شهد العقد الأخير رواجاً ملحوظاً للأعمال الأدبية والفنية التي تتناول الوجود اليهودي في مصر بين أعمال درامية وأخرى أدبية. هكذا، صدرت روايات «مرنبتاح فرعون الخروج» (2008) لسيد نجم، و«آخر يهود الإسكندرية» (2010) لمعتز فتيحة، و«سينا جوج» (2013) لمأمون المغازي، و«بنت صهيون» (2015) لشريف شعبان، و«بنات صهيون» (2016) للكاتب محمد عزيز، إلى جانب ترجمة الأعمال العبرية التي أثارت جدلاً باعتبار هذا الفعل صورة من صور التطبيع. «الأخبار» التقت مصطفى نصر صاحب رواية «يهود الاسكندرية» الصادرة أخيراً عن «الدار المصرية اللبنانية». هنا، وثق الكاتب السكندري للوجود اليهودي في مدينة الاسكندرية منذ عام ١٨٦٢ حتى بدايات العصر المباركي. ينتمي نصر إلى جيل إبراهيم عبد المجيد، وفتحي إمبابي، وسعيد الكفراوي، وإدوار الخراط، وإبراهيم أصلان، وجمال الغيطاني، ويوسف القعيد ومجيد طوبيا، وأصدر العديد من الروايات والمجموعات القصصية أهمها: «الصعود فوق جدار أملس»، «الشركاء»، «جبل ناعسة»، «الجهيني»، «الهماميل»، «شارع البير»، «النجعاوية»، «اسكندرية 67»، «سوق عقداية»... حول أدبه وتأثّره بالسينما، وكيفية تحوّل الاسكندرية من مدينة كوزموبوليتانية إلى معقل للسلفيين، وثنائية المركز والأطراف في الثقافة المصرية، كان لنا معه هذا الحديث

■ ما السبب وراء كتابتك رواية «يهود الإسكندرية» في هذا التوقيت؟ وهل يعد ذلك استجابة لظاهرة تنامي الكتابات التي تتناول اليهود في مصر خلال الفترة الماضية؟ وماذا تبقى من يهود الإسكندرية؟
كتبت «يهود الإسكندرية» خلال الفترة بين 2003 و2005، وقت حصولي على منحة تفرغ من وزارة الثقافة. خلال تجمع أدبي، قال لي صديق كان قد قرأ مخطوطة العمل: «سرقوا روايتك عن اليهود».

شعرت بالخوف، وكنت قد قرأت عن مسلسل تلفزيوني عن اليهود. وعندما عدت إلى البيت، بحثت عن موضوع المسلسل، وحمدت الله أنّه كان بعيداً عن موضوعي كلياً، وسبب خوفي أنّني أودعت نص الرواية في إدارة التفرغ في وزارة الثقافة وقتها. يعني كتابتي للرواية قبل فترة التنامي التي تذكرينها. لكنني لم أنس أبداً مشكلة فلسطين، كما أنّ اهتمامي باليهود ومعتقداتهم قديم عندي. فقد كتبت مقالة في بداية الثمانينيات ربطت فيها بين شخصية جوستين بطلة «رباعية الإسكندرية» لداريل، والشخصية الإسرائيلية. وكتبت عن اليهود في روايتي «اسكندرية 67»، قلت فيها إنّ بعضهم كان يحبّ الإسكندرية ومصر وينتمي إليهما. أخطأت مصر في معاداة كل يهود مصر، وموقف «ثورة يوليو 52» كان غير منصف مع كل الجاليات الأجنبية في مصر. كان أملي أن تبقى الجاليات الأجنبية، بما فيها اليهود، فقد استفدنا منها الكثير. والآن، لم يتبق من يهود الإسكندرية سوى القليل جداً.

■ رغم أنّ الروائي يتأثر ببيئته في كتاباته، إلا أنك كسرت تلك القاعدة في روايتك «المساليب» التي صنعت فيها عالم قرى الصعيد النائية. كيف وازنت بين الخيال والواقع في ذلك العالم؟
إنني سكندري، ومتحمس جداً لسكندريتي، لكنني لم أبعد لحظة عن صعيديتي. جاء أهلي من بلدتهم «المراغة» التابعة لمحافظة سوهاج كبارا، ونقلوا إلى الإسكندرية ــ مع غيرهم ـ العادات والتقاليد الصعيدية، بخاصة حي في غربال عاش في جزء منه، أهالي بلدتي في الصعيد. ما زلت أعيش هذه العادات والتقاليد. ماتت أمي في طفولتي، فكنت ابناً لسيدات كثيرات في العائلة، منهن زوجة عمي التي أحبتني كثيراً، وكانت حكاءة ذات خبرة عجيبة في الصعيد والإسكندرية. حكت لي عن نساء مساليب الصعيد، ونوادرهن. كثير جداً مما أحكيه في رواياتي وقصصي، نابع من حكايات زوجة عمي لي.

■ هل تمسُّكك بالبقاء في الإسكندرية أثّر على ذيوع اسمك في الأوساط الثقافية مقارنة بكتاب سكندريين نزحوا إلى القاهرة؟ وهل ثنائية المركز والأطراف ما زالت تتحكم بالثقافة المصرية؟
هذه مشكلتي. في حوار في جريدة «القاهرة زمان»، عبرت عن هذه الأزمة بمرارة، فلامني أستاذي خيري شلبي، وقال لي: «لماذا، فنحن نحبك، أتريد أن تكون نجماً؟!». قلت: كل ما أريده أن يتسع اسمي بحيث يُنشر لي كل ما أرسله من قصص وكتب ومقالات. كتب المرحوم جمال الغيطاني في مقالة في «أخبار الأدب» عن سبب عدم نيلي المكانة التي أستحقها، وقال: «أكيد بقاؤه في الإسكندرية وبعده عن القاهرة - مركز الضوء الثقافي – هو السبب». وسأحكي هنا عن موقفين يؤكدان ما أقوله: الأول عندما وافقوا على تعيين صديقي محمود قاسم في «دار الهلال»، وكنت وقتها معه في هيئة الكتاب.

مزاجي النفسي يتماشى أكثر مع كتابة الرواية التي تحتاج إلى شخص هادئ ومتأمل وصبور

قابلنا المرحوم فتحي الأبياري، فأخبره محمود بما حدث، فقال له: «حاتبقى بني آدم». والموقف الآخر، عندما قال لي الأستاذ إبراهيم عبد المجيد بأنّه حقق شهرة تمكِّنه من مباشرة أعماله من الإسكندرية، ولم يفعل. وعندما قابلته في معرض الكتاب في القاهرة؛ سألته لماذا لم تباشر أعمالك من الإسكندرية كما قلت؟ أجاب: «لقيت نفسي حاضيع كل إللي عملته». هذان الموقفان يؤكدان حقيقة الأزمة التي يعيشها الأدباء الذين يعيشون خارج القاهرة.

■ إلامَ استندت في تأريخك ليهود الإسكندرية؟
أنا محبّ لقراءة التاريخ، خاصة التاريخ الحديث. وأرى أن اليهود أثروا في حياتنا من جوانب عدة. لذا، قرأت عنهم كثيراً. لكنني في هذه الرواية، التزمت بثوابت تاريخية، وتصرفت في التفاصيل، فحادث الانفجار الذي أدى إلى موت الكثير من اليهود، لم يحدث في الحقيقة ليهود الإسكندرية، بل حدث في حارة اليهود في القاهرة حيث كان هناك يهود يعملون في صناعة البمب والصواريخ. انفجرت ورشتهم، فكان ذلك سبباً في موت الكثير من اليهود، وحرق بيوتهم. كما أنه ليس هناك ما يؤكد وصول السادات إلى هذه المنطقة أيام هروبه من الشرطة بعد قضية أمين عثمان، ثم بعدما أصبح رئيساً لمصر. تلك حكايات تتردد في المنطقة، استغليتها وكتبتها.

■ ألم تخش من المساحة الزمنية الكبيرة التي تناولتها في «يهود الإسكندرية»، مما قد يؤدي إلى انفلات الحبكة الدرامية منك أو تيه القارئ في الأحداث والوقائع، خاصة أنّ صفحات الرواية وصلت إلى ٥٥١ صفحة؟
إنني أصلاً ميال إلى الروايات القصيرة. عندما كتبت «يهود الإسكندرية»، قررت أن أنشر كل جزء من الثلاثة في كتاب مستقل، بل شرعت في ذلك، فأرسلت الجزء الأول منها للنشر في روايات «الهلال»، ولا أدري ما الذي حدث، فلم أسأل عنها بعد ذلك، وأرسلتها لسلسلة التفرغ في المجلس الأعلى للثقافة ولم أجد صدى، ووجدت أن الأفضل أن تنشر في كتاب واحد. وكنت سأسميها «ثلاثية اليهود في الإسكندرية»، لكننا انتهينا لتسمية الرواية «يهود الإسكندرية». كان عدد الشخصيات كثيراً جداً، وأعتقد أنّ الشخصيات في كل رواياتي كثيرة. يهمني أن أعطي لكل شخصية في الرواية اهتماماً وقدراً معقولاً من العناية والمتابعة
ومن خلال لقاءاتي بالأصدقاء والصديقات الذين قرأوا الرواية، لم أجدهم يشكون من انفلات الحبكة الدرامية ولم يشكوا من أنهم تاهوا في الأحداث والوقائع.

■ تناولت في رواياتك «اسكندرية 67»، و«ليالي الإسكندرية»، و«ليالي غربال» و«ظمأ الليالي»، مدينة الإسكندرية وكيف تحولت من مدينة كوزموبوليتانية إلى معقل للسلفيين، كيف أثر هذا على مناخ مدينة الإسكندر الأكبر؟
أنا حزين لما آلت إليه الأمور في الإسكندرية، أجمل وأهم مدينة في العالم. أهلها يمتازون بالرقي والتحضر، الجاليات الأجنبية جعلت شعب الإسكندرية محباً للفنون. ورث شعب الإسكندرية من أجداده السكندريين القدامى، القدرة على السخرية. كل الساخرين سكندريون: أحمد رجب وجلال عامر وغيرهما. لكن الغزوة الوهابية أطاحت بتاريخ السنين.

■ هل تلك التحولات تقتصر على مدينتك فقط أم تطال مصر كلها؟
للأسف غزت مصر كلها، لكن الإسكندرية دائماً مميزة، فابتليت بالأشد جهلاً وتشدداً.

■ ما رأيك بقانون بناء الكنائس؟ وهل يعتبر إفرازاً للصبغة السلفية المتشددة في المجتمع المصري؟
البلهاء لا يستطيعون الفكاك من التشدد، يتركون فيلسوفاً منصفاً ومتحضراً مثل ابن رشد، ويتمسكون بآراء ابن تيمية. يعتمدون في رفضهم في بناء الكنائس لرأي ابن تيمية والأئمة الأربعة. يريدون إعادة ما كان يحدث في الماضي مع غير المسلمين. اقرأوا كتب التاريخ لتعرفوا ما فعله حكام مصر بالمسيحيين، فالمأمون مثلاً ظلم مسيحيي مصر، وقبله كان العربي يقابل المصريين ومعه مترجم. لكن ظلم المأمون لهم أجبرهم على دخول الإسلام، ولم يتبق من المسيحيين إلا القادر على دفع الجزية التي تتزايد من وقت إلى آخر، لذا يفخر المسيحيون الحاليون، بأنهم من أصول غنية، صمدت بأموالها حتى عصرنا هذا. القرآن يقول لا إكراه في الدين، وهم يرفضون بناء كنائس لملايين المسيحيين في مصر، متناسين أنّ الدنيا تغيرت، ولا بد من أن تعيشها طبقاً للقوانين الجديدة.

■ في مشوارك الأدبي تغلب الرواية على القصة القصيرة، بم تفسر انتشار الرواية مقابل القصة أو الأجناس الأدبية الأخرى؟
أقدر القصة القصيرة وأحبها كثيراً، لكن مزاجي النفسي يتماشى أكثر مع كتابة الرواية التي تحتاج إلى شخص هادئ ومتأمل وصبور، وهكذا كان نجيب محفوظ وجمال الغيطاني وفتحي غانم، بينما القصة القصيرة تتناسب مع شخص عصبي يقذف الفكرة في طلقة واحدة، مثل يوسف إدريس وغيره ممن تتماشى القصة القصيرة معهم. ولقد كتبت قصصاً قصيرة كثيرة وجيدة، خاصة في فترة مجلة «إبداع» أيام العمالقة: دكتور عبد القادر القط وسامي خشبة وسليمان فياض.

■ في روايتك «سينما الدورادو»، وثقت الصالات السينمائية في مدينة الاسكندرية، بما يشبه الفيلم التسجيلي بمشهدية عالية، ما الذي تبقى من هذه الصالات؟ ولماذا ارتبطت أعمالك بالسينما؟
كنت أرغب في أن أطلق على كتابي هذا اسم «بحب السينما»، فلقد أحببتها جداً، لكنّ فيلماً جيداً بهذا الاسم عرض في الماضي. شاهدت أفلام السينما قبل أن أتعلم القراءة والكتابة، ورواياتي التي بدأت بها حياتي الأدبية (تخلصت منها بعد سنوات) كانت كلها نتيجة مشاهدتي الأفلام المصرية القديمة، سينمات رخيصة، ندخلها بـ9 مليمات. سينمات كثيرة في الأحياء الشعبية، والدرجة الثانية بـ 3 قروش. جيلي والأجيال التالية له، تأثرت بهذه الأفلام، وما زالت تردد كلمات السينما الأثيرة «نشت يا فالح»، و«بعد إذنك أروح اتحزم وأجيلك» و«أنت إللي حاتغني يا منعم» وغيرها. للأسف كل هذه السينمات انتهت. بعضها تحول إلى صالات أفراح، وواحدة تحولت إلى مصنع غسالات، والكثير منها تحول إلى مبان سكنية، وبعضها ما زال قائماً تعيش فيه الفئران مثل «سينما ركس» في المنشية، أكبر سينما كانت في الإسكندرية. فالأفلام التي كانت تعرضها هذه السينمات يعرضها التلفزيون الآن بإصرار وإلحاح.

■ تبدو مشغولاً بضلعي القهر والفقر في رواياتك مثل «الهماميل»، «الجهيني»، «جبل ناعسة»، فهل غيرت السنوات الخمس الماضية من تلك الصورة ولو قليلاً أم أنّ ما رصدته تلك الروايات ما زالت أسبابه قائمة؟
معظم رواياتي وقصصي تدور في أحياء شعبية، بعضها كان أرضاً زراعية تحول إلى مبان سكنية، فرصدت تكوينها، وكيف تم البناء، ودخول المياه والإضاءة إليها، والتعليم فيها... هذه الأحياء تعبر في كل وقت عن حال مصر.

ما فعله طه حسين أيام الملكية
في كتابه «في الشعر الجاهلي» أكبر بكثير مما قاله إسلام البحيري
بداية، خلال «ثورة يوليو 52»، كان التعليم قليلاً جداً، لكن حكومة الثورة اهتمت بالطوائف الفقيرة، وشجعت التعليم، وبنت المصانع، كل هذا واضح في كتاباتي. وفي فترة الانفتاح، أصبحت حياة الفقراء أكثر صعوبة. وفي فترة مبارك، ضاعت هذه الفئات. كانوا يأخذون القليل المتبقي لهم، ليزيدوا دخل الأغنياء. بدلاً من بناء مصانع جديدة لاستيعاب الزيادة العددية من الشباب، باعوا الكثير منها وحولوها إلى مبان سكنية، وبدلاً من أن يبنوا مساكن شعبية واقتصادية للفقراء والطبقة المتوسطة؛ بنوا فللاً وملاعب غولف لا حدود لها. الوقوع في أحضان رجال الأعمال عجّل في قيام «ثورة 25 يناير»، وأتمنى أن تعي الحكومة الحالية الدرس، وأن تبدأ في مقاومة الفساد القوي جداً، فلا حل سوى مقاومته بعنف.
■ كيف تنظر إلى محاكمة الفكر والإبداع طوال الوقت من إسلام البحيري وفاطمة ناعوت، وأحمد ناجي وأحدثهم سيد القمني، ولماذا يتكرر قمع المفكر والمبدع في مصر؟
** السلف والقضاة هما مشكلتنا الآن، هما أقوى فئتان في المجتمع المصري. إسلام البحيري لم يتعرض لثوابت الدين، لكن ثوابت الدين تتغير من شخص إلى آخر، فالبعض يرى الشيخ الشعراوي مثلاً من ثوابت الدين، وبعضهم يرى أن ابن تيمية والبخاري والأئمة الأربعة من ثوابت الدين، وأبو هريرة ومعاوية وعمرو بن العاص أيضاً من ثوابت الدين. كنت أتمنى أن تكون هذه الآراء مطروحة للنقاش في الصحف والمجلات، لكن الكارثة أن تجدي قضاة لديهم هذه القناعات. المثقف الذي سيختلف معك، لن يفعل أكثر من كتابة مقالة يعارض فيه أفكارك. أما القاضي، فسيكون سبباً في حبس المختلف معه في ثوابت الدين. القاضي الأول الذي حاكم إسلام البحيري حكم له بالبراءة، فهو يرى أنّ ما تعرض لهم ليسوا من ثوابت الدين، لكنّ قاضياً آخر وجد أنّه قد غالى في رأيه وتعرض لناس مقدسين جداً عنده، فحكم بخمس سنين. لكن القاضي الثالث، وجده قد تعرض لثوابت دين أقل، فحكم بعام. إنها كارثة، وأنا مندهش لعدم تدخل الرئيس فيها. ما فعله طه حسين أيام الملكية في كتابه «في الشعر الجاهلي» أكبر بكثير مما قاله إسلام البحيري. لكن المحقق وقتها كان مستنيراً، فلم يدن طه حسين قضائياً، وإسماعيل أدهم أيام الملكية أصدر كتاباً بعنوان «لماذا أنا ملحد». لو كان في أيامنا هذه، لقتلوه، فما قاله فرج فودة أقل مما قاله إسماعيل أدهم بكثير، فهو يعلن إلحاده علناً، يعني أنّه «مرتد». وفي أيامنا هذه، يقتلون المرتد. كارثة أن يسجن كاتب لرأي كتبه، ردوا عليه بكتابة رأي آخر إذا اختلفتم معه. لكن القتل والسجن مع الفكر والإبداع معناه أنّنا لن نتقدم خطوة إلى الأمام، وسنظل عبئاً على العالم المتقدم. لو كان مسيحياً هو أفضل من يحكمنا، ويخرجنا من أزمتنا، فلا حرج في أن يكون هو الرئيس. ولو كانت امرأة هي الأصلح لحكم البلاد، فلماذا لا تكون الرئيسة؟! يوم يتساوى كل المصريين في الحقوق والواجبات، بصرف النظر عن دينهم ونوعهم ولونهم، تأكدوا وقتها سنلحق بركب الحضارة والتقدم.

■ هل تواكب الحركة النقدية زخم الإبداع على الساحة الثقافية في الوقت الحاضر؟
الحركة النقدية تواكب البعض ولا تواكب الكلّ. كتبت مقالة نشرت في جريدة «القاهرة» بعنوان «النقاد وتشارلز ديكنز» الذي عاداه ناقد كبير معاصر له، واتهمه بالتقليدية وفضل عليه روائية معاصرة لهما، واتضح بعد ذلك أنّ هذا الناقد كان يهاجم ديكنز ليعلي من شأن الروائية ـ عشيقته. كان صديقي الكاتب يقول إننا غلابة، لسنا منتمين إلى ناد كبير نلعب باسمه، وليس لدينا مصالح نقدمها للآخرين مقابل ما يقدمونه لنا. المشكلة الأكبر أنّ بعدنا عن القاهرة مركز الضوء، أبعدنا عن النقاد الكبار. والأبنودي قال مرة: أحياناً أشك في معرفتي بالشعر حين أرى شاعراً شديد الجودة يحاصر بهذه الكثافة من التجاهل. إن التجاهل مدرسة نقدية كاملة، تخفي سوء نية وتآمراً لا حدود لهما. إننا محاصرون بالتجاهل من كل جهة. من بعض النقاد - خاصة الكبار- ومن تجاهل زملائنا الكتاب الأكثر منا شهرة.

■ أشرت في إحدى مقابلاتك إلى أنّك تستعد لنشر رواية عن حي محرم بك بعد ثورة 1952، حدثنا أكثر عن الرواية؟ ولماذا تلجأ إلى التاريخ في كتاباتك؟
هناك منطقة سكنية تسمى «البرنسيسة» تقع بين شارعي محسن والإسكندراني المشهورين في حي محرم بك على المحمودية. هي منطقة شعبية، مقامة على قصر البرنسيسة، التي لعبت دوراً كبيراً في فترة حكم فؤاد وفاروق. الحالة هنا قريبة جداً من أحداث المسلسل التلفزيوني الرائع «ليالي الحلمية». منطقة راقية، زحفت المناطق الشعبية نحوها وزاحمتها، وأصبحت متاخمة لها. قبل أن يقيم إسماعيل صدقي باشا كورنيش الإسكندرية في الثلاثينيات، كانت منطقة محرم بك الأهم في الإسكندرية، وكان لكل سياسي أو ثري كبير، قصر على المحمودية. وتلاشت هذه القصور، بعضها تحول إلى مصالح حكومية ومدارس ومعاهد دراسية، أو مستشفى حكومي. ولم يتبق سوى قصر «البرنسيسة» التي عانت من زحف العامة نحو قصرها، في وقت لا تجد فيه من يحميها ويدافع عنها. كنت أرى النساء الشعبيات يفرشن مراتبهن وأغطيتهن بجوار جدار قصر «البرنسيسة»، لتزيل الشمس ما في فرشهن من حشرات. أحياناً، أكتب بسبب أشياء أثارتني، فقد شاهدت المسلسل التلفزيوني عن الملك فاروق، فوجدت فيه نية للإساءة لعبد الناصر. فاروق في المسلسل كان رومانسياً ومستقيماً، ولما كانت الحال هكذا، فلماذا قامت «ثورة يوليو 52» عليه. جملت الكاتبة صورة فاروق، إلى درجة أنّ سيدة عادية، أحست بالحب والعطف عليه، فعملت له عُمرة. والحقيقة غير هذا، فقد كان مقامراً، وله علاقات بالكثير من النساء، ومصاباً بداء السرقة. كان لا بد من إبداء رأيي في ما حدث.

■ هل تؤثر الجوائز أو قوائم «البيست سيلرز» في تعاطي الكاتب مع الساحة الثقافية؟ أي في مواصلة الكتابة والنشر؟
الجوائز الأدبية في مصر تثير الأسى والحزن، وربما السخرية. معظم أعضاء اللجنة التي تمنح الجوائز، ليست لهم صلة بالأدب، فرؤساء المصالح الحكومية الثقافية لهم أصوات في منح الجائزة، ورئيس نقابة الممثلين له صوت أيضاً، ومندوب وزارة المالية له صوت. يعني يمكن لشخص أن يحصل على أكبر جائزة أدبية في مصر وهو أبعد ما يكون عن الأدب. الكارثة إنك في مصر لا يكفي أن تكون كاتباً جيداً، لا، لا بد من أن تسّوَّق أعمالك، فقد يفوز بالجائزة كاتب ضعيف، لكنه ناجح في تسويق أعماله. فتجد من يحصلون على الجوائز من دون وجه حق، تتعامل الجهات الثقافية معهم بكل تقدير، متجاهلين الكتاب الجيدين الذين لا يعرفون طريقة الوصول إلى الجوائز. وأفضل طريقة للتعامل مع هذه المشكلة أن تنساها، وإلا عطلت المسيرة والتقدم. أعرف كتاباً يكتبون من أجل الجائزة، ويخططون للوصول إليها، وأنا لا أضيع وقتي في هذه المسائل. متعتي في الكتابة لا تساويها متعة، كما أنني أحصل على جائزتي فور انتهائي من كتابة الرواية.