■ ماذا أضاف لك النشر خارج تونس؟ هل تجاوزت ضيق السوق المحلية؟ بعد سنوات قليلة من النشر في تونس، أردت أن أختبر نصوصي الإبداعية والنقدية في المنابر الثقافية العربية قبل أن تنشر لي مؤلفات نقدية وابداعية في الأردن ولبنان.

كان ذلك خياراً استراتيجياً لاختبار قلمي في فضاء أكثر شساعة وتنوعاً، وفي منابر إعلامية ودور نشر أكثر احترافية. أرى أني أكتب لكل الناطقين بالعربية، مشرقاً ومغرباً. لذلك كنت في حاجة الى أن تصل مؤلفاتي لهم جميعاً، وهذا ما قدمته لي المجلات والصحف الثقافية ودور النشر التي راهنت على مشروعي الإبداعي. أشعر بأنني متفرغ للكتابة الآن مع وجود ناشر وموزع كبير مثل «دار الساقي» ووكيل أدبي يهتم بمسألة الحقوق والترجمات.

■ كيف ترى حظوظ جيلك من النقد والترجمة والجوائز؟
لا رأى أنني أمثل جيلاً في تونس. يوم ذهبت للنشر في الخارج، كنت أنشر جنباً الى جنب مع كبار النقاد والمبدعين، ولم أشعر يوماً بأنني أمثل جيلاً آخر. على الأقل في تونس، لا أرى هذا الجيل، فقط نحن أفراد. عربياً، بدأ يتكوّن هذا الجيل فعلاً، وهو الآن يمثل جانباً مهماً من راهن الأدب، وهو الذي يتصدر المشهد الروائي إلى جانب الجيل الذي سبقه، وقد بدأ يتراجع لمصلحة هذا الجيل الجديد. أعتقد أن نتائج الجوائز وما تقدمه الصفحات الأدبية من مراجعات للكتب، كلها تشي بأن هذا الجيل الذي أشرت اليه أصبح هو المشهد، وأنّ المشهد الروائي العربي تغير كلياً لمصلحته.

■ هل تعتقد أنكم جيل مظلوم؟
لم أشعر يوماً بالغبن الأدبي. أعد نفسي محظوظاً بتحقيق ما أسعى اليه، فقد توّجت أعمالي بأهم الجوائز تونسياً وعربياً. كذلك تحظى أعمالي باهتمام المترجمين والنقاد في العالم كله. والأهم هو تلك النقلة النوعية التي اعتقد أنني فزت بها وهي المقروئية. لقد حققت قاعدة جماهيرية مهمة من الشباب في الوطن العربي وتونس تحديداً.

ينهل من قاموس لغوي يختلط فيه المحكي بالشعري راصداً تحولات الحياة اليومية التونسية بكل ما فيها من أوهام وأحلام وذاكرة معطوبة

وأزعم أنني نجحت في إحداث مصالحة بين الكاتب والقارئ التونسيين تعكسه حجم المبيعات لروايتي وآخرها ما حققته «عشيقات النذل» التي كانت أكثر الكتب مبيعاً في معرض الكتاب وفي المكتبات. أما بخصوص النقد، فكم المراجعات النقدية العربية لروايتي يجعلني أشعر بالرضى. أما الصحافة التونسية، فهي كما تعلم بعد فقدان ملاحقها الثقافية، تعد فقيرة وليس هناك اختصاص اسمه مراجعات الكتب بالمعنى العميق للكلمة.

■ خضت تجربة النشر وتوقفت سريعاً، لماذا؟
كانت حلما دونكيشوتياً اكتشفت سريعا أنّ هذا العالم ليس عالمي، وسيشغلني عن الإبداع بسبب بيروقراطيته ومسالكه المتشعبة في غياب مشهد صحي للنشر في تونس.

■ الجميع اليوم يكتب الرواية وهناك احتفاء عربي كبير بهذا الفن، ما هو تفسيرك للظاهرة، وهل هو تعويض عن غياب الشعراء الكبار؟
ليس صحيحاً أنّ الجميع يكتب الرواية، فليس أصعب من كتابة الرواية بما هي بناء معقد وليس هناك من جنس أكثر انتهاكاً من الشعر، فالكل يدعي نظمه وفي المقابل ليست هناك الا تجارب قليلة تستحق الانتباه. الرواية جنس مزدهر اليوم في العالم كله حتى الحق الزمن به، فنحن في «زمن الرواية» كما يقال. صحيح أن الشعر فقد كباره عالمياً وعربياً مما جعل دور النشر الأجنبية تحجم عن نشر الشعر هي الأخرى، بل إنّ بعض الشعراء ارتحل لكتابة الرواية. أرجع ذلك ربما الى طبيعة الجنسين الأدبيين الرواية والشعر. منذ ظهور الرواية الحديثة، هلع الشاعر والمنظر للشعر نيكولا بوالو صاحب كتاب «فن الشعر» وهاجمها بشراسة لأنها جنس يوزع الألسنة على الذين ظلوا في صمت التاريخ كله، وهم العامة والنَّاس، كما أنّ شعبية هذا الجنس الأدبي هي التي جعلته يتغول وطابعه الإسفنجي جعله يبتلع الأجناس والفنون كلها، وتوظيفها داخل نسيجه فـ «لا يوجد شيء بعد اليوم خارج الرواية» وفق ما يقول كونديرا.

■ كيف تقيم حضور الأدب التونسي عربياً؟
يعيش الأدب التونسي طفرة نوعية لم يسبق له أن عرفها في الوطن العربي، وكثيرنا لا يعلم ذلك. يكفي أن تتابع منشورات كبار دور النشر العربية وسترى أنّ الأدب التونسي يتموقع في مكان مضيء داخله، صحيح ليس كمياً لكن
نوعياً.
الصوت التونسي مختلف في المشهد الأدبي العربي، ولا أحد الآن في إمكانه أن يلغيه وينكره. والملاحظ أن هذا الحضور لم يعد مقتصراً على بعض الكتاب الذين يعيشون في المهجر وربطوا علاقات مهمة بدور النشر المشرقية، بل أصبح الكاتب التونسي المقيم في تونس ينتزع حضوراً متميزاً في المشهد العربي من خلال نشره لأعماله في دور عربية.

■ تجربة الإنتاج التلفزيوني ماذا أضافت لك؟
اشتغلت في الصحافة الثقافية منذ التسعينات حتى اليوم، وكذلك في الصحف والمجلات والمواقع المختصة والإذاعات والتلفزيونات العربية والدولية. كنت حريصاً طوال هذه التجربة على البقاء في مجال تخصصي الأدبي والسينمائي، وشاءت التغييرات أن ينتبه بعضهم الى تجربتي، فقدمت «غليون الخامسة» على راديو «كلمة»، وكان مختصاً في تقديم الأدب العالمي للمستمع التونسي، وأُقدِّم الآن «بيت الخيال» على التلفزيون التونسي لتمكين الكتاب والفنون المسرحية والتشكيلية والسينمائية من الحضور في إعلامنا المرئي على نحو مختلف... أن نصغي لمثقفينا ومبدعينا وهم يقدمون رؤيتهم للعالم بهدوء وينتصرون للجمال ويصدحون بمواقفهم بكل حرية. أرى أن «بيت الخيال» مكسب للمبدعين، لكنه ايضاً مكسب للتونسي عامة. أعتقد ألا مستقبل للثقافة وللإبداع من دون إعلام ثقافي راق يقدمه.




عشيقات النذل

في روايته الجديدة «عشيقات النذل» (دار الساقي)، يصوّر الرياحي عالماً من الجريمة تتداخل فيه الحبكة السينمائية القائمة على التقطيع والمونتاج بالحبكة الروائية القائمة على السرد. عالم من الأوغاد والقتلة يفتكون ببعضهم بعضاً. سارة ذات السبعة عشر ربيعاً تموت مقتولة. والدتها نادية التي تدير مؤسّسة إعلامية ورثتها عن والدها أحد رموز الإعلام، تتهم والدها كمال اليحياوي بقتلها. والدها روائي وكاتب سيناريو أفاد من علاقات زوجته وعشيقته هند المونديال. ويتمحور سؤال الرواية الأساسي عن الوجه الآخر أو ما نعته الرياحي بـ «القبو» المسكون بالفئران والمخبرين والقطط. «عشيقات النذل» صورة أخرى عن حياتنا التي نغرق فيها ولا نرى تفاصيلها.