يتناول هذا المؤلف أحوال المسلمين الشيعة في المملكة السعودية، تاريخياً، منذ سيطرة الوهابية على الأحساء، حتى أيامنا هذه، وهو الأول في مجاله، بحسب الكاتب الإنكليزي توبي متثيزن الذي سبق له نشر بعض المؤلفات عن الجوهر الطائفي لأعراب دول الخليج الفارسي، وقد عرضنا أحدها في هذا المنبر، لكنه يشير إلى مؤلَّف الباحث فؤاد إبراهيم المعروف لقراء "الأخبار". الكاتب له مؤلف مهم عن سوريا صدر عام 2013 عنوانه «سوريا: اختلاق حرب دينية».
ثمة فكرة خاطئة تقول إن سكان المملكة السعودية من السنّة وهابيون، لكن الكاتب يشير إلى وجود قوي للمذهب المالكي والحنفي والشافعي في شرقي البلاد. هؤلاء استثنوا حتى عام 2009 من مختلف الوظائف في المؤسسات الدينية. أما الصوفية، فسائدة في الحجاز وتتعرض للتمييز والاضطهاد ككل المذاهب غير الوهابية. في جنوبي المملكة، ثمة وجود إسماعيلي في نجران، معظمه ينتمي إلى قبيلة يام، وقياداته من الدعاة ينتمون إلى عشيرة مكرمي.
أما المسلمون من الشيعة الاثني عشرية، الذين تركز وجودهم في الأحساء والقطيف، فمحرومون بالمطلق من المشاركة في أيّ من المؤسسات الدينية. وثمة وجود شيعي آخر في منطقة المدينة المنورة ويعرفون باسم النواخلة.
في منتصف القرن الماضي، انتقل بعض الإسماعيليين إلى المنطقة الشرقية، حيث تعرضوا لنفس الاضطهاد اللاحق بالشيعة في تلك المملكة العتيدة.
الكاتب يركز في الفصل الأول، «سياسة الوجهاء»، على تاريخ نخب الشيعة السعوديين والمؤسسات الدينية المهمة التي أقاموها ودورهم القوي في المنطقة إبان العهد العثماني، ابتداءً من عام 1871 الذي استمر حتى احتلال آل سعود المنطقة في عام 1913 الذين أبعدوهم عن كافة مؤسسات الدولة المتشكلة. الكاتب يظهر في هذا الفصل أن الاقتصاد الريعي تمكن من كسب رضى قطاعات من السكان، لكنه أغضب قطاعات أخرى.
الفصل الثاني، «النفط والانشقاق»، يعالج مسألة انتشار الفكرين القومي واليساري بين النخب الشيعية، وقيادتهم مجموعة من الاحتجاجات والإضرابات التي منعتها السلطات، ما اضطر تلك القيادات من ناصريين وبعثيين وشيوعيين إلى العمل السري والهجرة إلى الخارج.
الفصل الثالث، «الإسلام الشيعي»، يركز على ولادة الفكر الديني والمعارضة الإسلامية بعد هزيمة الفكر القومي واليساري. كذلك يتعامل هذا الفصل مع انتشار الحركة الإسلامية الشيعية المعروفة بالشيرازية، من العراق إلى بقية دول الخليج، علماً بأن رئيسها أقام في دولة الكويت. الكاتب يوضح أن الشيرازية كانت وراء انتفاضة 1979/1980 في المنطقة الشرقية، والتي قمعتها سلطات الرياض بكل قوة، ما اضطر كثيراً من المشاركين فيها وقادتها إلى الهجرة.
الكاتب يشدد على أن الحقائق الواردة في الفصلين السابقين ينفيان الادعاء بعدم وجود معارضة سياسية في السعودية، والمرتكز على نظرية الدولة الريعية التي يتبناها التيار الأكاديمي السائد. كذلك يشير إلى حقيقة أن شيعة السعودية ساهموا في استخراج النفط، أي مصدر ثروة البلاد، لكنهم حُرموا من الاستفادة منها، ما ينفي أسس نظرية الدولة الريعية. فحرمان المسلمين الشيعة من المشاركة في مؤسسات الدولة هو ما قاد بالضرورة إلى حرمانهم من ثروة البلاد.
الفصل الرابع، «عقد من المواجهة»، يتعامل مع اضطرار قادة المعارضة الشيعية إلى الانتقال إلى الخارج وعلى نحو رئيس إلى سوريا وإيران، لكن أغلبيتهم غادروا الأخيرة بعد عام 1980 حيث ظهر تحدي الخمينية للشيرازية، وشكلوا حركات سياسية عسكرية بدعم طهران، منها «خط الإمام»، إضافة إلى «حزب الله» في الحجاز.
الفصل الخامس، «لا ثورة بعد اليوم»، يناقش مسألة تصالح الناشطين من المعارضة مع حقائق وجود الدولة، والذي انتهى في عام 1993 إلى التفاوض على عفو عام وعودة المعارضة السعودية. هذا الفصل يعرض أيضاً النقاش الذي دار بين نخب المعارضة الشيعية بخصوص التفاوض مع النظام. «حزب الله» في الحجاز اعترض على التفاوض مع الدولة الوهابية، ويقال إنه كان مسؤولاً عن "تفجير الخُبَر" عام 1996.
الفصل السادس، «اعتراف هامشي»، يناقش مسألة اندماج بعض النخب الشيعية في الحياة السياسية، مثل المشاركة في مجلس الشورى وفي انتخابات المجالس المحلية، حيث فازوا ببعض المقاعد. هذا كله تم برعاية ولي العهد آنذاك، الأمير عبدالله.
الفصل السابع، «انتفاضة جديدة»، بدأت مع اندلاع حراكات شعبية عام 2011 في بعض الدول العربية، وفي الخصوص تأييد الحراك الشعبي في البحرين، كما يعرض عودة اضطهاد الدولة الوهابية للشيعة وقتلها مجموعة من المشاركين في الاحتجاجات الشعبية الكبرى في ذلك العام، وعودة علاقة الدولة بالشيعية إلى النقطة الصفر.
الكتاب يلخص القول إن الاعتراف الهامشي في عهد الملك عبدالله، والذي استمر حتى عام 2005، انتهى إلى قطيعة مع اندلاع الحرب الأهلية في العراق، والتعبير للكاتب. الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت عام 2011 قادت مجدداً إلى مضاعفة الاضطهاد على كافة المستويات ورفع وتيرة خطاب الدولة الطائفي.
لذا، فإن الكاتب يرى أن الدولة السعودية تفرض شرعيتها عبر العصبية الدينية المذهبية، أي الوهابية، وأن وضع المسلمين الشيعة هناك سيظل مزعزعاً.
مصادر الكاتب، وفق ما أوردها، لقاءات مع شخصيات وناشطين شيعة سعوديين، إضافة إلى رجال دين شيعة ونخب شيعية وصحافيين، وشخصيات معارضة أخرى مقيمة في أوروبا والولايات المتحدة والبحرين وسوريا ولبنان والكويت، لكن نشاطها السياسي محدود. صاحب المؤلف يضيف القول إنه استشار منشورات المعارضة ومؤلفات تأريخية محلية عن تاريخ السعوديين الشيعة، حيث عثر على بعضها في كتبيات في القطيف، إذ أمكن في ذلك الوقت ابتياع مؤلفات محظور تداولها في المملكة. أحد أصحاب تلك الكتبية اعتقلته سلطات الرياض ومارست بحقه التعذيب حتى القتل، ضمن حملتها لقمع حراك عام 2011.