لا شك في الدور المحوري الذي تؤديه الرياضة على نحو عام، وكرة القدم خصوصاً في صفوف أعداد هائلة من البشر. الرياضة، بحد ذاتها، نشاط مفيد وبريء، إن خلا من أي علاقة بالمال. فكثير من البشر يمارسون مختلف النشاطات البدنية البريئة على نحو يومي.
أما عندما يتسلل المال إلى الرياضة، فلا شك في أنه سيمارس دوره التخريبي. هكذا، ستتحول هذه الرياضة إلى عمل تجاري، هدفه الربح، كأي تجارة أخرى. فلذا، من الطبيعي أن يصيبها بأوساخه، فالألمان يطلقون على المال إسم «كولِه»، أي فحم، لأنه سيلوث كل من يمسه، بهدف الجمع والتكديس.
الأحداث الأخيرة في عالم الرياضة، من توقيفات ومحاكمات ومنع مشاركة في المباريات واستخدام المنشطات على نطاق واسع، تذكرنا بالواقع المرير الآسر للرياضة.
لكن مقدار الأموال التي يتم تداولها في النشاطات الرياضية الاحترافية يبدو أنه وصل إلى مستويات هائلة تشجع المشاركين على التعدي على القوانين، والأخلاق على نحو عام.

فالمبالغ الهائلة التي تصل إلى عشرات الملايين من الدولارات، وتدفع لانتقال بعض اللاعبين من نادٍ إلى آخر، توضح أن هذه اللعبة أضحت تدر مقادير من الأموال تجعل المستفيدين منها، من نواد ومدربين ولاعبين وشركات داعمة وشركات دعاية وصحافيين وغيرهم يتناسون الضوابط القانونية والمعايير الرياضية الأخلاقية.
يمكننا القول إن محبي لعبة كرة القدم، يعرفون حتماً أنّ هذا القطاع تسوده مشاكل كثيرة، مادية وأخلاقية. وقد كنا أشرنا في عرض سابق لكتاب «فاول» إلى فضائح منظمة الفيفا وقياداتها التي تسلمت رئاستها بعد انكشاف فضائح الرئاسة السابقة، إلى جانب الحكم بالسجن على رئيس نادي «بايرن منشن» الألماني بتهمة التملص من دفع الضرائب، و«اختفاء» لاعب كرة قدم ألماني شهير من مسرح اللعبة بعدما انكشف أمره حيث كان يتقاضى الملايين من الشركات الداعمة لدوره في كسب منافسة إجراء بطولة العالم في بلاده، بعدما كان يدعي أن منصبه فخري ولا يتقاضى أي أجر عنه، إضافة إلى «ابتياع» حصول بلاده على حقوق إقامتها، في الوقت الذي كانت صحافة بلاده تقيم الدنيا ولا تقعدها متهمةً كلاً من قطر وروسيا بابتياع تلك الحقوق.

وثائق تكشف حجم الفساد الذي ضرب الرياضة عالمياً

كتاب «التجارة القذرة في كرة القدم» (deutsche verlags-anstalt 2017) يتعامل مع هذه القضايا وغيرها، كما سنوضح لاحقاً، اعتماداً على أكثر من 28 مليون وثيقة دامغة سرّبها مسرب لبعض الصحافيين الألمان الذين عملوا على نشر بعضها في مجلة «دِر شبيغل». مقدمة المؤلف تحوي كيفية حصول الصحافيين على تلك الوثائق وعن علاقاتهم بالمسرب الذي تبقى كافة المعلومات الشخصية عنه مجهولة.
نظراً إلى كمية الوثائق المسربة، فقد تمت الاستعانة بعشرات الصحافيين والمحامين والمحققين لتقويم ما بين أيديهم، وشارك فيها صحافيون من فرنسا والدانِمارك وهولندا وبلجيكا وإيطاليا وإسبانيا وصربيا ورومانيا وبريطانيا والبرتغال، إضافة إلى الاستعانة بشبكة بحث أوروبية هي «التقصي التشاركي الأوروبي».
مسرب الوثائق سوغ عمله بالقول إنه لم يكن قادراً على تحمل المزيد من قاذورات أولئك رجال الأعمال الذين لا ضمير لهم. أما مؤلفا الكتاب رفائل بُشمَن ومايكل فولتسنغر، فقد خصصا قسماً من الكتاب للحديث في دور بعض اللاعبين في تلك «القاذوارت» ومنهم اللاعب البرتغالي رونالدو وشركة تسويق اللعبة واسمها Doyen.
كما تناول العمل بالتقصي بعض القضايا ذات العلاقة بما يسمى الطرف الثالث المرتبط بعمليات انتقال لاعب من نادٍ إلى آخر، مع أنّ القوانين تحظر ذلك بأوضح الكلام. كما نوه إلى دور شركة «أديداس» في تلك المخالفات، وبالتالي في اقتطاع أرباح إضافية.
يعدد الكتاب أسماء مشاركين في تلك التجارة، إن صح التعبير، منهم اللاعب السابق ومدرب ريال مدريد الحالي زيد الدين زيدان. التقصي يتناول أدوار شخصيات أخرى في الدوري الإنكليزي واللاعب السويدي زلاطن إبراهُمُفِتش، وبول فغبا والفرنسي مينو ريولا والألماني مسعود أوزيل.
كثير من نوادي كرة القدم في أوروبا مذكورة في المؤلف، ومنها الألمانيان «هامبورغ» و«آينترخت فرانكفورت»، والإيطالي «يفنتس تورين»، والكرواتي «دينامو زغرب» الذي يشد الكاتبان على دوره المحوري في هذا الفساد المافيوزي.
كما يولي المؤلف اهتماماً خاصاً بكيفية «اختطاف» اللاعبين الموهوبين من الدول النامية وإلحاقهم بنواد أوروبية. الكاتبان الألمانيان يطلقان أبشع النعوت على الأطراف المنخرطة في هذه البنى المافيوية، لكن بعض القراء طرحوا تساؤلات عن أمور عديدة تجنب المؤلفان الحديث فيها بالعمق المطلوب، وتحديداً الفساد الذي يضرب في «البوندسليغا» واللاعبين الألمان.