اختارها وترجمها من البولندية: هاتف جنابي
ولد الشاعر ستانيسواف دْوُوسْكِي في الثامن من تشرين الأول (أكتوبر) عام 1962 في مدينة ياسلو جنوب شرق بولندا. شاعر، ناقد أدبي، محاضر أقدم في معهد الأدب البولندي في القرن العشرين. إنه أحد مؤسسي ورئيس تحرير سابق لمجلة «فرازا» ومجلة «محيط الشعراء الجديد». نشر في مجلة «أكسنتْ»، و«الحقبة الأدبية»، ومجلة «كْرَسِي»، و«الثقافة»، ومجلة «أودرا» و«بريفري» (في أميركا)، ومجلة «الإبداع»، و«الدفاتر الأدبية». صدرت له ثمانية دواوين شعرية، نذكر من بينها: «البيتُ والعالم»، «ربطة خضراء وحيدة»، «مراثي ابن الأرض» و«مشنوقٌ فرحاً»... وله بحث أكاديمي بعنوان «الوجود والميتافيزيقيا. حول شعر أنّا كامينسكا» (2002). نال عدة جوائز شعرية. ترجمت أشعاره إلى الإنكليزية والفرنسية والتشيكية، والأوكرانية، والصربية، والإيطالية. وهو عضو في جمعية الكتاب البولنديين، وجمعية الصحافيين البولنديين. ستانيسوا دووسكي من الشعراء البولنديين المعروفين، يعيش في مدينة جيشوف الواقعة في جنوب شرق بولندا.
هنا ترجمة لعشر قصائد له:


*حان وقت رحيلك أيها المغفّل (Pora tobie do piachu, dziadu)

ما زال في داخلك شراهةٌ حية
للحياة تلتهم بنظرك جمالَ
الغبشِ ورقبة الفتاة البضة
تتلذذ باليوم كما لو كان أولَ
يوم عند بدء الخليقة، تشعر برائحة
كل زهرةٍ في حديقة الشتاء
وأنت تسقط تُبَجّلُ الترابَ وتغني
ابتهالا للقبراتِ العائدات
من رحلاتٍ بعيدة.

*التقيؤ في ميدان جيشوف (Puszczanie pawia na rzeszowskim rynku)

أجلس في الميدان تحث مظلة
وأراقبُ متشرّدَيْنِ،
يحمل أحدُهما طاووساً على رأسه
يَتقيّأ بين الفينة والأخرى،
والأصغرُ يستمني بيدٍ مكسورة،
بئرٌ سحيقةٌ بفَوَاقٍ تستوقفهما،
بجعاتُ المساء السوداءُ تُرَفرفُ
نساءٌ ساخناتٌ وعماراتٌ،
أسمعُ لغطَ نحلاتٍ يسيلُ لعابُها
فوق نبات الجنجل،
حلماتُ الأثداءِ البيضاء
تخترقُ نسيجَ السماء الرقيق، أينَ
أنتَ يا كتابَ شبابي الغبيِّ المقدّسَ،
أضعتُ الحبَّ في حجرة الانتظار،
ولم يبقَ سوى صمت الكاهن في الصحراء،
وشفتي الرّملِ الذي يتناثر
إذْ سُرقِتْ منه القبلات.

*خاسِرٌ وثريّ (Przegrany i bogaty)

جسدي المنهك
سيبقى يُحبكِ
صباحَ مساء
لن تنامي هنيئةَ البال

ستأتيك الزهور صباحا
وأنا سأكون خاسرا وثريا
سيخنقني الليلُ
لن أستسلم لأن القلبَ لم يَمُتْ بعدُ
لا تبكي ستشرقُ الشمسُ
سيغربُ في داخلي الموتُ
مازلتُ أشربُ أعيشُ أصطاد الفراشاتِ
وسأصطادُ الحوتَ والغوريلاتِ العجيبة.

*أوضح (Jaśniej)

بحثتُ
شقيتُ
تطفّلتُ
أخطأتُ
في البحثِ
عن وحدة الأجساد
جميلةٌ بمذاق
شفاهٍ طفولية
الكحولُ صَلَى
شفتيّ وأحشائي
حتى صَمَتّ
إزاءَ هذه الأغنية
الوحيدة- زهرة الغرنوقي
المتبرعمة في غرفة
عامرةٍ بالكتب
مع سنام الحياةِ
أرى بوضوحٍ أكثر.


*الشعراءُ مترجمون إلى كل لغات العالم (Poeci tłumaczeni na wszystkie języki świata)

مُعْتدُّون بأنفسهم شعراءُ ما بعدَ الحداثة
مُتَرْجَمُون إلى كلّ لغات العالم
حتى أنهم لم يلحظوا الملاك بعد الكارثة
وهو يشحد في كامبو دي فيوري في المدينة الخالدة

الكاثوليك مُعتَدُّونَ بأنفسهم يقتلون
إخوانَهم والأطفالَ لا يدّخرون
خوارجُ يُلهبون موقدَ الحقد
يرقصُ العلماءُ الشعراءُ الأرستقراطيون
عند قبر روميو وجوليت

لا ملاذ لأنتيغونا
الموهيكان الأخيرُ يرقصُ في طرق المنفى
يتسوّلُ ملعقةً من حساءٍ دافئ
سعداءُ هم الشعراء يكتبون عن الجمال
ينتظرون حتى ينْشَقَّ قلبُ الملاك

القافيةُ هي فقط دفاعٌ قبل السقوط
يرمون إليها الكلماتِ والأمل
فربما سيبتسمُ شيطانُ الفراغ مرة أخرى
ويغمرُ بحرُ البلطيقِ الفقراء.
(*) كامبو دي فيوري- ساحة مهمة وتاريخية في وسط روما وتعني حقول الزهور.


*نشيدُ التشرد (Oda do bezdomności)

لا بيتَ لا مأوى
لا تَخْضَعوا لأيِّ تجسيم*
القوا بغنائياتِ المعنى إلى الصومعة،
خذوا الكلمة نحو الهاوية
مثل أوراقٍ تُشْرقُ وتغيب
في وقت يُحدّده إيقاعُ العدم
حينئذٍ تشعرون بطعم البُعد،
التراجعِ باتجاه حقول الأحلام الصامتة
حيث وفرةُ المسكنِ
للصرصور وحشرة سراج الليل
إذنْ أضيئي للتشرد والمجاعات
أيتها المرأة ذاتُ الأسماء الغريبة
فكلمة «أحبكَ» لا تُجْدِي
لأن الأساطيرَ تكون نافعةً على الشرشف الرطب
وطعمُ الموتِ يبلغُ شأوَهُ
فَلِذَا حين تُداعبين الجسدَ المعرّضَ للتلاشي
ستتلاشين في كل أنواع الغياب.

(*) التجسيم أو التشبيهية- إصباغ الخصائص والصفات البشرية على الكائنات الأخرى.


*وداع طويل (Długie pożegnanie)

الدورقُ يصفّرُ، قهوة الصباح،
لا يمكن ترويضها، الأيامُ
غادرةٌ، الليالي مُسهدة،
هي تقول: «ليست لي رغبةٌ
ومزاج للردِّ على الرسائل». وهو
يُحرق جسده في الفراش،
يُوصِدُ الأبواب كلها،
تصمتُ الآلهةُ خلف حائط
المبكى، لا يقول أيَّ
شيء، لا زال يتذكر
رائحتها، عطرَ فمها، لكنّ ذلك
كان قديماً، أما اليوم فثمة أنينُ
الأوراق، رعشةُ اليدين، وحبوبٌ
من أجل البقاء.

*هجرتُ الناسَ (ODSZEDŁEM od ludzi)

أنطرحُ في مضيقٍ
تَعدّني الجدرانُ
إلى مقاطع، يتداعى الجسدُ
تحتَ وَطْأةِ الضوء. أينَ
أنتِ يا أمّي، يا أبي، لأجلِ أيةِ
ريحٍ تلمسانِ يديّ،
لأجل أية شمسٍ تسألانِ عن
المصير؟ أنا لم أعدْ كائناً
إنها مجردُ أقْحُوانَةٍ
تتحدثُ عن الصمتِ،
عن الضوء الساحر.

*مزمور الشريد (Psalm bezdomnego)

ولا شيء، لا شيء
يمكن إنقاذه، لا ورقة
تشكوها، الأناشيدُ الورعة
تصيرُ عَظْمَةً
في البلعوم، وأنتِ
هل أجدك هناك في الجهة
الأخرى من الليل حيث
تفوح يدُكِ
بكلمة الشمس وزنبقِ الوادي
لربيع هادئ، هل هناك
في الجهة الأخرى، سنكون
محظوظين؟ الأيام بدونك
فارغةٌ، أريدُ أن أستيقظ
جَنْبَكِ، هناك في نهاية
الضوءِ، هناك أنتِ
وأنا الشريدُ أوقدُ
شمعة جَسَدَيْنا،
عانقيني.


* أحْرِقُ جيشوف (Palę Rzeszów)

أوْقِيَةٌ قذرةٌ في ساحات التدريب.
أفخاذٌ باردةٌ في الجيلي.
فودكا مثلجةٌ وخردلٌ روسي.
عفونةٌ ونتانةٌ في الصالات.
أسماكُ الأنقليسِ تأكلنا في نهر الفيسووك.
رسائلُ عفنةٌ في المقابر.
محنةُ الفلاح في الحانة.
هذا ليس شعراً إنه سوط
لنقاد الأدب.
الشعرُ السيئ يدعو لعدم قراءته.
إذا لم تريدوا أن تلحسوا الكلمة،
تكلموا بالإشارات، بالعيون، بالرقص
عند بركان الضواحي.
الصلبانُ في كل مكان. المدنُ
مصلوبةٌ، وحدائق الطفولة.
الشتائمُ كالصلواتِ
حتى العظمِ والرمقِ الأخير.
وهذا الحجيج إلى البيوت القديمة،
هناك ثمة نارٌ لا تزال على المذبح،
أرواحُ الأسلاف، اليهودِ،
القرائين، الأرمنِ، اللمكيين،*
والبويكيين، ثمة إعادةُ بناءِ النفس
بالتسلّقِ اليومي
لقمّةِ تسارينسكي، أنْ أنصبَ خيمة،
أدعو المارقين،
وجميعَ الأعشاب وأسْكلبيوسَ**
سأحرق جيشوف، أو أنّ جيشوف***
ستُحرقني بالنار؟

(*)القرائين، واللمكيون، والبويكيون هي أقليات ضيئلة العدد تقطن الأراضي البولندية والأوكرانية والليتوانية.
(**) أسْكلبيوس- هو إله الطب والشفاء في الميثولوجيا الإغريقية ورمزه ثعبان مقدس.
(***) جيشوف- مدينة تقع جنوب شرق بولندا حيث يعيش الشاعر.
-----------------------------------------