يستعيد اغتيال أنطون سعادة ومحاكمته كما عايشها
يأتي القسم الثاني ليروي تاريخ الحزب وسيرورته منذ الأيام الأولى لإنشاء فكر سعادة وصولاً إلى بدايات الألفية الجديدة (تحديداً 2011). يتسم هذا القسم بأنه أقرب إلى السردية التدخلية، أي أنه يسرد التاريخ والأحداث، مضمناً رأيه في كل ما يقوله. ما يمكن الإشارة إليه أنه يروي الحكاية/ التاريخ كما لو أنّه يحكيه لأشخاصٍ يتحلقون حوله ويستمعون إليه. وبالعودة إلى التفاصيل التاريخية لحزب من أقدم وأعرق الأحزاب العربية (هو في عقده الثامن)، يحكي الكاتب البدايات، منذ إنشاء الحزب مروراً بالاعتقال الأوّل للمؤسس (1935) وخروجه ثم ملاحقته بمذكرة توقيف (1947). طبعاً خلال هذه السنوات، سيبدأ نجم الحزب بالتوهّج حتى إنه سيحوز نائبين في البرلمان السوري ونائبين في البرلمان اللبناني. عانى الحزب من علاقاتٍ سيئة مع السلطات الحاكمة ومن ملاحقات «الزعيم» وصولاً إلى اغتياله لاحقاً في عام 1949؛ إلى المداهمات والاعتقالات الكثيرة لأعضائه وقياداته قبل اغتيال سعادة وبعده، وصولاً إلى الاتهام الأول الكبير الذي وجه للحزب وهو الضلوع في اغتيال العقيد عدنان المالكي (1919 ـــ1955)، مما أدى إلى تدمير كبير طال بنية الحزب وإغلاق واسع لمدارسه ومؤسساته (فضلاً عن مراكزه بالتأكيد). يشير موصلي إلى أنَّ بعض قادة الحزب قضوا أكثر من 12 عاماً في السجن بعد تلك الحادثة. لاحقاً، يستمر الحزب ويشارك في معارك الحرب اللبنانية «ضد الفئات الانعزالية والقوات الإسرائيلية» كما يوضح الكتاب، مستذكراً بالتأكيد عملية «الويمبي» الشهيرة التي قام بها الشهيد خالد علوان حين أطلق النار وأردى عدداً من جنود الاحتلال الصهيوني. كانت تلك الحادثة واحدةً من الأسباب الرئيسية التي جعلت الجيش العبري يرحل عن العاصمة اللبنانية. يكمل الكتاب بعدها غوصه في تاريخ الحزب، مشيراً إلى مشاركات «القوميين» في البرلمان اللبناني لاحقاً مع بداية التسعينيات والألفية الجديدة بوزيرٍ في الحكومة السورية وثلاثة نواب في مجلس الشعب السوري، وستة نواب في مجلس النواب اللبناني. ولا ينسى الكاتب طبعاً مشاركة الحزب في «حرب المقاومة بقيادة حزب الله» (كما يسميها) ضد الجيش الصهيوني في عام 2006.
في الفصل الأخير، يورد تفاصيل عن أحداث لطالما حكي عنها الكثير، أبرزها بالتأكيد اغتيال أنطون سعادة ومحاكمته كما رآها هو وعايشها. يروي الأمر بدقةٍ بالغة وبتفاصيله؛ كاشفاً مثلاً أنّ من تسلّم سعادة من السلطات اللبنانية (بعدما سلّم من سوريا) هو الرئيس اللبناني الأسبق فؤاد شهاب بنفسه (لم يكن رئيساً بعد) وكان يشار إليه بلقب «الضابط الكبير» (مرفقاً الأمر بتأكيد أنّ شهاب كان الضابط الثاني الأعلى رتبة في لبنان. أما الأوّل، فهو نور الدين الرفاعي الذي كان متواجداً في بيروت). لذلك من الطبيعي أن يكون فؤاد شهاب هو المقصود (فضلاً عن أنّ لقب الضابط الكبير كان مستعملاً لشهاب). أما محاكمته، فيشير إليها حين ينقل على لسان سعادة: «لقد أهين الحزب أيها السادة، لذا أعلن الثورة ليرد على الإهانة»؛ مكملاً لاحقاً: «وعندما يهان الحزب، ليس أمامه إلا رد الإهانة بالثورة. وفي الثورة، تقع ضحايا من الفريقين في جميع الأحيان». هنا تبدو الأحداث كما لو أنّها تمر أمام القارئ، كأنه يشاهدها ولا يقرأها فقط، وهي كما أشرنا ميزةٌ تحسب للكتاب. قصة أخرى ترتبط بالحزب ارتباطاً شديدة هي عملية «اغتيال» رئيس الوزراء اللبناني الراحل رياض الصلح (1894 -1951) التي يتناولها الكاتب بتفاصيلها الدقيقة وبالأسماء والشخوص التي رافقت القصّة منذ بدايتها وحتى نهايتها.
في المحصّلة، هو كتابٌ تأريخي أقرب إلى الموسوعة حيث تعمّد الكاتب أن يضم فيه كل ما يعرفه وعرفه في الحزب وعنه، في محاولة منه لترك «رسالة» للأجيال الحالية أو اللاحقة في الحزب.