مسرورون هذا العام، إذ يأتي «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب» في ظروف سياسية وأمنية مستقرة نسبياً في لبنان، رغم الأزمات في البلدان المجاورة. ونأمل أن ينعكس ذلك إيجاباً على الإقبال من قبل الأفراد والمدارس والطلاب.ما يميّز هذا المعرض، ويميّز بيروت بشكل عام، هو الحرية. لا رقابة على النشر ولا كتب ممنوع عرضها وتوزيعها، سواء في النقد السياسي أو الديني أو الكتب الجنسية، كما في المعارض العربية الأخرى. ولكن السوق اللبنانية بالنسبة إلى الناشر اللبناني محدودة نسبياً، ولا يمكنه أن يغامر بطباعة كتاب لتوزيعه فقط في لبنان، مع احتمال منعه في بلدان عربية أخرى. وضع النشر اليوم ليس بأحسن حالاته، وسوء الأوضاع السياسية والأمنية انعكس سلباً عليه: أسواق مقفلة (سوريا، اليمن، العراق...)، طرق مقفلة (صعوبة في الشحن والاضطرار إلى الشحن البحري بدل الشحن البري، ما يؤخر وصول الكتب إلى الموزّعين)، إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة في معظم البلدان العربية وانخفاض القدرة الشرائية لدى القارئ (مصر)، هذا عدا عن تفاقم مشكلة التزوير الورقي والإلكتروني، واستحالة الملاحقة القانونية والمحاسبة، وتزايد مشكلة الرقابة ومنع الكتب...

ما أحاول قوله هنا أنّ سوق الكتاب العربي هي سوق واحدة ولا يفيد الحديث عن نشر في بيروت أو في العراق أو في مصر. المشكلة الأساسية هي في التوزيع، وفي إمكانية معرفة وضع القارئ العربي اليوم وظروفه ومزاجه، في ظلّ الأزمات المتعددة التي يعيشها. في ظلّ هذه الأوضاع الصعبة والأسواق المقفلة وغيرها، نبذل جهدنا لإيصال كتبنا إلى جميع القراء، لكن الأمر ليس سهلاً وأحياناً الصعوبة متعلقة بأمننا الشخصي، إذ قد نضطر أحياناً إلى عدم المشاركة في معارض للكتب خوفاً من الأوضاع الأمنية في بعض البلدان. نحاول التعويض عبر البيع عن طريق موقعنا الإلكتروني وتوسيع شبكة التوزيع الخاصة بنا في كل البلدان العربية وفي الخارج، وأيضاً عبر الكتاب الإلكتروني، إذ إن عدداً كبيراً من كتبنا أصبح متوافراً بصيغته الإلكترونية من خلال عدد من المواقع، في انتظار انطلاق موقع «الساقي» الإلكتروني (مسا) الذي يوزع كتب «الساقي» إلكترونياً كما كتب ناشرين عرب آخرين.
من جهةٍ ثانية، الأزمة الفكرية والسياسية التي نعيشها اليوم في العالم العربي، تنعكس سلباً على النشر، كماً ونوعاً. على سبيل المثال، هناك فقر في الإنتاج الفكري والسياسي في السنوات الخمس الأخيرة، ولا أتحدث هنا عن الكتب التي توثق لما نعيشه أو لما عشناه منذ بداية الأزمة حتى اليوم، فهذه الكتب برأيي ضعيفة ولا تستهوي القارئ، كما أنها غير ناضجة. أعتقد هنا أننا نحتاج إلى المزيد من الوقت والتحليل لفهم ما حدث واستشراف المستقبل. وهذا ما يدفع بالناشرين في الكثير من الأحيان إلى الاعتماد على الترجمات لسد الفراغ الحاصل على صعيد الإنتاج الفكري والسياسي. في ما يخص «دار الساقي»، نشرنا كتابين في هذا المجال يستحقان برأينا القراءة: «انتكاسة الانتفاضة العربية: أعراض مَرَضية» للباحث جلبير الأشقر، والكتاب يعتبر تتمة لكتابه الأول الذي نشرناه بعنوان «الشعب يريد». والكتاب الثاني هو «الإسلام والإنسان» للمفكّر محمد شحرور. على صعيد الترجمة، نشرنا «في مواجهة التعصّب: التعاون من أجل البقاء» لعالم الاجتماع الأميركي ريتشارد سينيت. كما ستصدر للمعرض الترجمة العربية لكتاب «العلاقات السعودية الإيرانية» للباحثة الإيرانية بنفشه كي نوش. في ما يخص الإصدارات الجديدة للمعرض هذه السنة، تنشر «دار الساقي» سبع روايات بالتعاون مع «الصندوق العربي للثقافة والفنون» (آفاق)، وهي الروايات الفائزة بمنحة «آفاق» ضمن برنامج «آفاق لكتابة الرواية» (الدورة الثانية) بإشراف الروائي جبور الدويهي.
كما نسعى لتعزيز النشر للأطفال والشبان، ومن الكتب الصادرة التي ستكون متوافرة في المعرض كتاب «صديقي» للكاتبة سمر محفوظ برّاج، نص جميل عن الاختلاف وتقبّل الآخر. كما ستصدر للمعرض رواية للفتيان بعنوان «كابوتشينو» للكاتبة فاطمة شرف الدين، وتتناول موضوع التعنيف الأسري.
* مديرة تحرير «دار الساقي»