بقرار من مجلس الوزراء جرى تمديد فترة الاستكشاف في الرقعتين 4 و9 (البلوك 4 والبلوك 9) لشركة «توتال» - الفرنسية، بائتلافها مع شركتي «نوفاتيك» الروسية، و«إيني» الإيطالية وبوصفها «المشغّل» أو ما يمكن تسميته قائد العمليات؛ في الرقعة الرقم 4، جرى التمديد لغاية 21 تشرين الثاني 2025، وفي الرقعة الرقم 9 جرى التمديد لغاية 19 أيار 2028. وقد كان يفترض أن ينتهي عقد «توتال» في الرقعتين في 27 أيار 2021، إلا أنه بفعل إجراءات الإقفال التي فرضتها جائحة «كورونا» والتعطيل، جرى تعليق المهل وتمديد فترة الاستكشاف سنة وخمسة أشهر، لتصبح في 22 تشرين الأول 2022.
بلوب & كنكر ــ فرنسا

لم تنتظر الشركة كل هذه المدّة لتقدّم تقريراً حول أعمال الحفر ونتائجه. ففي 3 كانون الأول 2021، وجّهت رسالة إلى وزارة الطاقة تطلب فيها تمديد فترة الاستكشاف لمدّة ثلاث سنوات. في هذه الرسالة قالت الشركة، إنها التزمت بالحدّ الأدنى لموجبات العمل العائد لمدّة الاستكشاف الأولى في الرقعة 4، وتمكّنت من حفر بئر استكشافية أولى في النصف الأول من عام 2020 رغم «التحديات التي واجهتها في عام 2020 وبفضل الدعم الذي قدّمته لها هيئة إدارة قطاع البترول». لكنّ الشركة طلبت التمديد بالنسبة إلى الالتزام بالحدّ الأدنى في الرقعة 9 لأنه «ضرورياً ليتمكّن أصحاب الحقوق من الوفاء بالتزاماتهم» بحسب ما ورد في توصية هيئة إدارة قطاع البترول.
ولم تشر «توتال» إلى نتائج حفر البئر في الرقعة 4، إلا في سياق تبرير مطالبتها بتمديد مدّة التزامها بالحدّ الأدنى المتعلق بحفر بئر استكشافية في الرقعة 9، إذ أشارت إلى «خيبة أمل» من البئر في الرقعة 4، وهو ما دفعها إلى إعادة تقييم الرقعة 9 الذي «صار هامشياً»، ولا سيما أن 40% منه في المكمن الجنوبي تتداخل مع «المنطقة المتنازع عليها» على حدّ تعبير الشركة. إذاً، قبل انتهاء مدّة الاستكشاف الأولى بنحو 11 شهراً، قرّرت «توتال» طلب التمديد لمدّة ثلاث سنوات. واللافت أن الشركة لم تكتف بهذا الاستخفاف من التعاطي مع لبنان، بل قرّرت أيضاً أن تبخّس في احتمال وجود مكامن غاز طبيعي مجدية في «الرقعة 9» أو «البلوك 9»، لكنها تفضّل أن توفي بالتزاماتها التعاقدية مع لبنان في حفر بئر استكشافية في الرقعة المذكورة ضمن مهلة 3 سنوات إضافية.
هذه الشركة، بطبيعتها، هي شركة تبغي الربح، وهي شركة «كاسرة» بمعنى أنها «متوحّشة» وتحاول إخضاع كل دولة تعمل لديها من أجل تحقيق أقصى ربحية ممكنة لها، وتسعى دائماً إلى إرساء استراتيجيات ترسمها بنفسها لنفسها. لكن هل يجب أن يخضع لبنان لما تسعى إليه هذه الشركات وغيرها من «الكواسر»؟

أنقر على الرسم البياني لتكبيره

المشكلة أن في لبنان «كواسر» محلية أيضاً. وهي ليست عبارة عن شركة، بل عن أفراد ولاعبين سياسيين وحقوق طائفية ومذهبية وسماسرة... فبدلاً من أن تخصّص هيئة إدارة قطاع البترول اجتماعاتها لمساءلة الشركة عن تقصيرها ورسم استراتيجية للتعامل معها والتوصية بمحاسبتها، انشغل أعضاء الهيئة في «استقناع» أنفسهم بمبرّرات الشركة. فالمحضر الوارد في الملف المرفوع إلى مجلس الوزراء حول طلب «توتال» وأصحاب الحقوق، تمديد فترة الاستكشاف لمدّة ثلاث سنوات، لا يتضمن أي نقاش فعلي في ما قامت به أو يفترض أن تقوم به الشركة ومستقبل القطاع في ظل عدم قيامها به، بل يغوص الأعضاء في تبرير كلام الشركة وذرائعها الأربع (انظر الرسم) ويتعاملون معها كأنها وقائع مقدّسة ويصفونها في المحضر بأنها «أسباب خاصة». في المحضر الأول يعرض في العديد من الصفحات ما طلبته الشركة وما يقوله القانون لتصدر الهيئة توصية بإحالة الموضوع على هيئة التشريع والاستشارات. الموضوع المطروح هو تمديد المهل لفعل تعليق المهل بسبب جائحة كورونا، والواقع القانوني للتمديد للشركة. وبالاستناد إلى رأي هيئة التشريع والاستشارات تتم إحالة توصية تتبنّى ذرائع الشركة وحججها عن الفشل، بالموافقة على التمديد مع مشاريع تمديد العقود!
في الواقع، ما يقوم به أعضاء الهيئة مجتمعين، يمكن القيام به من خلال كاتب أو كاتب أول في ديوان المحاسبة. فهؤلاء لديهم خبرة واسعة في النظر إلى القوانين ونسخها من العقود والقوانين والمراسيم، لتحويلها إلى مواد معروضة في تقارير. حتى هؤلاء لديهم قدرات أعلى من ذلك، إذ لديهم القدرة على اكتشاف الثغرات والتواطؤ والغشّ، إذا أرادوا. أما أعضاء الهيئة، فهم: سائرون وهم نيام. يتقاضون بدلات من الأعلى في الجمهورية اللبنانية من أجل رسم استراتيجية للقطاع والإشراف على تطبيقها.
الشركة الفرنسية عبّرت عن خيبة أملها من البئر الاستكشافية في البلوك 4 لتستنتج بأن البلوك 9 «صار هامشياً»


والصحيح أيضاً أن هذا النوع من الجهل، وإن بدرجة أقلّ، ينسحب على الحكومة وعلى وزرائها. لكن بعض هؤلاء يعلم عمّا يدور النقاش، ويعلم الأهداف، ولكنه اختار الانصياع إلى رغبات الشركة «المتوحّشة»، أو إلى رغبات فرنسية سياسية، أو يحاول صياغة «رغباته» على قياس الرغبات الفرنسية. فالنقاش الدائر مثلاً حول عدم تقديم الشركة الفرنسية تقريرها النهائي بشأن البئر الاستكشافية التي حُفرت في الرقعة 4، والتي قيل بأنها لا تتضمن كميات تجارية ليس محل نقاش. لكنّ الشركة الفرنسية «المتوحّشة» تتجرأ على التذرّع بتقديراتها لما هو موجود في البئر المحفورة، لتتباطأ في الشق المتعلق بحفر البئر الاستكشافية في البلوك الرقم 9. أما هيئة إدارة قطاع البترول ومجلس الوزراء، فيقفان على الناصية ويمدّدان للشركة كأن الأمر لا يعنيهما. المشكلة هنا لا تقتصر على ما يمكن القيام به عند حفر البئر الاستكشافية في هذه الرقعة، بل في أن هذا الحفر، ورغم أنه لا يمثّل بأي شكل من الأشكال عامل إنقاذ من الأزمة ومن مفاعيل الانهيار على الاقتصاد والمجتمع، إنما هو طاقة أمل للمستقبل. ربما سننتظر كل هذا الوقت حتى أيار 2028 من دون الحصول على جواب الاستكشاف لأن مصالح الشركة والأطراف المحلية ستتفق دائماً على المصالح العامة. الشركة تربط العملية بسياسات بلدها الأم، وغالبية القيادات في لبنان تربط نفسها بسياسات مماثلة في الخارج.