الكاتبة والأكاديمية أناهيد الحردان، المتخصصة في السوسيولوجيا، والمحاضرة في الجامعة "الأميركية في بيروت"، أخذت على عاتقها معالجة مسألة معاناة الفلسطينيين في سوريا بسبب المأساة السورية الناتجة من الحرب فيها وعليها، مع التركيز على سكان مخيم اليرموك الذي اجتاحته مختلف التنظيمات التكفيرية بمساعدة من قوى تكفيرية محلية موجودة فيه، وعلى رأسها ميليشيا "حماس". من منظورنا، إن العمل في هذا الموضوع يعد "مغامرة" عملية محفوفة بمخاطر عديدة أولها وأهمها استمرار الصراع في سوريا وعليها، وعدم إمكانية التنبؤ بنهاياته وتأثير ذلك في النسيج الاجتماعي السوري، الذي يعد النسيج الفلسطيني جزءاً منه. إضافة إلى ذلك، أطلقت الباحثة مجموعة من الأوصاف على أحداث محددة رغم معرفتنا جميعاً بأن الحقيقة هي أولى ضحايا الحروب، وأن وجهات نظر البحاثة في كثير من الأحداث التي شهدتها سوريا ولا تزال تشهدها، متعددة ومتباينة، وكان من الأفضل لو أنها تركت هذا الأمر لكتب التاريخ ولما سيكشف عنه في الوثائق ذات العلاقة.تركز الكاتبة في بحثها الأكاديمي المعقد على مفهوم النكبة لدى فلسطينيي المخيم، مع التعميم على مختلف التجمعات الفلسطينية السورية في مخيمات الشتات، كما تعرف. مخيم اليرموك يمثل ــ من منظور الكتاب والمقاربة ـــ الشتات الفلسطيني في سوريا لأسباب عديدة، منها أنه التجمع الأكبر للفلسطينيين في خارج الوطن الفلسطيني المغتصب، ولأن سوريا هي الدولة العربية الوحيدة التي منحت المهجرين الفلسطينيين كافة حقوق المواطنة، عدا التوطين والمشاركة في الانتخابات. وهذا جعل مجتمع المخيمات ينصهر إلى حد ما في النسيج الوطني السوري، ويتماهى معه في أمور عديدة، لكن من دون فقدان الهوية الوطنية.
في مواجهة اتفاقات أوسلو التي أعلنت فيها الزعامات الميليشياوية الفلسطينية، المتمثلة في قيادات منظمة التحرير تخليها عن فلسطين وعن أهلها، مقابل سلطة كاريكاتورية هشة، ليست أكثر من ذراع للعدو الصهيوني الأمني والسياسي والتعليمي في "الضفة الغربية"، ملغية بذلك مفهوم النكبة كما هو سائد في الشتات الفلسطيني، حتى في داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، ونعني بذلك مخيمات المهجرين في مخيمات قلندية وعقبة جبر وجنين وغيرها، شهد مخيم اليرموك تحركاً مضاداً لاستسلام زعامات السلطة الميليشياوية في رام الله، تمثل في حركة حق العودة، ما منح مفهوم النكبة بعداً سياسياً راديكالياً. هنا تذكر الكاتبة القراء بمسيرة العودة التي انطلقت عبر الجولان، لكونها تعبيراً عن معنى النكبة، أي حق العودة في هذه الحالة، حيث تمكن أحد الناشطين الفلسطينيين من اختراق الحدود والوصول إلى بلدته يافا قبل أن تتمكن قوات الأمن الصهيونية من إلقاء القبض عليه وإعادته (كذا) إلى منفاه!!.
63 مقابلة نوعية مع أشخاص ينتمون إلى ثلاثة أجيال

لا يمكن نفي تأثير المأساة السورية والحرب فيها وعليها في مفهوم النكبة لدى فلسطينيي سوريا، مع التحفظ على هذا الوصف، آخذين في الاعتبار هجرة الكثير منهم إلى خارج سوريا، وإلى لبنان تحديداً، مع أعداد أقل إلى شرق الأردن. في الوقت نفسه، فإننا لا نقبل صحة قول أحد سكان المخيم، بكلمات الكاتبة، أن ما حل بمخيم اليرموك من تدمير وهجرة هو أكثر قسوة من نكبة عام 1948. بل إنه ليس ثمة مجال لإقامة أي تماثل بين الاثنين. لا نشك في مدى صدق القاتل والتعبير عن أحاسيسه الآنية تجاه التدمير المادي والاجتماعي للمخيم وأهله، أو معظمهم، لكن تلك المقاربة هي بلا شك وليدة تلك اللحظة المأسوية، وفي وطننا إن القراء يشاركوننا هذا الرأي. علماً بأننا التقينا كثيراً من أبناء أهلنا من المخيم الذين كنا نعرفهم قبل اندلاع المأساة السورية وبعد تدمير المخيم، ونعرف مدى عمق أحاسيسهم تجاه الحدث، والمسببين له، وهو ليس موضوع عرضنا، ولم يحدث أن باح أي كان بمقاربة كهذه.
استندت الحردان في عملها وتحليلاتها إلى بحث ميداني قامت به خلال فترة إقامتها في المخيم قبل اندلاع الصراع في سوريا وعليها. بحث الحردان التي تصف نفسها بأنها من الجيل الرابع للنكبة، قادها الى إجراء 63 مقابلة نوعية مع مجموعة من الأشخاص الذين ينتمون إلى ثلاثة أجيال، تتبعت فيها مفهوم النكبة وتطوره في الوعي الاجتماعي الفلسطيني. ولأن عمل الكاتبة الميداني جرى قبل اندلاع المأساة السورية، فإن موضوع المؤلف لم يكن الكارثة التي لحقت بفلسطينيي مخيم اليرموك، بل بمفهوم النكبة على يد أنظمة سايكس بيكو عام 1948.
هنا لا بد من تأكيد حقيقة تفيد بأن ليس كافة سكان مخيم اليرموك فلسطينيين، بل إن نحو ربعهم من السوريين، وقد عانوا ما عانته أغلبية السكان، ومن قبلهم سكان الجولان المحتل الذين لا يزال قسم كبير منهم يسكن مخيمات على أطراف مدينة دمشق الشرقية. وقد تبين للكاتبة الفلسطينية من خلال أبحاثها وتطبيقاتها السوسيولوجية النظرية لدى مختلف علماء الاجتماع في الغرب، أن مفهوم النكبة لدى "فلسطينيي سوريا" ـــ مع إعادة تشديد تحفظنا على هذا الوصف ولذا نضعه بين معترضتين ـــ ليس ثابتاً، وانه في الوقت نفسه عامل معزز للروح الوطنية الفلسطينية والقومية العربية. بهذا فإن أناهيد تتحدى أيضاً الرأي السائد القائل بأن النكبة مفهوم ثابت لدى مختلف أمكنة الشتات الفلسطيني، وتشدد على أنه متغير بتغير الظروف والأحداث، وهو ليس رأينا في أي حال حيث من الغلط خلط الآتي بالتاريخي. كذلك فإننا لا نتفق مع الرأي القائل في المؤلف إن الكارثة التي حلت بفلسطينيي مخيم اليرموك وغيره تعني أنها نهائية.
أخيراً، نعيد التذكير بالمقولة التي أوردتها الكاتبة وهي "حق يأبى على النسيان، ولا يسقط بالتقادم". هذه حقيقة مطلقة لأي بحث في النكبة من أي وجهة نظر كانت.