موضوع كتاب «صعود اليسار الأميركي العربي - النشطاء والحلفاء ونضالهم ضد الإمبريالية والعنصرية - من مطلع الستينيات إلى الثمانينيات» (منشورات جامعة نورث كارولاينا ــ 2017 ــ The rise of the arab american left: activists, allies, and their fight against imperialism and racism, 1960-1980s) يبدأ من مظاهرة دعا إليها عمال مصانع السيارات العرب في ديترويت في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 1973، احتجاجاً على حفل المنظمة اليهودية - الصهيونية بناي بريث لتكريم رئيس نقابة عمال السيارات (united auto workers). المظاهرة كانت تتويجاً لنشاط استمر أسابيع عديدة بدأ عند اندلاع حرب تشرين بتظاهرة في ديربورن في ولاية ميتشيغن، مقر أكبر جالية عربية في الولايات المتحدة، وركزت على حقوق العرب في فلسطين احتجاجاً على دعم واشنطن للعدو الصهيوني. هذه التظاهرات كانت محطة في مسيرة نشاط عربي معادٍ لسياسات واشنطن الإمبريالية بدأ بعد عدوان حزيران 1967. العمال العرب اتهموا النقابة التي ينتمون إليها بمساعدة كيان العدو عبر الاستثمار في سندات كيان العدو الصهيوني، وطالبوا بوقف هذا الاستثمار ودعم حقوق العرب في فلسطين والعمل الفدائي الفلسطيني.
وقد عملوا على توسيع دائرة نشاطاتهم لتشمل أعضاء النقابات اليسارية وحركات البشر الملونين (people of colour) الأميركية، ووسعوا من مطالبهم كي تشمل حقوق العالم الثالث أيضاً وحقوق العمال العرب في الولايات المتحدة، ونجحوا في ذلك إلى حدٍّ كبير.
تبين المؤلفة باميلا بينوك أن الخلافات التي كانت تندلع بين الأنظمة العربية انعكست على حركة اليسار العربي، لكنها بقيت متحدة في قضية واحدة هي معاداة الصهيونية ودعم القضية الفلسطينية وحقوق العرب في البلاد.
ينوه الكتاب إلى حقيقة أن الحركة السياسية الأميركية ـ العربية ركزت في البداية على اليسار، والماركسي تحديداً، لكنها تحولت في فترة لاحقة عن ذلك الفكر. مع ذلك بقيت ــ دوماً بحسب الكاتبة ـــ حركة تقدمية، وتمكنت من كسب دعم أوسع من الليبراليين.
تشير الكاتبة إلى عمل الدكتور بواردي الذي سبق لنا عرضه في هذا الملحق وتنوه إلى أهميته، لكنها تتناول بالعرض تاريخ الحركة السياسية الأميركية- العربية بدءاً من الستينيات، وفهمه ضمن التجربة الأميركية التي أنتجت نشاطات مرتبطة بالحقوق العامة للأقليات الإثنية والتي اندلعت في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته.

كسب التيار الداعم للقضية الفلسطينية اهتمام الأكاديميين هناك

انطلاقاً من تلك الحقيقة وتفحص الطريقة التي وضعت المنظمات الأميركية - العربية نفسها في خطابات معاداة الإمبريالية السائدة في ذلك الحين، فإنّ هذا العمل ــ توضح الكاتبة ـــ يهدف إلى تجسير الثغرة بين تاريخ محدد للأميركيين - العرب وتاريخ الحركات الاجتماعية الأميركية الصرف.
توضح الكاتبة أنها توظف المصطلح «أميركي-عربي» رغم ما يحويه من تبسيط، ذلك أنّ قسماً كبيراً من هؤلاء كان يزور بلاده الأصلية على نحو دوري. وتؤكد أنها ركزت في عملها على العرب المقيمين على نحو دائم في الولايات المتحدة ومن اليسار تحديداً والمؤيدين للقضية الفلسطينية. هؤلاء انتموا إلى طبقات مختلفة وأديان ومذاهب عديدة، لكنهم كانوا في معظمهم من أصحاب التعليم المتقدم.
دراسة الكاتبة لليسار الأميركي-العربي في الولايات المتحدة قادتها إلى تقسيم عملها على النحو الآتي:
الجزء الأول «تأثير حرب حزيران في التنظيم الأميركي-العربي واليسار الأميركي»، ناقش: تأثير حرب حزيران في التنظيم الأميركي-العربي واليسار الأميركي، نشاط تقدمي بعد حرب حزيران AAUG، الطلاب العرب والقضية الفلسطينية (منظمة الطلاب العرب) واليسار الأميركي-العربي، تقاطعات - فلسطين والأميركيين-العرب وحركات الستينيات. أما الجزء الثاني «أجواء معادية للنشاطات»، فحوى: أجواء معادية للنشاطات، شخصية مضطربة وليس شهيداً: تأثير سرحان سرحان في النشاط الأميركي-العربي، الأعداء الداخليون: عملية بُلدر وانتهاك الحريات المدنية. أما الجزء الثالث «أمركة النشاطات»، فضم: تنظيم محلي واندماج وطني، اجتياز الفضاءات العربية والأميركية - تنظيم الجاليات والعمال في ساوثإند، البحث عن الاندماج - التنظيم السياسي للأميركيين-العرب في الثمانينات.
بالعودة إلى الجزء الأول، نرى أن الكاتبة خصصته للبحث في مغزى القضية الفلسطينية للنشاط الأميركي-العربي والنشاط الأميركي اليساري. كما خصصت فصلاً من هذا الجزء لتحليل نشاطات «جمعية الخريجين العرب في الجامعات الأميركية»، وخصصت فصلاً ثانياً لتحليل مماثل لمنظمة الطلاب العرب. أما الفصل الثالث في هذا القسم فتخصصه الكاتبة للحديث في مجالات التقاطع بين تلك المنظمات ومنظمات الأفر-أميركيين واليسار الجديد والفكر الفلسطيني!
الفصل الأول من الجزء الثاني، يركز على الأجواء المعادية للعرب بداية من قيام سرحان سرحان باغتيال روبرت كينيدي ومواقفه المعلنة من قضية فلسطين وتأثيرها السلبي في نشاط المنظمات العربية. أما الفصل الثاني، فيركز على انتهاك السلطات الأميركية الاتحادية لحقوق الأميركيين-العرب المدنية.
الجزء الثالث مخصص للحديث في أمركة النشاط الأميركي-العربي وتوجهه نحو الأمور المحلية بعيداً من الوطن الأم.
الفصل الأخير خصصته الباحثة للحديث عن التنظيمات الجديدة التي شكلت جزءاً من التيار العام المنادي بحقوق الإنسان ومنها حملة حقوق الإنسان الفلسطيني واللجنة الأميركية-العربية لمناهضة العنصرية (ADC) والمركز الأميركي العربي (AAI) ونشاطها المنسق مع حركة القس جسي جكسن (تحالف قوس قزح/ rainbow coalition).
توضح الكاتبة أن النشاطات العربية المؤيدة للقضية الفلسطينية تعاني كثيراً بسبب التأثير الصهيوني والعنصرية تجاه العرب رغم نجاحها في كسب اهتمام الأكاديميين الذين استحالوا بسبب ذلك إلى هدف للحملات المعادية للعرب وعزلهم عن محيطهم الأكاديمي، ما يؤكد أهمية دراستها ضمن إطار الحملة الأميركية العامة من أجل المساواة والعدالة.