إنهم في طريق كتابة الرواية والشعر، ولم تقدر الحرب على إيقاف أقلامهم. يمكن احتساب هذه العبارة صورة مصغرّة لما حدث خلال عام 2017 من حراك روائي وقصصي وشعري لافت مقارنة بالظروف التي تحيط بأهل الكتابة في اليمن الذي لم يعد سعيداً.
لعل أحدهم قد يقول جملة استغرابية حول: كيف يُنتج أهل اليمن أعمالهم الروائية والشعرية في مثل هذه الظروف والوقت العجيب. لا كهرباء ولا ماء وأكثر من نصف سكّان البلد في رحلة ذهاب جماعية نحو مجاعة حقيقية وهجوم وباء الكوليرا. «إنها المُقاومة بالحيلة. يكتبون حتى لا تنتهي حياتهم» هكذا تكون الإجابة.
وبالمرور على الأسماء التي ستأتي لاحقاً، سنكتشف بأن أغلبها ــ باستثناء اسم أو اسمين ـــ يدفع من جيبه الخاص كي ينشر أوراقه.

هذه نقطة أُخرى لصالح هؤلاء، وقد صارت البلاد بلا جهة رسمية ترعى نتاجاتهم، أو باتت وزارة ثقافة تحت رعاية سعودية تقيم في جنوب اليمن ولها أجندة خاصة تعمل على أساسها، ويقع أمر النشر عبرها محتاجاً لتلبية شروط لازمة الوفاء، في حين أنّ لا أحد يعرف اسم وزير الثقافة في حكومة جماعة الحوثي، وقد أتى من خارج السياق الثقافي ليصعد على هرم الثقافة في الشمال. بمعنى آخر: كل كاتب من هؤلاء، قد صار وزير ثقافة على نفسه، ويقوم بتصريف أموره الطباعية من تلقاء نفسه.
ستكون بداية اللائحة هنا عبر الشاعر عبد العزيز المقالح الذي ما زال مصراً على عدم مرور فترة طويلة من دون إصدار جديد. لقد أصدر هذا العام ديوانه الأخير «الشمس تتناول القهوة في صنعاء القديمة» (دار الآداب). وإن كان الديوان مجموع قصائد مكتوبة في فترات سابقة وغير منشورة، إلا أنّ الوضع اليمني/ الشخصي يبقى موضوع الديوان الأكبر.
بدوره، أصدر الكاتب والديبلوماسي اليمني المقيم في فرنسا أحمد الصيّاد عملاً جديداً، وكان موضوع صنعاء مركزه. إذ يدور حول تاريخ كان صاحب العمل شاهداً فيه على الأحداث. ففي «درويش صنعاء» (الدار العربية للعلوم ناشرون - بيروت) يستعيد مندوب اليمن في اليونيسكو ما كان في العاصمة القديمة من نضالات من أجل تثبيت النظام الجمهوري في مواجهة الكيان الملكي الذي كان مدعوماً من نظام آل سعود وقتها.

صارت البلاد بلا جهة
رسمية ترعى نتاجاتهم

إلى ذلك، سنجد رواية محمّد الغربي عُمران «مملكة الجواري» (أنطوان هاشيت/ نوفل) الذي يبحث في نهايات القرن الخامس عشر الهجري حين انتهت سلطة الحكم الذكورية، لتصير قيادة اليمن تحت يد إدارة سيدة اسمها أروى بنت أحمد الصليحي. وقد يبدو واضحاً الاهتمام الذي تمنحه «نوفل» للأدب اليمني عن طريق التعامل معه من دون أي مقابل مالي عكس دور نشر كثيرة تلزم مؤلفيها على دفع مبالغ مالية من أجل النشر لهم. وقد كانت الدار نفسها قد أصدرت قبل فترة للروائية الشابّة ندى شعلان عملها «بئر زينب».
من جهتها، تفعل «دار نينوى» السوريّة الشيء نفسه من خلال اهتمامها بالأدب اليمني الجديد. لقد حمل «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب» الأخير عملين للكاتب بدر أحمد (بين بابين) ومحمود ياسين (روايته الثانية «قبل أن أقتل رويدا») وقد كانت الدار نفسها قد أصدرت لياسين روايته الأولى «تبادل الهزء بين رجل وماضيه».
في سياق الإصدارات نفسها لكن من جهة أُخرى، لا يمكن هنا تجاوز مشروع «المائة كتاب» الذي تبّنته وزارة الثقافة في الحكومة التابعة للرئيس عبد ربه منصور هادي في جنوب البلاد (وهي الحكومة المُقيمة اليوم في الرياض). هو مشروع جيد يقضي بإصدار الكتب، لكن يبقى السؤال حول الكيفية التي تمّ بها اختيار «دار أروقة» اليمنية (مقرّها العاصمة المصرية القاهرة) من دون الإعلان عن مناقصة نظامية كي تدخل باقي الدور في المنافسة. وهناك مسألة أُخرى، فهذه الدار معروفة بعلاقتها الجيدة بجهات سعودية ثقافية، فهل سيكون بإمكانها، ضمن مشروع «المائة كتاب» مثلاً، أن تعيد طباعة ديوان الشاعر اليمني الراحل عبد الله البردوني الذي قال في واحدة من قصائده (الغزو من الداخل) وأنشد بصوت مرتفع قاصداً نظام آل سعود: «فظيعُ جهلُ ما يجري/ وأفظعُ منه أن تدري/ وهل تدرين يا صنعاء من المُستعمرُ السريّ!... أمير النفط نحن يداك/ نحن أحدّ أنيابك/ ونحن القادة العطشى/ إلى فضلات أكوابك»!