في الذكرى الخمسين للنكسة، صدر كتاب «أنشودة حبّ» (لا ديكوفيرت ــ راجع المقال أدناه). للمرة الأولى، تعاون ألان غريش الصحافي المعروف بمواقفه السياسيّة الملتزمة، مع الرسامة الشابة هيلين ألديغر. من خلال إعادة النظر في دور فرنسا في قضيّة الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي عبر تصوير 50 عاماً من تاريخ ديبلوماسي معقّد وحافل بالتقلّبات، يسمح هذا العمل للكاتبين بأن «يلمسا جمهوراً جديداً، وأيضاً العالِمين بالقضيّة الفلسطينيّة، ليكتشفوا حقائق غير منشورة».
يعلن غريش بنفسه عن صبغة عمله. يؤكّد بـ «أنني لست صحافيّاً موضوعيّاً، لا أعتقد بأن الصحافة الموضوعيّة موجودة. من جهتي، أنا صحافي ملتزم». كونه صحافيّاً، أراد غريش أن ينشر أولاً مقالاً كلاسيكيّاً: «في بادئ الأمر، أردت أن أكتب مقالاً سياسياً مصوّراً عن فرنسا، وإسرائيل وفلسطين. لكن بعد مناقشة الأمر مع هيلين ألديغير، صار مشروع المقال كتاباً»، وتحديداً قصّة رسوم مصوّرة من 192 صفحة، متاحة للجمهور العريض.
سرعان ما توضّح الهدف من شكل الكتاب: الرسم لا يسمح فقط بتصوير التاريخ وجعله حيّاً ومفهوماً، بل يسمح أيضاً بقول أشياء يصعب قولها ربما في النص. جميع الشخصيّات المصوّرة هي تاريخيّة: فلا خيال فيها. هناك فقط رجال سياسيّون أو مثقفون شاركوا في النقاش منذ الستينيات لغاية عهد فرنسوا أولاند.
تحدّدت الانطلاقة الزمنيّة الأولى للكتاب على الفور: 1967، تاريخ الهزيمة العربيّة في مواجهة الجيش الإسرائيلي. يشكّل هذا الحدث نقطة تحوّل في تصوّر فرنسا للأزمة الإسرائيليّة - العربيّة التي قسمت الرأي العام. يستعرض غريش وألديغير أرشيفاً يشهد على هذه العلاقة المعقدّة: بعد خمس سنوات من انتهاء حرب الجزائر، بلغت المشاعر المعادية للعرب أوجها في فرنسا.

أعلن ديغول عام 1968 حظراً
فرنسياً على الأسلحة الإسرائيلية
هكذا تجد افتتاحيّة لنشرة أخبار «فرانس سوار» في الخامس من حزيران (يونيو) 1967 تعلن «بأن المصرييّن يهاجمون إسرائيل»! وهذا مثال فاضح عن العنصريّة الشعبوية التي هيمنت على فرنسا في تلك الحقبة. إذ جاءت الافتتاحية كحقيقة مضادة لما جرى في الواقع. يفسّر غريش: «خلال بحثي في المكتبة الوطنيّة في فرنسا، استنتجت بأن قلّة من الناس يعلمون بأن مئات الألوف من الفلسطينيّين طُردوا عام 1967». رواية Un Chant D’amour جاءت لتذكّر بما كانت الصحافة الفرنسيّة تقوله، وما لم تقله.
عبر الصور، نرى السفارة الإسرائيليّة تطلب من غينسبور أن يؤلّف أغنية تتغنّى بالدولة اليهوديّة، وبرنار هنري- ليفي يدافع عن الجيش الإسرائيلي في مواجهة الانتقادات. نرى أيضاً سارتر وبوفوار يناديان بالسلام، بينما يحلّل مكسيم رودنسون «الواقع الاستعماري» الإسرائيلي، ويسافر جان جينيه إلى الأردن كي يكون مع الفدائيّين، وجان-لوك غودار يخرج فيلم Ici et ailleurs. نرى بالأخصّ الجنرال ديغول ـ ورغم كونه معجباً بإسرائيل ـ يتّخذ موقفاً معادياً لها بعد حرب 1967، معلناً الحظر على تصدير الأسلحة إلى إسرائيل.
لفترة طويلة، كانت فرنسا دولة مؤيّدة للفلسطينيين. وتمّ تتبّع المراحل الكبيرة التي استرشد بها الموقف الفرنسي: الغارة الإسرائيلية على مطار بيروت عام 1968، أيلول الأسود في الأردن عام 1970، عملية ميونيخ عام 1972، الاحتلال الإسرائيلي للبنان عام 1982، الانتفاضة الأولى عام 1987، والثانيّة عام 2000.
وواصلت رئاستا جورج بومبيدو وفاليري جيسكار دستان سياسة انفتاح فرنسا على العالم العربي. كان وصول فرنسوا ميتران إلى الحكم عام 1981 يمكن أن يغيّر المنظومة، إذ لم يخف الرئيس الفرنسي أبداً تعاطفه مع إسرائيل. ولكنّ تعنّت اليمين الإسرائيلي الذي وصل إلى السلطة عام 1977، أجبر ميتران على تغيير مواقفه خلال الثمانينات، حقبة احتلال لبنان (1982) واندلاع الانتفاضة الأولى (1987). وانتهت بالتوصّل إلى اتفاق بين منظّمة التحرير الفلسطينيّة وإسرائيل، وأفضى لاحقاً إلى توقيع اتفاقيّة أوسلو عام 1993. وتعلن هذه الاتفاقيّة، بشكل متناقض، عن انسحاب فرنسا من الملفّ الإسرائيلي-العربي.
رغم أن جاك شيراك حظي بشعبيّة كبيرة في أوساط الفلسطينيّين عقب زيارته للأراضي المحتلّة، إلا أن فوز اليسار الفرنسي بالانتخابات التشريعيّة عام 1997 وتعيين ليونيل جوسبان رئيساً للوزراء أعلن عن تباطؤ «السياسة العربيّة» لرئيس الجمهوريّة.
أوصلت الانتفاضة الثانية (2000) واعتداءات 11 أيلول 2001 غريش إلى ما يسمّيه «منعطفاً صامتاً». عزّزت باريس تعاونها مع تل-أبيب ودعمت حقّ إسرائيل في «الدفاع عن نفسها» باسم «الحرب ضد الإرهاب». جسّد هذا التحوّل نيكولا ساركوزي الذي اعتبر بأن التقرّب من تل-أبيب يسمح لفرنسا باستعادة دورها في الوساطة. باءت هذه الاستراتيجيّة سريعاً بالفشل. مع ذلك، واصلها خليفته فرنسوا أولاند الذي ادعى رغبته في إنشاد أغنية حبّ لإسرائيل وقادتها. ومن هنا استوحِي عنوان الكتاب.
أما اليوم، وكما يشير غريش، فإنّه بفعل سياستها الاستعماريّة، قتلت إسرائيل إمكانيّة المشاركة ومقولة «الحلّ الوحيد في دولة مشتركة». «إنه درس تعلّمناه من 1948 و1967. والهدف من كتاب Un Chant d’amour هو التذكير بأن فرنسا لم تكن منحازة دائماً بهذه الطريقة إلى تل-أبيب».