زُرتُ البيت.أعطتني الموظفةُ ثلاثة مفاتيحٍ للباب، شرحتْ لي، واحد لك، واحد لها، وواحدٌ تزرعانه في الحديقة تدخلان به سوياً حين تتقاتلان...
والبيت نوافذ وشرفة، تماماً ككلِّ البيوت، لكن نوافذنا تطلُّ على أشجار تميلُ إلينا، وشُرفتنا - قِستُها بالأمتار والخطوات والأشبار- واسعةٌ كعلم الله.

ساعديني، كيف أقولُ لفتاة بعيدة كم واسعةٌ شُرفتُها الواسعة؟
أحاولُ، الشرفةُ تتسع لأرجوحة كبيرة تحوينا معاً، مع الأرجوحة التي تحوينا معاً تتسعُ لنا جالسين على كرسيين من خشبٍ نشربُ صامتين شاي المساء. مع الأرجوحة التي تحوينا معاً وكرسيي الخشب اللذين نشربُ عليهما صامتين شاي المساء، تتسعُ لنا مُتخاصمين كُلٌّ في زاويةٍ وبيننا شرفةٌ عاديةٌ كاملة، مع الأرجوحة التي تحوينا معاً وكرسيي الخشبِ اللذين نجلسُ عليهما صامتين، نشربُ شاي المساء ومعنا متخاصمين كُلٌّ في زاويةٍ وبيننا شرفةٌ عاديةٌ كاملة تتسعُ أيضاً لكِ مُمددة على الأرض بكسلٍ ساهيةً عن رغبتي بأن أملأ الفراغَ الباقي من الشُرفة بين رُكبَتيكِ..
هل عرفتِ كم تتسع شرفتنا للأماني؟
ثُم ماذا أيضاً أخبركِ عن البيت؟
سألتني الموظفة عن موعدِ زيارتك، قُلتُ لا أعرف ربما غداً.
نصحتني بأن أخذكِ لأشجار قريبة، خلفَ الأشجار زاوية يتهامس فيها المجانين عن السباقات والأغاني وتماثيلٍ للظلال، خلفَ المجانين تلةٌ نصرخُ عليها، التلة تُشرفُ على روضة أطفال لا تنزل فيها الصواريخ، اسم الروضة «غادة شعاع». خلف الروضة بيتك.
قالتْ الموظفةُ أن نزور أمك، جارتنا. قالت أيضاً أن نأخذ معنا بيضاً أخضر للعيد.

■ ■ ■


على بُستانِنا حلَّ الشتاء..
والشتاء كما قال الأولون طريقةٌ في الكلام، تشبيهٌ وحسب. لكنَ الأزهار ذبُلتْ، والأعمى -كليمُ الطيور- شاخ البارحة.
وكنت أحسبُ الأغاني حيلةً أيضاً، رددتها رغبةً بأن أنسى حين يجب أن أنسى، كنت أحسبها كلماتٍ تنتهي إلى أدراجٍ مليئة ببشر مروا في أماكن مرّت. لكن الراحلين ما تركوا خط قلمٍ أو ضربة ريشة بعدهم. أخذونا معهم، ولمّا عُدّنا - بعدما دلّونا على درب الإياب فهم لا يرجعون مع أحد- وحدها الأغاني كانت تحكي الحكايات.
الشتاء حلَّ على بُستانِنا والكلماتُ نفسها ضغطت على ضلعٍ كُسِرَ فرممناه، ثم كُسر فرممناه، ثم كُسر فغنوا ورقصنا عليه.
بقربِ النهر كانَ أرنبٌ يلعب، لاحقتُه سنين، تعبتُ ولم أُمسكه، لكنَ الشتاء حلَّ ولم يخبرني أحد في الروايات القديمة أين يلعب الأرنب حين يتجمدُ النهر؟
في الشتاءِ الماضي، حملَ العاشقُ وعداً ثقيلاً «في الصيفِ القادم أتي إليكِ، عندي سبع أخواتٍ أُعطي كُلًّ واحدةٍ مِنهن لواحدٍ من أخوتك، سبع أخوات وأخذكِ بِهن. على حصان أسود وعربة بيضاء. تعرفين صدقي، وبحليبِ أُمي أقسمِ لك. في الصيف القادم».
خبّرها في الشتاء الماضي، وهذا العام أول الصيف حلَّ على بُستانِه الشتاء.
* كاتب سوري مقيم في السويد