أمروا بإعدام الأمل، فانطلق الحرس يتسابقون في القبض عليه. كان الأمل في تلك اللحظة يلهو مع بعض الأطفال، وعندما بلغه الخبر فرّ هارباً. أغلقوا منافذ المدينة وأخذوا يفتشون البيوت، كانوا قد أمروا أيضاً بإعدام كل من يؤوي الأمل، أو حتى من يقوم بمساعدته ولو بكوبٍ من الماء. خافت الأرملة ورجتِ الأمل الذي يندسّ في قبوها أن يرحل بعيداً. قالت معتذرةً وهي تبكي إنها تعيل ثلاثة أطفال. كاد الخجل أن يقتله، كانت قد آوته لأسبوعٍ كامل مثل قطة. زعم أنه ينوي الرحيل هذه الليلة، زعم أيضاً أنه يعرف بعض الأصدقاء الذين يمكنهم مساعدته.
شكرها ونذر في سرّه ألا ينسى معروفها أبداً لو قدّرت له النجاة. وحالما ودعته الأرملة، بكى الأمل. بكى لأول مرة، بكى نفسه كما تبكي الأم طفلها المريض. وما إن خرج حتى كان الحرس في انتظاره. ركض وركضوا وراءه، استصرخ الناس فأوصدوا أبوابهم، وتضرعوا إلى الله أن ينقذه. كان للأقفال وقع أحذية الحرس الثقيلة. تسرب الأمل من الأمل، وكما يحدث عادة في الكوابيس تثاقلت ساقاه فكأنها تخوض في الوحل أو في الماء حتى سقط على الأرض رافعاً يديه إلى الأعلى.

هجم الحرس فأوسعوه شتماً وضرباً، واقتادوه إلى السجن. هناك اعترف الأمل بكل شيء، حتى تلك الجرائم التي لم يقترفها. جمعوا الناس كلها (الكبار والصغار والرضع والعميان وحتى العجائز اللواتي لا أمل لهنّ) في ساحة الإعدام، حيث جاؤوا بالأمل معصوب العينين. كان يبكي بالرغم من ذلك. أعلن توبته على الملأ وتوسل الصفح وهو يتبول من الخوف وعندما مزق الرصاص جسده لم يتوقف خيط البول الأصفر. تركوه هناك مكوماً على الأرض وعندما خافوا العدوى والمرض. حشدوا الناس مرةً أخرى وأحرقوه أمامهم. لم ينم أحدٌ تلك الليلة، ومن نام تمنى ألا يستيقظ أبداً. ما جدوى العيش بلا أمل؟ لكن الجوع أيقظهم ومن تحمّل الجوع - وهم قلّة - لم يتحمّل أعقاب البنادق وهي توقظهم بالقوة وتقودهم إلى أعمالهم. قال أحدهم إنه رأى الأمل في المنام. سيعود مثل المسيح. وهناك بعض المجانين الذين ادعوا الأمل كما يدعي البعض النبوة. قبض عليهم وجلدوا في الساحة فأقلعوا عن هرطقتهم في الحال. ترحموا عليه في الأيام الأولى، وعاشوا حياتهم بلا أمل فبدت أطيب مع الألفة والوقت، وعندما يذكره الآن أحدهم، يلعنه الجميع كما لو كان شيطاناً.
* قاص سعودي