نواه زوف فنانة ألمانية، من ذوي البشرة السوداء، ولدت في ألمانيا وتعيش وتعمل فيها محققة نجاحات كبيرة في مجال الإبداع الفني، متعددة المواهب.
في عام 2009، كتبت مؤلفها، لكنها عملت على مراجعته على نحو مستمر لتصويب بعض الآراء وإضافة تجارب القراء الذين أرسلوا لها معاناتهم كبشر سود البشرة في ألمانيا، الدولة الأوروبية التي لا تملك ماضياً استعمارياً، وبالتالي فإن تجاربها مع البشر الآخرين محدودة. أعداد المهاجرين من الدولة الأفريقية، المستعمرات الأوروبية السابقة قليلة، ومعظم اللاجئين دخلوا البلاد على نحو غير شرعي، ولا يملكون أوراقاً ثبوتية تساعدهم في الحصول على حقوقهم القانونية، والمنصوص عليها في الدستور الألماني. في الوقت نفسه، فأولئك المهاجرون ـــ شرعيين أو غير ذلك ــ يصطدمون بواقع مختلف عما كانوا يتخيلونه. ألمانيا قد تفيض لبناً وعسلاً، لكن أن يحصل المرء على حصة منهما، على نحو مشروع، فعليه الاجتهاد والتعب، تماماً كما المواطنين الألمان "الأصيلين".
نحن جميعنا نعرف أن الشعب الألماني جدي للغاية في حياته، حتى ليتساءل بعضهم ــ وإن دعابة ـ إن بإمكان الألماني الضحك أو أن يحكي طرفة، وأن يجد وقتاً للاستمتاع بحياته! لكن من ناحية أخرى، كيف يقوم قارئ ما، أبيض البشرة، مؤلفاً عن العنصرية اليومية لإنسان أسود البشرة في مجتمع "أبيض"؟
لقد عشت في ألمانيا، شرقاً قبل الوحدة، وغرباً، منذ عام 1989، وفي بريطانيا قبل ذلك. التجربة الأخيرة كانت مختلفة لأن الشعب هناك متعود على وجود "أجانب" من مختلف بلاد العالم ولذا لا يمكن مقارنة التجربتين. لكن ليس بإمكاني الشكوى من المجتمع الألماني الذي أحبه وأقدره تقديراً عميقاً وأدين له، كما للمجتمع البريطاني، بأمور كثيرة ساهمت في تشكيل شخصيتي التي يعرفها الأصدقاء.
عمل إنساني، وليس أكاديمياً بارداً أُنجز بعد موجات النزوح الأخيرة

الكاتبة الألمانية، ذات البشرة السوداء، تعرض في هذا الكتاب الذي اختارته ضمن هذه المجموعة ليكون كل من يفكر في الهجرة على بينة، نظرية، من البيئة التي يختار العيش فيها. نواه تصف نفسها في صفحتها الخاصة بها في الإنترنت بأنها ألمانية، ولا تعطي أي معلومة عن أصولها.
نواه تملك الشجاعة للنظر دوماً في مؤلفها، بهدف الإضافة، وكذلك حذف نصوص محددة بدت لبعض القراء أنها عنصرية "السود" تجاه "البيض"!
موضوع التجربة العنصرية معقد وطويل، وتفرعاته لا نهاية لها، مثل قصص الثعبان حيث لكل شخص تجربته الخاصة.
لذا لا يمكن تلخيص الكتاب في جملة أو صفحة. على المرء قراءته بالكامل لاستيعاب مدى المعاناة اليومية التي يتعرض لها البشر سود البشرة. لكن لا بأس من استعراض بعض اقتراحات نواه لاختبار ذاتي للقارئ "الأبيض" لمعرفة نفسه على نحو أفضل، إن كان عنصرياً أو غير ذلك.
على سبيل المثال، تقترح الكاتبة، الألمانية سوداء البشرة، على الألمان بيض البشرة، طرح الاستفهامات والإجابة عنها، بينهم وبين أنفسهم، ومنها الآتية:
دور الممثل الأميركي إدي مرفي في فيلمه الأخير كان غير محبب لدرجة أن ردة فعلي هي:
1) إنه فيلم تهكمي (satire) ولذلك فإنه ليس عنصرياً؛ 2) عنصري؛ 3) ليس عنصرياً.
- سؤال للبشر البيض: عندما أعمل مع إنسان أبيض البشرة، سأبلغه بأن لون بشرته لا يؤثر فِي حتى لا يشعر بالإحراج: هذه الفكرة: 1) جيدة وليست عنصرية: 2) سيئة وعنصرية؛ 3) سيئة، لكنها ليست بالضرورة عنصرية.
وهكذا يمضي المؤلَّف، معدداً تجارب مفصلة مبوبة، مؤلمة، لكنها أكثر مما يتحمله هذا العرض المختصر.
الكاتبة تعلم مسبقاً ردود فعل بعض القراء الذين قد لا يعجبهم أسلوبها وتعريتها بعض سلبيات المجتمع "الأبيض" الذي يرفض الاعتراف بنواقص في ثقافته وحضارته. لذلك نراها تلفت نظر القراء المترددين في قبول منظورها للأمور إلى ما يلي:
- أعلم ما يحوي هذا المؤلف، ولذا فإني لستُ في حاجة إلى محاضرات فيه.
- لا، الأمور هنا ليست على هذا النحو.
- لدي تجاربي الخاصة التي تناقض ما يرد في الكتاب.
- أعلم تماماً ما يرد في صفحات الكتاب.
ختامًا لهذا العرض، الكاتبة تخاطب الألماني أبيض البشرة فتذكرهم بالحقائق الآتية:
- أنت تملك امتياز أن ينظر إليك كفرد.
- أنت تملك امتياز أن تُعد عضو من الشعب.
- أنت تملك امتياز أنه ليس مفروضاً عليك أن تشرح، على الدوام، أنك تعيش في بلادك وداخل لون جلدك!
- أنت تملك امتياز أن يكون حضورك في مكان ما طبيعياً وليس ثمة من حاجة لتوضيح أسباب ذلك.
- أنت تملك امتياز البقاء مجهول الهوية، إن أردت ذلك.
- أن لا يسألك الغرباء عن أصلك وأصل أجدادك!
هذه بعض التجارب، غيض من فيض، التي طرحتها الكاتبة، ويبدو كأنها موجهة للبشر بيض البشرة فقط، لكنها تعلمنا، جميعاً، مدى حساسية الموضوع وعمق المشاكل، من منظور الضحية. فهذا المؤلف عمل إنساني، وليس أكاديمياً بارداً كتب بعد موجات النزوح الأخيرة ولا يتعرض لها وتوابعها.