ثمة كذبة سائدة في كثير من الأوساط المتابعة لموضوع المؤلف تقول إنّ ولاء الأميركيين لليهود هو لكيان العدو الصهيوني، الذي يتحكم بدوره في انتخاب رئيس الجمهورية، وكذلك في صنع قرارات واشنطن ذات الصلة بالصراع العربي-الصهيوني. لكن الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة أثبتت عدم صحة ذلك الرأي، ذلك أن هلري قلنطن التي حصلت على الأصوات «اليهودية» الأميركية خسرت السباق الرئاسي.وهذا هو لبّ موضع هذا المؤلف الذي ما زال يثير عاصفة من التفاعلات المؤيدة والرافضة لاستنتاجات الكاتب التي يلخصها عنوان المؤلف. في أوساط الرأي العام الأميركي «اليهودي» ــ دوماً بين مزدوجتين اعتراضيتين بسبب عدم وجوب رأي واحد في «القبيلة» ـ ينتشر الخلاف على أكثر من جهة.

لنعد على سبيل المثال إلى قول شُلتز الذي كان وزير خارجية واشنطن إبان إدارة الرئيس ريغان، الذي قال: من يؤمن بوجود لوبي يهودي واحد هنا، فليأت إلى واشنطن وليلتق به.
الكاتب الذي أثرى مؤلفه بمجموعة من البيانات والجداول، بعضها يحوي نتائج استطلاعات رأي في داخل «القبيلة» بخصوص سياسات واشنطن وتل أبيب وما يسمى «عملية السلام» المزعومة الممتدة منذ عام 1917، يرى أن الآراء متباينة بين مختلف طبقات «القبيلة» وفئاتها العمرية والمهنية وما إلى ذلك.
دَف وكسمَن، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية والدراسات الإسرائيلية في «نورث إيسترن يُنفرستي»، وله مجموعة من المؤلفات عن الصراع العربي-الصهيوني، خصص كتابه هذا للحديث في العلاقات دائمة التأزم بين اليهود الأميركيين وكيان العدو، إضافة إلى الأزمات في داخل معسكر الأميركيين اليهود. هو يرى أن عدداً متزايداً من الأخيرين، لم يعودوا على استعداد لدعم سياسات كيان العدو من دون شروط، بل إنهم يتعاملون معها من منظور نقدي متزايد.
طريقة تعامل كيان العدو مع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1967 وتناقلها عبر وسائط التواصل الاجتماعي، أضحت مصدر عدم رضى، بل حتى سخط قطاعات واسعة على سياسات حكام تل أبيب.

كثيرون منهم انضموا إلى حملة المقاطعة
المهم هنا أن مصدر الإعلام لدى قطاعات واسعة من البشر المهتمين بالاستماع إلى الأخبار، انتقل من المصادر المرئية التي تعد من المؤسسات الحاكمة إلى وسائل التواصل الاجتماعي التي تملك حرية أكبر في نقل وحشية سياسات العدو وهمجيتها تجاه فلسطين ولبنان، وهو ما يؤثر في الرأي العام العالمي المتعاطف على نحو متزايد مع الشعب الفلسطيني ومختلف صنوف معاناته. ولأن اليهود الأميركيين يعدون الولايات المتحدة وطنهم، ولا يربطهم بكيان العدو سوى تعاطف ديني، فإنّ قسماً منهم حرر نفسه من ديماغوجيا الصهيونية وصار الفرد منهم أكثر حذراً ونقداً في رؤيته لمجمل الصراع العربي-الصهيوني. بل إن كثيرين منهم انضموا إلى حملة مقاطعة كيان العدو (Boycott, Divestment, Sanctions, BDS) ويفخرون بذلك علناً، ويكتبونه على قمصانهم، هذا في الوقت الذي يتهافت فيه زعماء مشيخات أعراب العمالة والعمولة في الخليج الفارسي وزعامات ميليشيات شرقي فلسطين المتحصنة في مبنى المقاطعة، ذراع العدو في الأراضي المحتلة عام 1967، على معارضة حملة المقاطعة ومحاولة فرض التطبيع، مرحبين بانضمام نظام العسكر الساداتي في مصر بقيادة المشير السيسي إلى جوقة التطبيع والتنسيق مع العدو الصهيوني.
يعرض الكتاب رأيه عبر الفصول السبعة الآتية: العلاقات الأميركية -اليهودية المتغيرة مع إسرائيل، نهاية شعار ‹مع إسرائيل محقة كانت أو مخطأة›، الجدل حول إسرائيل، تآكل الإجماع، تشظي اللوبي المؤيد لإسرائيل، التحديات التي تواجه المؤسسة اليهودية، الاستقطاب داخل اليهود الأميركيين.
ينوه الكاتب إلى التباينات داخل المجموعات اليهودية، بين المتدينة وغير المتدينة، علماً بأن لغة معظم الأشكناز الأصلية المهاجرين من أوروبا إلى الولايات المتحدة هي اليديشية (80% ألمانية، والبقية خليط من اللاتينية واليونانية والآرامية و«التوراتية»)، وليست الإسرائيلية، المسماة خطأً عبرية. أما لغة الأشكناز الذين اندمجوا في المجتمع الأغلو-سكسوني فهي الأميركية.
إضافة إلى ذلك، فقد نوه الكاتب إلى أن الجدل داخل الطوائف اليهودية الأميركية استحال علنياً، وأن المعارضة انتقلت أحياناً إلى العلن ويتجلى ذلك، ضمن أمور أخرى في المنظمات المعادية لإسرائيل، إضافة إلى منظمات ما يسمى اليهودية العلمانية والصهيونية الجديدة وما بعد الصهيونية وما إلى ذلك.
من هذا المنظور، فإن الكاتب يرى أن التباين والانقسام داخل اليهود الأميركيين ليس أمراً عارضاً وإنما عميق الجذور وسيبقى ويتوسع. أي أن انشقاق «القبيلة» في داخل الولايات المتحدة، كما يرد في عنوان المؤلف، له أسبابه الذاتية ولا يتعلق فقط بالموقف من الصراع العربي الصهيوني. فالانقسام هو بين اليهود الأرثوذكس، مغالي التطرف، واليهود المعادين لهم.
لكن الانقسام يتعدى هذا الأمر ــ دوماً وفق الكاتب ـ ليتحول الخلاف إلى صراع، ما اضطر مؤسسات يهودية أميركية دينية وأكاديمية ومحلية إلى فرض حظر الحوار بخصوص فلسطين والصراع العربي-الصهيوني والموقف من كيان العدو. بل فرض حتى حظر الحديث في موضوع حملة مقاطعة العدو، ويضاف إلى ذلك التشهير بمنظمات يهودية لا تقبل بكل سياسات إسرائيل مثل (J[ewish] Street/ جيه ستريت)، كما وُضعت منظمات أخرى على اللائحة السوداء لليهود المغالين في تدينهم، ومنها «صوت يهودي من أجل السلام» (Jewish Voice for Peace).
يؤكد المؤلف أنّ الصراع داخل الجماعات اليهودية الأميركية سيتواصل، وحدّته ستزداد ولن يتوقف رغم الحملات كافة، والطريق الوحيد لإنهائه هو انتهاء الصراع العربي- الصهيوني. إسرائيل ما عادت عامل توحيد يهود أميركا، بل عامل تشرذمهم وتناحرهم وصراعهم وانشقاقهم. سياسات العدو الصهيوني تجاه الفلسطينيين وفي لبنان، التي انتقلت إلى مختلف أنحاء العالم بفضل وسائط التواصل الاجتماعي، حررت القمقم وما عاد بالإمكان إعادته إلى القارورة، والتعبير للكاتب.