«الزمن: مقاربات وشهادات» عنوان تيمة النسخة الـ 17 من كتاب «باحثات» (تجمّع الباحثات اللبنانيات). على امتداد أربعة محاور، تدور هذه التيمة، مع مجموعة الباحثين/ات، تناولت قضية الزمن وتشعباته المختلفة، السياسية والاجتماعية، والإنسانية، والميدياتيكية. مواضيع باتجاهات متنوعة، يضمها الإصدار السنوي لتجمع «باحثات»، في محاولة لطرح الإشكاليات المطلوبة في العلاقة مع الزمن وتعقيداتها على مستوى الأفراد والجماعات، والإجابة عليها، وسط تقاطع الزمن مع التاريخ، والتصورات المستقبلية لهؤلاء. تصورات تسارعت في الزمن السريع، الاتصالي والعلاقاتي الاجتماعي، وبالتالي صرنا أمام هوة تكبر مع الوقت بين زمن الآنية السريع، والواقع المترهل والجامد في الوقت عينه. مثلاً، سلسلة الثورات التي طالت العالم العربي عام 2010، وحالة المراوحة التي تعيشها الآن. في المحور الأول «في تصوّرات الزمن وتجلياته»، يطل المبحث على اختلاف هذه التصورات تبعاً لاختلاف العصور والكتّاب والمفكرين، متخذاً من نماذج في الشعر والأدب والمسرح، أمثلةً تصب في تفنيد إشكالية هذا المحور.

الباحث حسين قبيسي، يطرح الأسئلة التي تسير على ضفتي الروحية والعلمية، وما إذا كان الزمن واحداً عند كل الشعوب والحضارات. أما الأكاديمية فاديا حطيط، فتنكبّ على شعر حسن العبد الله، الموجه الى الأطفال، لتستخرج منه طابع الشاعر المتشائم رغم مضامين كلماته الفرحة. وتخلص إلى أنّ الطفولة تكمن في معناها الذي أرساه روسو، كرمز للبراءة والسعادة، بخلاف النظريات الحديثة التي تؤكد أن الطفل يستطيع الفعل والتغيير.
وبعد التعريج على الزمن المسرحي مع الباحثة وطفاء حمادي، والشق الفلسفي مع الباحث عبد القادر بن عرب، ندخل المحور الثاني. «في تسارع الزمن وتزامنه» يطرح إشكالية تسارع الزمن بفعل التطورات التكنولوجية، والاتصالية. هكذا، يعود بنا الباحث محمد الحدّاد، الى مرحلة «الحراك العربي»، ويتساءل: هل شكّل تسريعاً للزمن أم شللاً مؤقتاً؟ وهل شكلت هذه الانتفاضات فاتحة لثورات ما بعد الحداثة، أم استمراراً لمعارك تاريخية كداحس والغبراء؟ على صعيد اجتماعي- ميدياتيكي، يخصص أستاذ العلوم والاتصال عبد الله الحيدري، البحث عن تونس، للحديث عن المشهد السياسي داخلها، وعلاقته بالزمن التكنولوجي، وما إذا كان العمل الميدياتيكي يعمل على هدم الزمن الاجتماعي، وإعادة تشكيله من جديد.

تنكب فاديا حطيط على شعر حسن
العبد الله

من جهتها، تبحث أستاذة الإعلام نهوند القادري عن عمق الفروقات المتوّلدة بين «زمنيتها» وزمن طلّابها، المتماثلين مع أبناء الجيل الرقمي، واقتراحها تحويل الجامعة مكاناً لبناء علاقة مغايرة مع المعرفة لتحفيز الطلاب على إدارة وتنفيذ مشاريعهم الأكاديمية، بطريقة تفاعلية. والأهم اكتساب مهارات التأمل والتفكير وسماع النفس قبل الشروع في أي عملية اتصالية. تحت عنوان «الإنسان المعاصر بين الزمن الاتصالي والزمن الواقعي (أزمنة متداخلة ومتقاطعة)»، تطرح لمى كحّال، إشكالية تغلغل الزمن الإعلامي السريع، في حياة الأفراد اليومية، وتأثير تكنولوجيا الاتصال، وإحداثها تغييراً في مفهوم الزمن، إذ أضحى الفرد يعيش بين زمنين متداخلين افتراضي وواقعي، والفصل بينهما بحكم الصعب جداً.
تحت عنوان «الحاكم وإستمرارية السلطة في ظل تسارع الزمن» (الربيع العربي أنموذجاً)، يركز علي شكر على الانتفاضات التي اشتعلت بدءاً من 2010، وحتمية عدم ثبات أي حاكم في منصبه في العالم العربي، لا سيما في مصر وليبيا، بعدما لعبت وسائل الاتصال الحديث دوراً في هذا التغيير، وقد استخدمها الجيل الشاب، وتبعته الشرائح العمرية الأكبر سناً. ولعبت الفضائيات دوراً بارزاً في تكوين الرأي العام، خاصة أن أغلبها يفلت من قبضة الإعلام الموجه.
في المحور الثالث «في قياس الزمن وحساباته»، يدور البحث بين ضفتين: الأفراد وكيفية مرور الزمن عليهم، لا سيما السجناء السياسيين. من ناحية أخرى، يطرح البحث قياس الوقت في الشركات العملاقة والمتعددة الجنسية، التي تسلّع الوقت وتشتريه كبديل عن تشغيل اليد العاملة. في ما خص مرور الوقت على السجناء السياسيين، فقد ركزت الروائية العراقية هيفاء زنكنة على مذكرات هؤلاء، لا سيما المعتقلين التونسيين، وكيفية إحساسهم بمرور الوقت، خاصة أولئك الذين واجهوا اعتقالاً انفرادياً، أو تعذيباً جسدياً أو معنوياً، وكيفية تمييزهم ما بين الماضي والحاضر. وتخلص الى اعتبار أن الزمن المعاش في السجن يختلف عن الزمن خارجه، فهذا الزمن مختلّ في سيرورته، إذ تهيمن جزئيات التعذيب على المسار الطبيعي له. وعلى صعيد الشركات العملاقة، تلقي الباحثة الاجتماعية رفيف رضا صيداوي، الضوء عليها وعلى تشابكها مع الأفراد بهدف التماس ملامح ديناميات علاقة هؤلاء بالزمن المفروض عليهم، وكيفية مواءمتهم بين حياتهم العملية وتلك الخاصة.
أما في المحور الرابع والأخير «في ملعب الزمن: أنماط عيش ومسارب ودروب متعرجة»، فيتركز المبحث على وعي الزمن لدى الشعوب والأفراد، وإمكانية استرجاعه أو إعمال الذاكرة للاحتفاظ ببعض محطاته أو نسيانه. تطرح رجاء نعمة فكرة التحريم، الذي ارتبط أسطورياً بالعنف والمأساة، وتصفه بـ «المنعطف الأهم في تنظيم حياة البشر». أما يوسف شعبان، فيضيء في نصه «يوتيوبيا العودة الى الأزمنة القديمة في الفكر والأدب والمسرح»، على النصوص القديمة، ويبرز الدينية منها، بهدف تسييد فكرة معينة ما. وفي ذكرى مرور مئة عام على وعد «بلفور»، توقفت جين سعيد المقدسي، عند هذه الذكرى لتربطها بين الزمن والتاريخ، والذاكرتين الفردية والجماعية، وأهميتهما في إعادة السيطرة على الزمن والتاريخ. أما نجلاء حمادة، فقسمت بحثها الى مرحلتين: الأولى مقارنة أجرتها بين 3 فلاسفة وعالم اجتماع، ومحللين نفسيين، حول مقاربتهم لموضوع الزمن. وخصّصت القسم الثاني للحديث عن تجربتها الخاصة، وما عشته من «أشكال الحرية»، وتأثيرها في صناعة زمنها. وكان لافتاً ما قدمته الجامعية والمعالجة النفسية مي جبران، بشأن تيمة الزمن. إذ بحثت عن «زمنها الأنثوي»، وعلاقته بالزمن، فتمر على التغييرات الجسدية التي تطرأ على الأنثى بفعل الزمن، والخوف على الذاكرة في الزمن العربي الذي يتماهى مع النظام الرمزي الأبوي، مع تشديدها على «الذات الأنثوية» كونها تسهم في توليد الزمن من أحشائها.