خزامى صالح، أم خالدة سعيد؟ لا فرق. ما بين هذين الاسمين بذرت الناقدة السورية بصلابة وتأنٍ وزهد، حقلاً نقدياً مرموقاً. واكبت ثورة الحداثة الشعرية العربية، وصعود «مجلة شعر» بمدوّنة نقدية موازية، منذ أن وقّعت كتابها الأول «البحث عن الجذور» (1960)، ثم «حركية الإبداع» (1982)، ثم «في البدء كان المثنى» (2009)، ثم «فيض المعنى».
في هذه الإطلالات المتباعدة، رسّخت حضوراً نقدياً لافتاً، خلال مقاربتها تجارب شعرية حداثية بمبضع نقدي يتوغل في الجوهر، مجافياً التخوم، من خلال فحص دقيق وعميق ومفارق، عبر حفريات وقراءات تأويلية، تكشف ألغاز النص بتقليبه موشورياً. وإذا به ينطوي على جماليات ومقاصد لم تكن مرئية بمثل هذا الوضوح. هكذا تعرّفنا عن كثب إلى تجارب بدر شاكر السياب، وأنسي الحاج، وعباس بيضون، وعبد المنعم رمضان، ووديع سعادة، وأمجد ناصر وآخرين، من دون ادعاء الاحاطة بالمعنى النهائي لحقيقة هذا النص، أو تلك التجربة، مفسحةً للحدس في تقليب تربة النصّ وحراثة تضاريسه. كما اشتغلت على النص النسوي في حقوله المختلفة، من دون أن ننسى توثيقها الحركة المسرحية في لبنان.

تعاين التحولات الفكرية والنصية الفنية التي حفّزها وعيُ التغيّر

في كتابيها الجديدين «جرح المعنى»، و«أفق المعنى» (دار الساقي)، تستكمل قراءاتها في المدوّنة العربية شعراً ونثراً، فتتوقف في الأول عند تجربة رفيق دربها أدونيس في كتابه «مفرد بصيغة الجمع». وفقاً لما تقوله في المقدمة: «في هذا النصّ، ينزل المقدَّسُ إلى التجربة، يحضر التاريخُ في اليوميّ، ينهضُ اليوميّ إلى المتعالي...كأنّ هذا النصّ رحلةٌ في الجرح فانبثاق من اللجّ... كمن اخترق عاصفةً سحريَّة وخرج منها بتجربة لا تُترجَم ولا توصف؛ تجربة بلا عبرة غير خسران اليقين بالسكون والثبات...» بينما ترصد في كتابها الثاني عدداً من «التحولات الفكرية والنصية الفنية التي حفّزها وعيُ التغيّر، والمفارقات التي واجهت الرؤية الحديثة والموقف الحديث في الأدب العربي المعاصر، سواء منه الشعريّ أم النثريّ، من جبران خليل جبران وبدر شاكر السياب، ويوسف الخال، إلى نازك الملائكة ومحمد الماغوط، وأبو القاسم الشابي ومحمود درويش...». ينبغي إذاً، أن ننظر إلى اشتغالات خالدة سعيد بوصفها مشروعاً نقدياً متكاملاً، بخرائط وعتبات تدور في فلك المعنى المضمر للنص الإبداعي، في سكة موازية، نظرياً وتطبيقياً.

«جرح المعنى»، و«أفق المعنى» لخالدة سعيد ــ دار الساقي