جورج سوندرز... دعابة لانهائية
جورج سوندرز
ترجمة يزن الحاج

46

حاولَ أن «يرى» وجه الصبيّ.
روجر بِڤنز الثالث
لم يقدر.
هانز ڤولمن
حاول أن «يسمع» ضحكة الصبيّ.

روجر بڤنز الثالث
لم يقدر.
هانز ڤولمن
حاول استعادة حادثةٍ محدَّدة يحضر فيها الصبيّ، على أمل أنّ هذا قد –
روجز بڤنز الثالث

حين ألبسناه بدلةً للمرة الأولى.
كذا فكّر السيّد.
(حقّقت هذه الجملة النتيجة.)

حين ألبسناه بدلةً للمرة الأولى، أنزل نظراته إلى البنطلون ثم رفع نظراته نحوي، مندهشاً، كما لو أنّه سيقول: أبي، أنا أرتدي بنطلون البالغين.
عاري الصّدر، حافياً، ببطنٍ ممتلئٍ شاحبٍ، كبطن عجوز. ومن ثمّ القميص المكفَّف الصغير وتزريره.
وداعاً أيّها البطن الصغير، إنّنا نقمّصك الآن.
نقمّص؟ لا أظنّ أنّ هذه الكلمة مستخدمة يا أبي.
عقدتُ ربطة العنق الصغيرة. أدرتُه لأتأمّله.
لقد ألبسنا وحشاً برياً، كما يبدو، قلتُ.
رسمَ الزمجرة على ملامحه. كان شعره منتصباً، وخدّاه أحمرين. (حينما كان يركض في أنحاء المتجر السابق، ارتطم برفّ جوارب) الخيّاط، المتآمر، أخرجَ الجاكيت الصغير بأبّهةٍ كبيرة.
ثم الابتسامة الطفوليّة الخجولة حين ألبسته الجاكيت.
ها، قال، ألا أبدو رائعاً يا أبي؟
ثم لا أفكار أبداً لوهلة، بل اكتفينا بتقليب النظرات حولنا: شجرات عارية سوداء تحت السماء داكنة الزرقة.
الجاكيت الصغير الجاكيت الصغير الجاكيت الصغير.
تكرّرت العبارة في رأسنا.
انطفأت نجمةٌ، ثم لمعت.
الجاكيت نفسه الذي يرتديه هناك، الآن.
هه.
الجاكيت الصغير نفسه. ولكنّ الصبيّ الذي يرتديه ــــــــ
(كم أودّ أن لا يكون الأمر حقيقة.)
مكسور.
شيء مكسور شاحب.
لمَ لن ينجح الأمر. ما الكلمة السحريّة التي أنجحت الأمر. من هو وليّ تلك الكلمة. ما الذي أفاده حين أخمد هذا الولد. يا لهذه البدعة. كيف كانت تشتغل أصلاً؟ ما الشرارة التي تشغّلها؟ الآلة الصغيرة العظيمة. مجهَّزة على هذا النحو فحسب. تتلقّى الشرارة، فتقفز إلى الحياة.
ما الذي أطفأ تلك الشرارة؟ ما تراها تلك الخطيئة. من سيجرؤ. أن يدمّر معجزة كهذه. ستكون لعنة قتل إذاً. لا سمح الله أن أقترف فاجعة كهذه ـــــــ
هانز ڤولمن
لا بدّ أن يؤرّقنا أمرٌ ما ـــــ
روجر بڤنز الثالث
مسحنا وجهنا بيدنا، كما لو كنا نحاول قمع فكرة تحاول الخروج.
هانز ڤولمن.
لا يبدو أنّ هذا الجهد يؤتي نتيجة ــــــ
روجر بڤنز الثالث
غمرتنا الفكرة.
هانز ڤولمن


47

أُرسل الصغير ويلي لنكن ليرتاح في اليوم الذي نُشرت فيه لوائح الإصابات من انتصار الاتحاد في معركة فورت دنلسن، وهو حدثٌ تسبَّب بصدمة كبيرة لدى الرأي العام آنذاك، إذ كانت الخسائر في الأرواح غير مسبوقة في الحرب.
في «التأكد من الحقيقة: المذكرات، والخطأ والتفادي»، جيسن تَمْ، «مجلّة التاريخ الأميركي»

كانت ترد تفاصيل الضحايا إلى الرئيس حينما كان جثمان الصغير ويلي يُحنَّط.
إيڤرنس، مصدر سابق.

أكثر من ألف جنديّ قُتل من الجانبين، وجُرح ثلاثة أضعاف هذا الرقم. كان «قتالاً دموياً مُريعاً» كما قال جنديّ شاب في صفوف الاتحاد لأبيه، قتالاً شديد التدمير لرفاقه بحيث بقي، برغم النصر، «حزيناً، وحيداً، مكسور القلب» سبعة فقط نجوا من بين خمسة وثمانين مقاتلاً في وحدته.
غودوِنْ، مصدر سابق.

الموتى في دنلسن، يا يسوع الرحيم. مكوّمون ومُكدَّسون مثل قمح مدروس، واحد فوق اثنين فوق ثلاثة. فكّرت بالأمر لاحقاً وأنا أشعر بالسوء. يا إلهي، أنا من فعل هذا، فكّرت.
في «مذكرات ثلاث معارك»، الملازم أول دانييل براور
ألف قتيل. كان هذا غير مسبوق. بدت حرباً حقيقيًةً الآن.
في «الحرب العظمى كما وصفها المحاربون فيها» المارشال تيرنبُلْ

تموضعَ القتلى كما سقطوا، في كلّ وضعيّة يمكن تخيّلها، بعضهم يقبضون على بنادقهم وكأنّهم لا يزالون يطلقون النار، بينما آخرون، مع خرطوش في قبضتهم الجليديّة، كانوا في وضعيّة التلقيم. طلعات بعض الوجوه ترسم ابتسامات سعيدة مسالمة، بينما خيّمت على آخرين سيماء كراهية إبليسيّة. بدا وكأنّ كل وجه كان المُعادِل الدقيق للأفكار التي كانت تعبر المخيّلة حينما أسقطها رسول الموت. وربما كان هذا الشاب ذو المظهر النبيل، بوجهه المتّقد بابتسامة، وخصلات شعره اللماعة التي تلبّدت بدمائه، يحسّ بصلاة أمه تتسلّل إلى حواسّه مع انطفاء حياة شبابه. قربه استلقى زوجٌ شابٌ لا تزال الصلاة لزوجته وصغيره معلَّقةً على شفتيه. الشباب والشيخوخة، الفضيلة والشر، كلّها حاضرةٌ على وجوه تلك الطلعات المخيفة. أمامنا انبسطت البقايا المسودّة المسفوعة لأشخاص حُرقوا أحياءً. كانت الجثث في حالةٍ سيئةٍ تجعل نقلها مستحيلاً، وكانت العوامل الجويّة القاسية قد نهشتها.
في «سنوات الحرب الأهليّة: توصيف يوميّ لحياة أمة»، تحرير روبرت إي. دِنِي: توصيف العريف لوشيوس و. باربر، فرقة مستودع الذخائر، الكتيبة 15 من مشاة إلينوي المتطوّعين، مقاتل في معركة فورت دنلسن.
لم أر ميتاً من قبل أبداً. والآن رأيت ما يكفي. شاب مسكين تجمّد في وضعيّة ينظر فيها إلى الأسفل مرعوباً إلى جرحه، عيناه جاحظان. اندلقت بعض أحشائه وكوّنت، بجانبه تماماً، تحت طبقةٍ رقيقةٍ من الجليد، لطخةً أرجوانيّة وحمراء. في بيتي، على طاولة الزينة، بطاقةٌ رُسم عليها قلب يسوع المقدّس، وهذا الشاب بدا مثله، باستثناء أنّ لطخته الأرجوانيّة والحمراء كانت أخفض وأكبر ومائلةً إلى أحد جانبيه بينما هو يحدّق فيها برعب.
في «المجد الرهيب: مجموعة رسائل من الحرب الأهليّة لرجال قاتلوا فيها»، تجميع وتحرير بريان بل ولِبي ترست
وكانت أمّنا النار قد اجتاحت الموتى والجرحى المتجمّدين في أماكنهم. وجدنا أحدهم لا يزال يصارع الحياة بينهم وتمكّنّا من سحبه إلى الخلف وهو لا يزال حياً ولكن من دون أن يعرف في أيّ جانب هو، كان محروقاً بشدّة، وعارياً في ما عدا ساق واحدة من ساقي بنطلونه. لم أسمع عما حلّ به بعد ذلك. ولكن لم يبدُ الوضع مبشّراً لذلك الشيطان المسكين.
في «رسالة من جنديّ من إلينوي»، تحرير سام وستفول، توصيف الجنديّ إدورد غيتس، مرافق التشغيل المركزية، الكتيبة 15 من مشاة إلينوي المتطوّعين.
اثنان أو ثلاثة منا سيمسكون بشخص ويسحبونه بعيداً كما وجدناه تماماً، فالجو قارس والجثث متجمّدةٌ كلياً. في ذلك اليوم أدركتُ أنّ بإمكان المرء أن يعتاد أيّ شيء. سرعان ما بدا كلّ شيء طبيعياً لنا، بل وتبادلنا النكات حتى، مبتكرين اسماً لكل جثة، بالاعتماد على مظهرها. ها هنا المنحني، وهناك المصدوم، وهذا هو المشطور.
براور، مصدر سابق
وجدنا شابين متعانقَيْ الأيدي، لا يتجاوز أيٌّ منهما الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة، كما لو أنّهما قرّرا عبور تلك البوّابة المظلمة معاً.
غيتس، مصدر سابق
كم واحداً أيضاً تريد يا سيّدي قبل أن تكتفي؟ دقيقة قبل، كان هناك الصغير نيت على ذلك الجسر مع صنارة، ووين هذا الولد الآن؟ ومن ناداه إلى هناك، في تلك اللوحة التي شافها قرب أوربس، طيب يا سيدي، شاف اسمك عليها «إبراهام لنكن».
في «رسائل المواطنين إلى الرئيس لنكن»، تجميع وتحرير جوزفين بانر وإيڤلين درسمن، رسالة من روبرت هانزورثي، بونسبورو، ميريلاند.