إنه عصر جديد بالنسبة إلى ثاني أكبر العملات المشفرة، «إيثيريوم»، إذ انتقلت شبكة «بلوكتشاين» الخاصة بها في الـ15 من أيلول الحالي، من تقنية «إثبات العمل» (proof of work) عبر التعدين، إلى تقنية «إثبات الحصة» (proof of stake) والتي تعد بفوائد بيئية هائلة. يشبه الأمر وكأن فنلندا توقفت كلها عن استخدام الكهرباء فجأةً. يطرح التحديث أو الارتقاء الجديد المعدنين جانباً، والذين كانوا يخلقون العملة عبر استخدام الحواسيب القوية أو أجهزة تعدين تستهلك قدراً كبيراً من الكهرباء كي تحل معادلات حسابية، والتي بدورها تخلق عملات «إيثيريوم». هذا كان الماضي، الآن، ومن أجل خلق العملة، يجب أن يمتلك المستخدم 32 عملة «إيثيريوم»، ويضعها في صندوق رقمي لشبكة «إيثيريوم». وكلما كثر عدد العملات ازدادت حظوظ أن يتم اختياره كي يدقق في العمليات الجارية على الشبكة، فيخلق بلوك أو كتلة جديدة تنضم إلى سلسلة الكتل وبالتالي يحقق عوائد على شكل عملات «إيثيريوم». يشبه الأمر امتلاك أوراق يانصيب، كلما كثرت الأوراق، ازدادت احتمالات الفوز.


يقول جاستن دريك، الباحث في مؤسسة «إيثيريوم»، إن الانتقال لم يكن سهلاً، وشبه الأمر باستبدال محرك سيارة قيد التشغيل بآخر دون إطفائها. ويشير يقول مطورو «إيثيريوم» إن الترقية ستجعل الشبكة، والتي تضم أعمالاً بقيمة 60 مليار دولار (بورصات عملات المشفرة، وشركات الإقراض رقمية، وأسواق الرموز غير القابلة للاستبدال (NFT) والتطبيقات الأخرى)، أكثر أماناً وقابلية للتوسع أيضاً.
التحديث، الذي ينهي اعتماد الشبكة على عملية تعدين العملات المشفرة كثيفة الاستهلاك للطاقة، تمت مراقبته عن كثب من قبل مستثمري العملات المشفرة والمتحمسين والمشككين للتأثير المتوقع له على صناعة «بلوكتشاين» الأوسع. إن الفكرة كانت موجودة منذ البداية، وهي أن «إيثيريوم» ستقوم في نهاية المطاف بالانتقال إلى إثبات الحصة. لكن هذا التحول الحاصل تحت حجة تخفيف استهلاك الطاقة بنسبة 99،99%، نقل العملة المشفرة إلى أيدي أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة. عملياً، تم استبدال اللاعبين الأساسيين القدماء في هذه الصناعة بلاعبين جدد. سعر العملة عند كتابة هذا التقرير يبلغ 1433 دولاراً، والمستخدم بحاجة إلى 32 عملة كي يصبح مدققاً، أي نحو 46 ألف دولار. في حين أنه سابقاً، كان يمكن البدء بخلق العملة عبر التعدين بكلفة 5 آلاف دولار لشراء الأجهزة. «إيثيريوم» اليوم لم تعد عملة لا مركزية، ومع الوقت، وبسبب خوارزميتها الجديدة والتي تفضل من لديه أكبر عدد منها، ستتركز بين يدي حفنة من الأثرياء. علماً أن بعض المعدنين السابقين يحاولون مقاومة هذا التغيير الجديد في «إيثيريوم»، وهم عازمون على الحفاظ على تقنية العمل القديمة على قيد الحياة.
بالنسبة إلى «بتكوين»، أكبر العملات المشفرة على الإطلاق، مولود ساتوشي ناكاموتو، فمن غير المرجح أن تتخطاها «إيثيريوم» بعد الترقية إلى المركز الأول في سوق التشفير. ويتوقع بعض محللو السوق أن تشهد «إيثيريوم» ارتفاعاً طفيفاً في الأسعار ولكن ربما لبضعة أيام أو أسابيع فقط. أما على المدى البعيد، وعلى عكس تقنية «إثبات العمل» والتي لا يمكن استخدامها في «الميتافيرس» أو NFTs، هناك فرصة جدية بأن تصبح «إيثيريوم» العملة المشفرة الأكبر.
الخطر حالياً هو أن يسيل لعاب المشرع الأميركي، ويبدأ مطالبة العملات المشفرة بالانتقال أيضاً إلى تقنية إثبات الحصة، وربما يدفع صانعي السياسة إلى حظر إثبات العمل في السنوات القادمة أثناء محاولتهم تنظيم العملات المشفرة تحت حجة المخاوف من تأثيرها البيئي.
ومن المتوقع أن ينخفض استخدام الكهرباء في «إيثيريوم» بنسبة هائلة تصل إلى 99.988 في المئة، ووفقاً لتحليل نشرته شركة الأبحاث Crypto Carbon Ratings Institute (CCRI). كانت الشبكة في السابق تستخدم نحو 23 مليون ميغاواط/ ساعة في السنة. ومن الآن فصاعداً، من المتوقع أن تستخدم ما يزيد قليلاً عن 2600 ميغاواط/ ساعة سنوياً.
قال فيتالك بيوترين، أشهر مؤسسي «إيثيريوم»، خلال عملية الانتقال، إن هذه هي الخطوة الأولى في رحلة «إيثيريوم» الكبيرة نحو أن تكون نظاماً ناضجاً للغاية، ولكن لا تزال هناك خطوات متبقية. واستمر في الإشارة إلى كلفة الرسوم المرتفعة نسبياً (كلفة نقل العملة من محفظة إلى أخرى) والسرعات البطيئة لتلك العمليات، وكيف أن الترقية الجديدة لم تلحظ تلك الأمور أو تقدم أي تحسين فيها. وتظل عائقاً أمام زيادة قاعدة مستخدمي الشبكة.