صفحات الإبداع من تنسيق: أحلام الطاهر
1


تضع امرأة ثعلباً مقتولاً في طبق، هي تقول إنّ هذا الثعلب هو نفسه هي، لكن لا أحد يفهم، تضع الطبق على الطاولة وتحضر الشوك والسكاكين لأكل جميل ومنمق، ثم تضع رأسها بجوار الثعلب، تمد له كأس النبيذ والسكين المسنون والروح الممتدة، وتقول له التهمني يا حبيبي.

2

لو أنني سمكة، رمادية ومنقطة بدوائر سوداء، ملقاة على مفرش أخضر، وتخرج من بطنها اللالئ.
لو أنني البحر، وهذا البحر يعرف الأسرار، ولا تهمه هذه الأسرار، فيغرقها مع بقايا الزبد والرمل والصخور.
لو أنني الألم، أحفر وأهدم وأشكل من جديد، أستعذِب وأُستعذَب، وأجلس في منبع الذكرى، جميل ولا مبال.
لو أنني الحب، حكاية تخلقها العاطفة في عقل مجنون، لتحكيها لرأس معلقة بحنان على كتف الغريب.
لو أنني كتف الغريب، بلا عقل، بلا ذكرى، بلا لون ولا رائحة، بئر عميق يملؤه الجفاف ويشبعه.
لو أنني العطش، لون أصفر ممتد نحو المجهول، وردة متعفنة في إناء، يصرّ صاحبها على تقبيلها كل صباح.
لو أنني المجهول، بكل هذا الاتساع، فأبتلع أرواح الموتى، وأذهب بهم لحقل القمح والغربان نحو الربيع.
لو أنني الموت، يدبُّ في جسد السمكة، يملأ البحر، ينشئ الألم، يعرف كيف يكون الحب على كتف غريب، كيف يكون العطش في فم صاحب الوردة، وكيف تكون لوعة الذهاب إلى المجهول.
لو أنني أنتِ، وأنتِ أنا، لكنت كل شيءٍ، السمكة، البحر، الألم، الحب، كتف الغريب، العطش، المجهول والموت؟!

3

أحبكِ ولم أكن أعرف
وأنتِ تشبهين القمر
طائر ومجنون
قمر أزرق يشبه بيتي الآمن
يشبه خوفي
أنتِ مغنيتي المهووسة داخل الغرفة الزرقاء
الصوت المتهادي بالألم في عزلتي
بهجتي اللامعقولة
وكآبتي الممتدة إلى الآن.


4

أعلى النموذج
كانت هي الحياة
وكنت أنا الدموع والضآلة.
أراها وهي تعبرني بغرور
كأنها اللحظة الضائعة بين الغفوة والنوم
كالمرأة المذهلة في قاربها الصغير
لا تنظر لآثار الرمال على الشاطئ
كانت كحلم صاخب
أحمر
وكنتُ لامرئية
وحزينة
كعظامٍ هشّة
معذبة من كثرة الحب
بفجوة صغيرة جداً في الصَدر
تحن لشيء مجهول
وتسير بلا وعي
أسفل النموذج

أعلى النموذج

5

تحركت المرأة الصغيرة ببطء، قالت شيئاً بصوتها الناعم الحاد، فرددتُ عليها بصوتٍ غريب، ثم جلسنا على المقاعد الوثيرة ونحن نفكر في النوم.
النوم يشبه الحب لأنه العزلة في عالم الغرابة؛ رددت ذلك في دماغي، وقلت لها إنني سآخذها معي في حلم الليلة بديلاً عن الأرق الذي يتعبها، فتصبح هنا وهناك، ثابتة ومتحركة، قالت «أنا متعبة ولا أريد الذهاب إلى حلم أحد». كانت تتكلم بضجر ورّقة، رقة أقرب إلى اليأس، ولاحظت في هذه اللحظة أن مشاعرنا التي تجعلنا ضعفاء هي التي تمنحنا الجمال، وأنها جميلة، جميلة جداً.
قلت لنفسي إنني لا أريد إزعاجها، وأخذها في حلم الليلة، لكني لم أستطع عدم استحضار كفها الصغير وهو يكمش ظهري في لحظة التحدث عن الفراق الذي سيتحتم، وضعت كفي على ظهرها بالتبادل، ووددتُ لو بكيت، لكن خانتني عيناي.
كان كفها يرافقني في الشارع، وهذه الرمشة الرقيقة من العينين المؤرقتين أيضاً، حاولت استبعادها لكن الكف الشبحي، تحول إلى امرأة صغيرة وجميلة لها صوت ناعم وحاد تتحرك معي.
قلت لها أنها لا بد أن تذهب معي إلى الحلم وتنسى لفترة هذا السهر مع وحدتها، رمشت بعينيها واختنق صوتها فتحولت الرمشة إلى دموع، وشعرت بقلبي هو الآخر يبكي، فتكونت تحتنا بحيرة، قلت لها من الواضح أننا ذهبنا للحلم دون أن نعي، وأنها الآن معي، فابتسمت.
كانت هذه هي بحيرة النوم التي يأتي إليها المتعبون من الأرق، سحبت كفها من على ظهري، طقطقت أصابعها، ثم ملأت يدها من ماء البحيرة وشربت، وقالت «بديلاً عن التفكير في النوم تعالي لننام»، ثم مشت خطوتين للأمام وتمددت على العشب الطري وألقت كفيها للخلف لتلامس حافة البحيرة، تحركت باتجاهها وشعرت بالراحة لوقوعها على حافة النوم، قالت بصوتٍ ناعس «تعالي». مددت كفي بدوري لأشرب وأنام بجوارها.
على صفحة الماء كانت تظهر صورتانا كأننا صغيرتان في زمنٍ آخر، نجلس جوار بحيرة عذبة، ويمتد أمامنا مرج العشب الأحمر، وهناك كان أرنب يقفز ويختبئ بين الصخور.
* شاعرة مصرية