قبل الانهيار، كانت «هواوي» تواصل الاستحواذ على حصّة سوقية واسعة في لبنان. كانت لديها عقوداً بملايين الدولارات مع شركتَي «تاتش» و«ألفا» من ضمنها فواتير غير محصّلة بقيمة 13 مليون دولار. وكانت لديها عقوداً غير مباشرة مع جهات أخرى في قطاع الاتصالات من أبرزها توريد أجهزة وخدمات لإنشاء شبكة «فايبر أوبتيك». هذا العقد كان بين «أوجيرو» وشركة «سيرتا» التي كانت تتعامل مع «هواوي». أيضاً كانت لديها عقوداً مع القطاع الخاص، ووحدات لبيع أجهزة الهاتف الخلوي ومنتجات أخرى.
أنقر على الرسم البياني لتكبيره


أنقر على الرسم البياني لتكبيره

كل ذلك، كاد أن ينهار مع انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية. فالشركة حاولت بشتّى الطرق تحصيل فواتيرها بالعملة الأجنبية، ولكنها جالت لأشهر على المسؤولين في لبنان، ولم تجد سوى الخيبة في انتظارها. فالدولة اللبنانية لم تدفع لها سوى قسم بسيط من الفواتير بالشيكات المصرفية بالدولار (الدولار اللبناني) التي كانت تساوي في حينه أقل من ربع قيمتها الفعلية. ولم تكن لديها ضمانات بأنها ستحصل على الباقي قريباً، وأنها ستحصل عليها بالقيمة الفعلية. هذا الأمر دفعها إلى إجراء مراجعة لجدوى وجودها في لبنان كمركز أساسي في منطقة المتوسط. بنتيجة هذه المراجعة، تبيّن لها بشكل أولي، أن وجودها ملتبس في لبنان، ولا جدوى مالية منه.

13 مليون دولار

هو حجم الفواتير غير المحصّلة لصالح شركة «هواوي» في لبنان من عقودها مع شركتي «ألفا» و«تاتش»

كادت الشركة أن تتخذ قراراً بالانسحاب من هذه السوق لولا أن الحرب التجارية بين الصين وأميركا تفاقمت في قطاع الاتصالات. فالقرار في النهاية ليس قرار الشركة، بمقدار ما هو قرار النظام الصيني. قد تكون هذه الشركة خاصة ومستقلّة نظرياً، إنما هي في نهاية المطاف ليست قادرة على مخالفة التوجهات الرسمية للصين. بهذا المعنى، المسألة الأساسية لا تتعلق بالجدوى المالية والأرباح التي يمكن تحصيلها من سوق ضيّقة مثل لبنان، بل هي الجدوى الاستراتيجية التي تطبقها «هواوي» انسجاماً مع توجّهات الصين الاستراتيجية ضمن مشروع «الحزام والطريق» الذي أطلقه الرئيسي الصيني شي جين بينغ في جامعة نزارباييف في كزاخستان عام 2013. هذا المشروع فجّر صراعاً اقتصادياً بين أميركا والصين. فهو يغطي 66 دولة في ثلاث قارات، هي آسيا وأوروبا وأفريقيا، وينقسم إلى ثلاثة مستويات، تشمل مناطق محورية ومناطق للتوسع ومناطق فرعية، ويتضمن فرعين رئيسين: برياً «حزام طريق الحرير الاقتصادي»، وبحرياً «طريق الحرير البحري».
في نيسان 2019، أطلق شي جين بينغ قمّة «طرق الحرير الجديدة» التي كانت بمثابة إحدى أدوات الصراع. احتدم هذا الصراع، مع إلقاء القبض على المديرة المالية لشركة «هواوي» منغ وان تشو في مطار فانكوفر في كندا بتاريخ كانون الأول 2018 بناء على مذكرة من الولايات المتحدة الأميركية تشير إلى اتهامات بالاحتيال المصرفي والإلكتروني وتضليل «HSBC» بشأن التعاملات التجارية للشركة مع إيران.

بالنسبة إلى شركة «هواوي» لبنان ليس موجوداً أصلاً على خريطة تحقيق الأرباح إنه ممرّ فقط وهو ليس ممرّاً إلزامياً أيضاً


بالنسبة إلى شركة «هواوي» لبنان ليس موجوداً أصلاً على خريطة تحقيق الأرباح. إنه ممرّ فقط. وهو ليس ممرّاً إلزامياً أيضاً، إنما يضجّ الحيوية السياسية المناهضة لأميركا. فهو سوق صغيرة جداً، بالمعنى الذي تسعى إليه الشركات لتحقيق الأرباح. بيع معدات اتصالات لشبكات الخلوي، ومنتجات رديفة «إكسسوارات»، وهواتف خلوية في بلد عدد المقيمين فيه لا يتجاوز 6.5 مليون نسمة، لا يخلق الكثير من الأرباح. وإذا أُضيف إلى ذلك، انهيار قيمة العملة، وخسائر الفواتير المتراكمة، واحتمالات التعافي البعيدة المدى، فإن وجود «هواوي» في لبنان ليس مجدياً بالمطلق. وجود «هواوي» في لبنان ليس دليلاً على عافية الاقتصاد، إنما هو دليل على أن الصين ليس لديها ما تخسره في هذه السوق أكثر مما خسرته سابقاً، بل لديها احتمالات للربح الجغرافي - السياسي أكثر بكثير.