روبين داريّو*ترجمة عن الإسبانية: أحمد يماني

*منظر طبيعي

بعد فترة وجيزة توقف. كانت الشمس قد مزقت الحجاب الكثيف للغيوم واستحمت في صفاء الفجر الشبيه باللؤلؤ في منعطف الطريق. هناك بعض أشجار الصفصاف تُحني ذؤاباتها حتى تلامس العشب.
في الخلفية تلمح وهادا شاهقة وفيها أرض سوداء وأرض حمراء، وأحجار ضخمة تلمع كالزجاج.
تحت أشجار الصفصاف منهكون يقومون بتشذيبها نافضين رؤوسها الفلسفية. آه، أيها المعلم العظيم هوجو! بعض الحمير وبالقرب منها ثور ضخم بعينيه الكبيرتين الحزينتين والغارقتين في الأفكار حيث تدور نظرات وحنوّ نشوة جليلة ومجهولة. كان يمضغ العشب ببطء وببعض الكسل. فوق الجميع كان يطفو رذاذ دافئ، والرائحة اللطيفة الريفية للأعشاب المدهوسة. كان يرى نفسه في العمق قطعة زرقاء، فلاحاً راسخاً من وسط تشيلي، واحداً من أولئك الريفيين الأقوياء، هراقلة خشنين أوقفوا ثوراً ظهر بغتة في أعلى نقطة من الوهاد.
كانت السماء الواسعة وراءه. رجلاه، مفتولتا العضلات، عاريتان. في إحدى ذراعيه كان يحمل حبلا غليظاً وملفوفا. فوق رأسه، كقبعة من ثعالب الماء، كان شعره معقودا ومتلبداً وهمجياً. وصل إلى الثور في الحال وألقى بالأنشوطة على قرنيه. على مقربة منه كلبٌ بلسانه خارج فمه، يلهث ويحرك ذيله ويتقافز.
حسنا! قال ريكاردو. ومضى.

*طبيعة صامتة

بالأمس رأيت عبر إحدى النوافذ أصيصاً مليئاً بزنابق الليلك وبورود ذابلة، فوق حامل ثلاثي. في الخلفية ثمة ستائر صفراء وفخيمة تذكر بعباءات الأمراء الشرقيين. تظهر الزنابق المقطوفة لتوّها بلونها اللطيف، جنبا إلى جنب مع بتلات ورود الشاي الاسفنجية.
بجانب الإصيص، في كأس من اللكّ مرصعة في ترتيب بأبي منجل ذهبي، تبعث على التهام تفاحات طازجة، شبه حمراء، بأعشاب الفاكهة الجديدة واللحم المنتفخ اللذيذ الذي يثير الرغبة؛ كمثرى ذهبية وشهية والتي تعطي دلائل إلى أنها مليئة بالعصارة، وكما لو كانت تنتظر سكين الفضة لتشق اللباب العسلي؛ وحفنة من العنب الأسود، لديها حتى الغبار الرمادي الخفيف لعنقود الكروم الذي قطع لتوه.
أدنو وأرى كل شيء من قريب. الزنابق والورود كانت من الشمع، التفاح والكمثرى من الرخام المطلي والعنب من الزجاج.
طبيعة صامتة!

* الرأس

في الليل، لا تزال تطن في أذنيه موسيقى الأوديون وبرلمانات أستول؛ عائدا من الشوارع حيث كان يسمع ضجيج السيارات والإنشاد الحزين لبائعي التورتيلا، كان ذلك الحالم في مكتبه، حيث الأوراق ناصعة البياض بانتظار المقاطع الشعرية والسونيتات المعتادة والنساء ذوات العيون المتقدة. أف!
يا للمقاطع! يا للسونيتات! رأس الشاعر الغنائي كانت حفلا جماعيا من الألوان والأصوات.
كانت ترن في تجاويف ذلك الدماغ مطارق سيكلوبات، أناشيد طبول رنانة، موسيقى بربرية، ضحكات بلّورية، زقزقة عصافير، رفرفة أجنحة، قرقعة قبلات، بإيقاعات مجنونة وصاخبة. والألوان المجتمعة كانت مثل بتلات زهور مختلفة ومختلطة على صينية أو كمزيج شيطاني من الأحبار التي تملأ لوحة ألوان أحد الرسامين... إضافة إلى ذلك...

*المثال

وبعد ذلك، برجٌ عاجي، وزهرة صوفية ونجمة تُعشق... عبرت، رأيتها
كمن يرى فجراً، هاربة، سريعة، قاسية. كانت تمثالاً قديما لأنثى بروح تتبدى في عينيه،
بعينين ملائكيتين،
كلها حنان، كلها زرقة، كلها لغز. شعرت أنني أقبّلها بنظراتي وعاقبتني بعظمة جمالها ونظرت إلي كملكة، كحمامة. لكنها مرت خلابة، منتصرة، مثل رؤية خاطفة.
وأنا، رسّام الطبيعة والأرواح المسكين، صانع الإيقاعات وقصور الهواء، رأيت رداء الجنّيّة البرّاق، والنجمة في تاجها، وفكرت في الوعود الطموحة للغرام الجميل. أكثر من ذلك الشعاع الجليل والحتمي، وحده بقي في أعماق رأسي وجه امرأة، حلم أزرق...


شاعر وكاتب من نيكاراغوا (1867- 1916*)