ألعابك مقلقة، كانت تبدو على الدوام أنّها ستنتهي نهاية سيئة. مثل أن أستيقظ الآن وأرى عينيّ معصوبتين ويديّ مقيدتين إلى الكرسي. ابتسمتُ منتظرةً أن تأتي إليّ، ولكنّني لا أحب ذلك. أبتسم فقط لأنني أخاف أن تحسّ بضيقي فتبالغ أكثر في الأذية. مضت بضع دقائق ربّما وتشنّج وجهي وأنا جالسةٌ هنا مرتديةً هذه الابتسامة القاحلة. استسلمت وقررت أن أناديك رغم علمي أنّ ذلك يعني أنّني خسرت. ناديتك مرة ثانية لم تُجب. عوضاً عن ذلك خاطبني ذلك الرجل من خلال مكبّر الصوت، كما كنت أنت تفعل أحياناً في ألعابك المقلقة: «إذا أتيتِ بأية حركة الآن، فسيتمّ حقنكِ مجدداً بالمخدّر». تذكّرت أي مخدرٍ يقصد، تذكرت الإبرة المعدنية الكبيرة التي وخزوني بها، وعاد صدغاي يؤلمانني بشدة. استطعت تبين ضوء ساطع في الغرفة رغم الشريط اللاصق على عينيّ.
كان الرجل الذي يصرخ عبر مكبّر الصوت قد صمت الآن، ولكنّني استطعت أن أميز حديثاً يجري في الغرفة الثانية. لم يكن الكلام واضحاً ولكنّ أحداً ما كان يشرح شيئاً لآخرين يقاطعونه أحياناً. كنت متأكدة أن واجهة زجاجية تفصلني عنهم، وأنّهم يتمكنون من رؤيتي عبرها. ابتسمت وعدّلت جلستي.
عندما استيقظت مجدداً استطعت أن أرى السقف وأنواره بوضوح. كانوا قد ثبتوني إلى نقّالة يحملونني بها. عندما كانوا ينقلونني إلى السرير رغبت بشدّة أن أنظر إلى نفسي، وجَهِدتُ حتى استطعت أخيراً أن أرى انعكاس وجهي على زجاج خزانة الأدوية قبل أن يضعوا لي اللصاقات. كان يبدو شاحباً نحيلاً، وبدت عيناي غائرتين، ولكنني خمّنت أنني أستطيع أن أستعيد حيوية مظهري في وقتٍ قصير، لذلك شعرت ببعض الراحة قبل أن يسيروا التيّار فيّ مجدداً.
عندما استيقظت في الكرسي نفسه، كان ذهني أكثر صفاء. أعرف الآن أنكَ لست من يلعب ألعاباً مقلقة. لم يقم أحد بالصراخ فيّ عبر مكبر الصوت الموضوع في الغرفة هذه المرة وشعرت بهم يتحدثون مجدداً. منذ المرة الماضية التي كنت فيها هنا، اليوم صباحاً أو منذ أسبوع كنت أشغل نفسي بالتفكير بك لدرجة أنهكتني ولم أعد متحمسة حتّى لألعابك ولمرأى وجهك الشهي. أنا آسفة. اشتقت كثيراً للتدخين، وأسفتُ لأنّني كنت أترك أعقاب السجائر في كل مكانٍ في المنزل، وكنت تغضب بشأن ذلك وبشأن الفوضى كلّها وتصفق الباب وراءك. كانت الصغيرة تستيقظ من نومها فزعة عندما يحدث ذلك. لم يكن الأمر مبهجاً تماماً كما قد يتمنى المرء حياة أسرته أن تكون، وكنت أرى كيف أنك تفكر في ذلك ولا تريد العودة إذا خرجت.
عاد الصوت للحديث عبر مكبّر الصوت. كان أحدهم يسألني إن كنت أعرف أين الصغيرة الآن. قلت لهم إن هذا وقت درس الباليه، وهي تتحرّك الآن بخفّة على الأرضية الخشبية أو تمسك بالحاجز المعدني لتُجري تمارين الليونة. تذكّرت غرفة تبديل الملابس والأحذية الصغيرة مع الجوارب الشفافة المبعثرة في أرجاء الغرفة. عاد قلبي يخفق بقوّة وأنا أتذكر كيف شعرت تماماً عندما كنت هناك آخر مرة، لم يعجبني مظهر عامل التنظيف ولا فكرة أنه هنا مع كل تلك الطفلات. باب المدرسة لم يكن مؤمَّناً بشكل كافٍ وبدا لي أن أياً كان يستطيع التسلل بسهولة. قد تكون صغيرتنا نفسها هي الهدف، سيتبعها كما لو أنها خيط من نور الشمس وهي تضيء المكان بشعرها البرتقالي الأجعد. طلبتُ منهم بلطف أن يفكّوا وثاقي لأتمكن من الذهاب إليها وأخذها إلى المنزل. لم يستجب أحد. ما زالوا يراقبونني من دون شك عبر الواجهة الزجاجية. أعدتُ الطلب وقلت لهم إنها ستكون في خطر إذا لم أقم الآن وأتوجه إليها. سألتهم إن كان لديهم أطفال في سنّها. كانت عيناي تحرقانني بفعل المادة اللاصقة للشريط وعاد رأسي يؤلمني بشدّة. حذّرني الصوت من التحرّك مرّة أخرى، فاستندت إلى قدميّ وحرّكت الكرسي مرة أخرى باتجاه مصدر الصوت. مع هذه الحركة بدت يداي قادرتين على التحرك قليلاً داخل الرباط، سمعت صوت باب الغرفة يُفتح عليّ بقوّة ولكنّني كنت جاهزة للقتال.
فتحتُ عيني لأرى السقف مجدداً وهم ينقلونني بسرعةٍ أكثر من المعتاد. أغمضتهما مجدداً وحبست أنفاسي إذْ كنت أريد أن ينتهي ذلك كله قبل أن يتمكنوا من صعقي مجدداً. لم يكن هناك من داعٍ لاستعجالهم وتوثيقي بهذا الإحكام فلم أعد أستطيع أن أفعل شيئاً أصلاً.
هل تصدّق ما يجري؟ لم تسمع ما قالوه لي وهم يكسرّون أضلاعي بالعصي بحقدٍ في الداخل. قالوا إنه كان علي أن أموت منذ وقتٍ طويل لأنني، تسببتُ بذهابها، موتها، بعد أنّ احتجزتها لشهورٍ في قبو المنزل وأسأتُ إليها منذ أن اختفيتَ أنت. مبالغات فجّة، وأشكّ حتى الآن أنّها قد تكون من ألعابك المقلقة. كلّ ما كان يحدث جرى في ذهني أنا فقط: كنت أراقبها في الصالة أثناء التمرين قبل أن آخذها، كنت أرى كيف تطفح رائحة الحليب من وجنتيها، مستثيرة شهية الجرذان. كيف سيقضم وضيعٌ ما، وضيعٌ مثلك أنت تماماً رهافتها ويرميها ليتسكّع مع واحدةٍ ما من نوعه. كيف ستنكسر مرةً واحدة وتقعي على ركبتيها في عرضها الأخير غير قادرة على الحراك من فرط ألم قلبها. هم لا يعاقبونني لأنني أسأت معاملتها، هم مُستَفزّون لأنني أعرف ما هي، وأحميها من العناصر البخسة، لا كما يفعلون طيلة الوقت مع أطفالهم أفراخ الجرذان عديمة القيمة. الآن يحاولون النيل منّي لأنها لديّ. صفّوا التهم على ورقة لتحطيمي: قالوا إنني اعتدت على تقييد يديها في حبل يتدلّى من السقف لأيام متواصلة، وإنني شوّهت جمالها، حسنها الذي أعيش من أجله. قالوا إنني تعدّيت عليه بحرقها وتشويه مواطن أنوثة جسدها الطفل. ينتقمون لأنني احتقرتُهم، احتقرت وضاعتهم وخبأتُ ما لدي. يريدون أن يتشفّوا برؤيتي أنهار. لذلك كسّروا تلك العصيّ عليّ، وثبتوني الآن على سرير الصعق بعد أن مزقوا ملابسي. في العادة كانوا يوصلونها برأسي فقط، ولكنّهم يوزعون تلك اللّصاقات كالمجانين على كامل جسدي. يريدون أن يدخلوه بالكهرباء كما كنت أنت لتفعل، ولكنّ ذلك لن يحدث طالما أتمكن من حبس أنفاسي للمدة الكافية.
* كاتبة سورية