صفحات الإبداع من تنسيق: أحلام الطاهر
* خورخي لويس بورخيس
ترجمة: جولان حاجي

أعواماً طويلة رافقني «كتاب الكائنات الخيالية» (طبعة بنغوين ـ 1974). استمتعتُ دائماً بقراءته وإعادة قراءة بعض صفحاته التي لا معنى لمنطق ترتيبها إلا لدى مؤلّفي القواميس. لم أرغب في الانتهاء من ترجمته حتى الآن. المؤلفان خورخي لويس بورخيس ومرغريتا غيريرو اعتمدا تصنيفاً أبجدياً لفقراته، ولعلّ هذا ما دفع عباس بيضون إلى وضع عنوان «معجم المخلوقات الوهمية» حين نشرتُ مقتطفات واسعة من ترجمة هذا العمل في ملحق «السفير الثقافي» قبل خمسة عشر عاماً. لاحقاً، فاجأني «كتاب المخلوقات الوهمية» الذي ترجمه وأعدّه بسام حجار. محظوظة هي الكتب التي وقعت بين يدي هذا المترجم القدير لينقلها من الفرنسية إلى العربية، باستثناء هذا الكتاب. لا أعرف الترجمة الفرنسية التي نُقِل عنها. لم أستوعب إضافته الكثيرَ من الحواشي التي تستعيد أمثلة عن كائنات مشابهة أوردها القزويني في «عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات». ولم أفهم السبب وراء تذييلهِ الكتابَ بنصٍّ طويل لألبرتو مانغويل. بصفته قارئاً متبحّراً، أنجز بسام حجّار كتاباً آخر أمْلته ذائقته أولاً، إنه كتابه الشخصي الذي تصرّف فيه، طليقَ اليد كأنه قرينُ المؤلف، إذا جاز القول، فحرف الجرّ في العنوان «مِن كتاب المخلوقات الوهمية» يشير ضمناً إلى انتخابه ما أراد من هذا المؤلَّف الصغير الفريد. وإذا استطلعنا الفهرس اكتشفنا أنه قد ترجم ستّين نصاً فقط، ولربما تفسّر الترجمةُ الفرنسية المعتمَدة خلوَّ تلك المنتخبات من مقاطع وعبارات موجودة في النسخة «النهائية» الإنكليزية التي أعاد بورخيس كتابتها وتنقيحها مع نورمان توماس دي جيوفاني، واحتوت مئة وعشرين نصاً، بعدما أضاف إليها أربعة نصوص جديدة كتبها بالإنكليزية، لتغدو هذه «الترجمة» الأخيرة بمثابة الأصل الذي نُقِل في ما بعد إلى الإسبانية.


* حيوانات الولايات المتحدة
تتضمّن الأقاصيص والحكايات الطويلة عن معسكرات الحطّابين في ويسكونسن ومينيسوتا بعض المخلوقات الفريدة التي لم يؤمِنْ بها أحد قط بالتأكيد.
ثمة المختبئ في الخلف، وهو يتوارى دائماً خلف شيء ما. مهما وكيفما التفتَ المرء وبأي طريقة، فهذا المخلوق دائماً وراءه، ولذلك لم يتمكّنْ أحد من وصفه، وإن نُسِبَ إليه قتلُ العديدِ من الحطّابين والتهامُهم.
ثم هناك الروبرايت. لهذا الحيوان حجمُ مُهر، ومنقارٌ كالحبل يستخدمه للإيقاعِ بأسرعِ الأرانب في شِراكه.
إبريق الشاي، ويعود اسمها إلى الضجيج الذي تُصدِره، الشبيه إلى حدٍّ بعيد بضجة إبريق شاي يغلي. تمشي القهقرى، وغيوم بخار تتصاعد من فمها. شُوهدت مرات قليلة جداً.
سلوقيُّ مقابضِ الفؤوس له رأسٌ على شكل بلطة وجسدٌ على شكل مقبض وأرجلٌ قصيرة ثخينة. دشهندُ الغابات الشمالية هذا يأكلُ فقط مقابضَ الفؤوس.
نجد بين أسماك هذه المنطقة تروتة المرتفعات، وهي تعشّشُ على الأشجار وتطيرُ جيداً، لكنها تخاف الماء.
ثمة سمكة أخرى هي الغوفانغ، وتسبحُ نحو الوراء لئلا يدخلَ الماء عينيها. تُوصَف بأن «حجمها يضاهي سمكة الشمس، لا بل أكبر بكثير».
علينا ألا ننسى طائرَ الغوفاس الذي يبني عشَّهُ بالمقلوب، ويطير نحو الخلف، غير مكترثٍ إلى أين يمضي، وإنما أين كان فحسب.
كان الجيلي غالو يعشّش على سفوح هرَم بول بونيان، هرم الأربعين الشهير، ويضع بيوضاً مكعّبة كيلا تتدحرجَ إلى أسفل السفح شديد الانحدار وتنكسر. كان الحطّابون يطمعون في هذه البيوض التي يغلونها حتى تقسى ثم يستخدمونها كالنرد.
وختاماً هناك طيهوج البرج، وله جناحٌ وحيد يمكّنه من الطيران في اتجاهٍ واحد فقط، مطوّقاً قمةَ تلةٍ مخروطيةِ الشكل. كان لون ريشه يتباين تبعاً للفصل وطبقاً لوضع المراقب.

* حيوانات تشيلي
مرجعنا الأساسي عن الحيوانات التي تحفل بها المخيلةُ التشيلية هو خوليو بيكونا ثيفوينتِس، فكتابه «أساطير وخرافات» يضمُّ عدداً من الأساطير التي جمعها من التراث الشفوي. كافة الخلاصات التالية مأخوذة من هذا العمل إلا واحدة، هي خلاصة الكالتشونا التي دُوِّنتْ في معجم المفردات المحلية التشيلية لثوروبابِل رورديغِث، المطبوع في سانتياغو تشيلي سنة 1875.
الأليكانتو طائرٌ ليليّ يفتش عن طعامه في عروقِ الذهب والفضة. يتميّز الأليكانتو الذي يتغذّى على الذهب بضوءٍ ذهبي يشعُّ من جناحيه حين راكضاً يفردهما (لأنه عاجزٌ عن الطيران)؛ أما الأليكانتو الذي يتغذّى على الفضة فيميّزه، كما هو متوقَّع، ضوءٌ فضي.
لا تعود حقيقة عجز الطائر عن الطيران إلى جناحيه، فهُما طبيعيان تماماً، بل إلى الوجباتِ المعدنية الثقيلة التي تنوء بها حوصلته. ركضه سريع حين يكون جائعاً؛ أما في التخمة فلا يكاد يقوى على الزحف.
يعتقد المنقِّبون عن المعادن أو مهندسو المناجم إن ثراءهم سيتحقق إذا واتاهم الحظّ ليظفروا بأليكانتو دليلاً لهم، لأن الطائر قد يرشدهم إلى اكتشافِ الفلزات الخبيئة. على أي حال، ينبغي أن يلزم المنقِّب منتهى الحيطة، فإذا شكَّ الطائر بأنه ملاحَق، أخمدَ ضوءَهُ وأفلتَ هارباً في الظلام. وقد يغيّر مساره أيضاً بشكل مفاجئ، مُوقِعاً بقيّافِه في هوّة.
الكالتشونا نوعٌ من كلاب نيوفاوندلاند، فروته أكثفُ من صوفِ كبشٍ لم يُجَزّ، ولحيته أغزرُ من لحيةِ تيس. أبيض اللون، يختار الليالي الدامسة ليظهر في وجه المسافرين بين الجبال، فيختطف منهم سلالَ طعامهم مدمدماً بتهديداتٍ غاضبة؛ كما يخيفُ الأحصنة، ويطاردُ الخارجين على القانون، ويرتكبُ كلَّ صنوفِ الشرّ.
التشونتشون. شكله يشبه رأسَ إنسان؛ أذناه المفرطتان في الضخامة تقومان مقام جناحين يطير بهما في الليالي الدامسة. يُعتقد أن التشونتشونات تتمتّع بكلِّ مقدرات السَّحَرة. إنها خطرةٌ عند التحرُّش بها، وتُروى عنها قصصٌ كثيرة.
ثمة طرقٌ عديدة للإيقاع بهذه المخلوقات الطائرة عندما تعبر فوق الرؤوس، وهي تشدو بتغريدها المشؤوم «تويه، تويه، تويه»، وتلك هي الإشارةُ الوحيدة التي تشي بحضورها، لأنها تخفى على أنظار الجميع إلا مَن كان ساحراً. يُنصحُ من باب الحكمة بما يلي: تلاوةُ أو غناء صلاةٍ لا تعرفها سوى قلّة ترفضُ بعنادٍ الإفشاءَ بها؛ الترنُّمُ مرتين باثنتي عشرة كلمة معينة؛ رسمُ خاتمِ النبي سليمان على الأرض؛ وأخيراً نشرُ رداءٍ ووضعهُ في الخارج وفق طريقة محددة. ثم يسقط التشونتشون مرفرفاً بجناحيه حانقاً، عاجزاً عن رفع نفسه ثانية، مهما حاول جاهداً، ريثما يأتي تشونتشون آخر لنجدته. عادة، لا تنتهي الحادثة هنا، إذ عاجلاً أو آجلاً ينتقم التشونتشون مِن كلّ الذين هزأوا به.
روى شهودٌ ثقاة القصة التالية: في منزل في ليماتشه حيث اجتمع الزوار ذات ليلةٍ، سُمِعت فجأة صرخات مضطربة لتشونتشون في الخارج. رسمَ أحدهم علامةَ خاتم سليمان، فتهاوى شيءٌ ثقيل في الفناء الخلفي؛ كان طائراً كبيراً بحجمِ ديكٍ رومي وله رأس لغاديدهُ حُمْر. قطعوا الرأس وقدّموه إلى كلب، ثم رموا الجسد فوق السطح. فسمعوا على الفور جلبةً تصمُّ الآذان أطلقتها التشونتشونات، وفي اللحظة نفسها لاحظوا انتفاخَ بطنِ الكلب، كأن الحيوان قد ازدردَ رأسَ إنسان. في الصباح التالي، فتّشوا بلا طائل عن جسد التشونتشون؛ كان قد اختفى من على السطح. لاحقاً، نقلَ حفّارُ قبورِ المدينة إن بضعةَ أشخاصٍ مجهولين قد جاؤوا في ذلك اليومِ ذاته ليدفنوا جسداً، ثم اكتشف الحفّار بعد انصرافهم أن الجثّة كانت بلا رأس.
الجلد المسلوخ أخطبوط يعيش في البحر، له أبعادُ ومظهرُ جلدِ بقرةٍ مبسوط. حوافّه مزوّدة ٌبعيونٍ لا تُحصى، وفي ذلك الجزء الذي يبدو أنه رأسه ثمة أربعُ عيون أخرى أكبر حجماً. كلما دخل الناس أو الحيوانات إلى المياه، ارتفع الجلد المسلوخ إلى السطح ليطوِّقهم بقوةٍ لا تُقاوَم ويلتهمهم في غضونِ لحظات.
الأوالِبين حيوانٌ برمائيّ شرس، قويٌّ وخجول؛ طولهُ أقلُّ من ثلاثة أقدام، وله رأسُ عجل وجسمُ خروف. ينزو الأغنام والأبقار أنّى رآها، باذراً فيها ذريةً من ذات نوعِ الأم، ولكن تمييزها ممكنٌ عبر أظلافها الملتوية وأحياناً خطومها المعقوفة. المرأةُ الحُبلى التي ترى أوالِبين، أو تسمعُ خُوارَه، أو تحلمُ به ثلاثَ ليالٍ متواليات، تنجبُ طفلاً مشوَّهاً. ويحدث الأمر نفسه إذا رأتْ حيواناً من نسلِ الأوالِبين.
العلجومُ القويّ حيوانٌ خيالي يختلفُ عن الضفادع الأخرى بأن ظَهرهُ مُغطَّى بصدفةٍ كصدفةِ السلحفاة. يتوهّجُ هذا الضفدع في الظلام كالحباحب، وبسبب صلادته فإن وسيلةَ قتلهِ الوحيدة هي إحراقهُ حتى يصير رماداً. يعودُ اسمه إلى قوة تحديقته العظيمة التي يستخدمها ليجذبَ أو يطردَ كلَّ ما يقعُ في مداها.


* حيوانات الصين
قائمةُ الحيوانات الغريبة التالية مأخوذةٌ من كتاب تاي بي إنغ كوانغ تشي (سجلات شاملة تمّت في عهد السِّلم والرخاء)، المنجَز عام 978، والمطبوع عام 981:
الحصانُ السماوي يشبه كلباً أبيض ذا رأسٍ أسود. له جناحان من لحم ويستطيع الطيران.
التشيانغ-ليانغ له رأسُ نمر، ووجهُ إنسان، وأطرافٌ طويلة، وأربعةُ حوافر، وأفعى بين أسنانه.
الوحش المعروف باسم تشاو-تي يقطنُ المنطقة التي تقع غرب المياه الحمراء، وله رأسٌ من الأمام وآخرُ من الخلف.
سكّان تشوان-تاو لهم رأسُ إنسان، وجناحا خفّاش ومنقارُ طائر. يقتصرُ طعامهم على السمكِ النيء.
في بلاد الأذرع الطويلة تتدلّى أيادي الأهالي لتلامِسَ الأرض. يعيشون من اصطيادِ السمك عند ساحلِ البحر.
الهسياو شبيهة بالبومة، ولكنْ لها وجهُ إنسان، وجسدُ قرد وذيلُ كلب. يُنذِر حضورها بقحطٍ طويل.
الهسينغ-هسينغ تشبه القِردة. لهم وجوهٌ بِيض وآذانٌ مستدقّة. يمشون منتصبي القامات، كالبشر، ويتسلّقون الأشجار.
الهسينغ-تِيِن كائنٌ قُطِع رأسه لأنه حاربَ الآلهة، فبقي بلا رأسٍ إلى الأبد. سُرّته هي فمه وعيونهُ في صدره. قافزاً يجوبُ القفارَ والأمكنةَ المكشوفة الأخرى، وينطنط شاهراً فأساً وترساً.
سمكةُ الهُوَا، أو السمكةُ الأفعى الطائرة، هي سمكةٌ بجناحي طائر، على ما يبدو. يُنذِر ظهورها بفترةٍ من الجفاف.
هُوِيْ الجبل أشبه بكلبٍ له رأسُ إنسان. إنه رشيقُ القفزات ويتحرّكُ بسرعةِ السهم؛ ولهذا سادَ اعتقادٌ بأن ظهوره ينبئ بقُدومِ الأعاصير. عندما تقعُ عينا الهُوي على إنسان يضحكُ ساخراً منه.
الأفعى الموسيقية لها رأسُ أفعى وأربعةُ أجنحة. تصدرُ أصواتاً تشبه أصواتَ الحجَرِ الموسيقي.
رجالُ المحيط لهم رأسُ إنسان وذراعاه، وجسدُ سمكة وذيلُها. يطفون على صفحةِ المياه في الطقسِ العاصف.
البينغ-فِنغ يعيش في بلاد المياه السحرية، ويشبه خنزيراً أسود له رأسٌ في كلٍّ من طرفيه.
للناس ذراعٌ واحدة وثلاثُ عيون في إقليم الذراع الغريب. إنهم مهَرةٌ بارعون ويصنعون عرباتٍ طائرةً يسافرون على متنها في الريح.
التاي-تشيانغ طائرٌ خارقٌ للطبيعة يقيم في جبال السماء. لونه أحمر برّاق، وله ستُّ قوائم وأربعةُ أجنحة، لكن ليس له وجهٌ ولا عيون.