عينا جون بيرجر (1926 ــ 2017) المتوقّدتان تتصدّران غلاف العدد الجديد من مجلّة «بدايات» (عدد 16). يظهر الرسم صورته الأيقونية في سلسلة «وجهات في النظر» التلفزيونية التي صارت كتاباً بالعنوان نفسه ترجمه فواز طرابلسي إلى العربية عام 1990. في تلك السلسلة، أعاد الناقد والروائي والشاعر البريطاني تعريف الرؤية والتشكيك بمراجعها الثابتة، مانحاً فعل الفرجة الفطري أبعاده السياسية والفلسفية والجمالية. بعد بضعة أشهر على رحيله عن تسعين عاماً، توجّه مجلة «بدايات» تحية إلى الناقد الماركسي الذي كتب على صفحاتها منذ تأسيسها. تحت عنوان «جون بيرجر العيون الخصبة»، يضمّ الملف الغني مجموعة من المقالات والآراء المترجمة لبيرجر، إلى جانب مقالة «عن «غيرنيكا» بيكاسو و28 طفلاً مغربياً» للباحث الأردني فايز الصيّاغ الذي نقل كتاب بيرجر «بيكاسو نجاح وإخفاقة» إلى لغة الضاد (2010). صفع بيرجر الأوساط الفنية بآراء لقيطة في تاريخ النقد المتوارث والحيادي الذي يعفي الفنون من سياقاتها السياسية والأخلاقية.

هكذا رأى فلسطين والمهاجرين في أوروبا وقضايا الشعوب المضطهدة والفلاحين، بالحساسية نفسها التي طاردت فيها عيناه الأعمال لوحات رامبرانت وفرانسيس بيكون ومنحوتات الفلسطينية رندا المدّاح، ورسومات والت ديزني وصور بول ستراند. تطاول المقالات المختارة في العدد، كل المجالات التي اقتحمتها كتابات بيرجر وتجربته الموسوعية: في «استخدامات التصوير الفوتوغرافي»، يعلّق بيرجر على نص للناقدة الأميركية سوزان سونتاغ بما يشبه الحوار. من خلال لوحات بروغل وهييرونيموس بوش، يلج إلى داخل المعتقلات النازية في مقالته «ضد هزيمة العالم الكبرى». مواقفه الماركسية حاضرة في مقال «طبيعة التظاهرات الجماهيرية» الذي كتبه بالتزامن مع التظاهرات والإضرابات الطلابية والشعبية التي احتلت شوارع أوروبا وأميركا الستينيات. وفي «عدالة الشعب الفلسطيني تصرخ في وجه العالم»، كتب شهادته التي تدعو إلى عدالة الشعب الفلسطيني، منهياً إياها بعبارة «تعيش منظمة التحرير الفلسطينية». أما «الإعلان التجاري واللوحة الفنية»، فيحمل مقاربة بيرجر للوحات الزيتية الأوروبية وإعلانات الماركات العالمية التي تغطي جدران العالم الرأسمالي اليوم. هناك مقال «فان غوغ وإنتاج العالم» و«علبة سيزان السوداء» و«الكتابة والترجمة واللغة» وغيرها من النصوص والرسائل ضمن ملف المجلة الفصلية الثقافية التي يرأس تحريرها الكاتب فواز طرابلسي.