تتماهى مع الشعرى اليمانية. أما قرين وجودها المسائي الغروبي، فهو نجم السها، الذي ما يكاد يرى قرب نجم عناق في بنات نعش. ولاحظ العلاقة اللفظية الشديدة بين «سهيل» و«سها». وسوف تتضح العلاقة أكثر إذا أزلت اللام من سهيل. واللام هي مقطع إل (سه + إل). بذا، فعند إزالتها، نكون مع «سه» و«سها». ومن الواضح أنهما الاسم ذاته. إنهما أوزيريس ذاته. أوزيريس الجنوبي الفيضي، وأوزيريس الشمال اللافيضي. ونحن نعلم أن أوزيريس الفيضي يأخذ اسم «ساهو»: «أوزيريس حين يكون اسمه ساهو» كما تقول منطوقة مصرية. و«ساهو = سهيل». ولأن الزهرة الصباحية على علاقة بإيزيس الجنوبية، فإن رمزها الفلكي القديم يشبه إلى حد بعيد رمز «عنخ» المرتبط بإيزيس وأوزيريس.