تُعرّف الثروة العامة على أنها مجموع الأصول العامة المملوكة للحكومة، والتي تشمل الأصول المالية، والأصول التجارية العامة مثل الشركات والعقارات التجارية، والأصول العامة غير التجارية مثل الطرقات، مطروحاً منها الدين الحكومي. وتُستخدم كلمة «العامة» بالمعنى المالي، أي الثروة التي تمتلكها مختلف مستويات الدولة. ومن المهمّ عدم الخلط بين «الأصول العامة» و«الممتلكات العامة»، إذ إن هذه الأخيرة تُشير عادةً إلى الأصول والموارد المتاحة للجمهور بأكمله للاستخدام، مثل الحدائق العامة. ما يهمنا في مجال البحث الحالي هو الأصول التجارية العامة، أي العمليات التي تدرّ دخلاً (لا يقوم بصورة أساسية على الضرائب) ويمكن إعطاؤها نوعاً من القيمة السوقية إذا نُظّمت واستُخدمت بالشكل المناسب. وتشمل هذه الأصول: الشركات المملوكة من الدولة، المؤسّسات المالية، العقارات، البنية التحتية التي تدرّ رسوماً أو مرتبطة بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، نشاط تجاري غير مؤسّسي (مثل مرافق المياه).

96%

هي نسبة ما تمثّله سلف الخزينة لمؤسسة كهرباء لبنان من مجمل النفقات التي تتكبدها الدولة على المؤسسات المملوكة لها

صُنّفت أكثر من 110 مؤسسات في لبنان بأنها «مؤسّسات عامة» حكومية تتمتّع بالاستقلال الإداري والمالي وتخضع لوصاية «وزير» محدد، لكن لا يمكن تصنيفها كلّها كشركات مملوكة للدولة. وتتّخذ إدارة هذه المؤسّسات العامة شكل مجلس أو هيئة أو مؤسسة أو محكمة أو غير ذلك. وهي تتميّز عن الشركات المملوكة للدولة بأنها: (1) تتمتّع باستقلال إداري ومالي؛ (2) تخضع لسيطرة الحكومة جزئياً أو كلّياً؛ (3) تشارك في نشاطات ذات طابع تجاري ومدر للإيرادات. واستناداً لهذه المعايير، فإن محفظة الدولة اللبنانية من الأصول التجارية العامة تشمل مجموعة واسعة من الأصول التشغيلية من ضمنها البنية التحتية الخاصة بالاتصالات، مثل شبكة «أوجيرو» للهاتف الثابت والإنترنت وشبكتَي «ألفا» و«تاتش» للهاتف المحمول؛ ومؤسسة كهرباء لبنان المسؤولة عن إنتاج التيار الكهربائي وتوزيعه على المشتركين؛ فضلاً عن أربعة مرافق للمياه. وتملك الحكومة أيضاً شركة طيران الشرق الأوسط، ومطارَي رفيق الحريري ورينيه معوّض، ومرافئ بيروت وصيدا وطرابلس وصور، وكازينو لبنان، وإدارة حصر التبغ والتنباك (الريجي)، وشركة إنترا للاستثمار، وبنك التمويل، ومنشأتَين للنفط في طرابلس والزهراني.

أداء الشركات المملوكة للدولة
1. الأداء الإداري والحوكمة للشركات المملوكة للدولة
تعاني ممارسات الإدارة والحوكمة للشركات المملوكة للدولة من شوائب متعدّدة أبرزها:
• عدم وجود تعريف قانوني محدّد وواضح للشركات المملوكة للدولة.
• تشتّت البيانات المالية للشركات وعدم اتّساقها.
• عدم إطلاع وزارة المالية على الحسابات السنوية لتلك الشركات وكذلك على الدفعات والالتزامات.
• ضعف قدرات التخطيط في الشركات المملوكة للدولة، الذي يزيد من إضعاف عملية وضع الميزانية ويضعف آليات إعداد ميزانياتها.
• تشتّت وعدم توحيد أنظمة ممارسات المحاسبة وإعداد التقارير المالية الخاصة بهذه الشركات.
• خضوع عملية تعيين أعضاء مجالس الإدارة للمحسوبيات والمحاصصة والطائفية وليس للكفاءة والجدارة، ما ينعكس ضعفاً في الأداء ونوعية الخدمات المقدمة.
• عدم التزام الشركات المملوكة للدولة بإرشادات الحوكمة للشركات المملوكة للدولة المعمول بها في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
• عدم وجود هيئات ناظمة تشرف على عمل المؤسّسات العامة بما فيها قطاعا الاتصالات والكهرباء، إذ إنّ معظم السلطات التنظيمية التي تهدف إلى الإشراف وتوفير بيئة تنافسية لعمل الشركات المملوكة للدولة إما مختلّة (مثل هيئة تنظيم الاتصالات) أو لم تتحقّق بعد (مثل هيئة تنظيم الكهرباء).
• ما زال عدد كبير من الشركات المملوكة للدولة تعمل خارج الموازنة العامة وتدير مبالغ كبيرة من الأموال العامة، ما يُضعف الرقابة والمساءلة في إدارة هذه الأموال.
2. الأداء المالي
يظهر الأداء المالي للشركات المملوكة للدولة كبند واحد في الميزانية اللبنانية، مع صافي رصيدها المتاح للمواطنين فقط، إما تحت قسم الإيرادات في حالة وجود رصيد صافٍ إيجابي، وبالتالي هي تدرّ إيرادات للدولة، أو تحت قسم النفقات في حالة وجود رصيد سلبي في هذه الشركات يتم تغطيته عبر سلف خزينة. شكّلت الإيرادات العامة المتأتّية من المؤسّسات المملوكة من الدولة ما بين 11% و16% من مجمل الإيرادات الحكومية بين عامَي 2015 - 2020. وتُشكّل الإيرادات من وفر موازنة الاتصالات السلكية واللاسلكية الجزء الأكبر من هذه الإيرادات. وبحسب موازنة عام 2022 تُقدّر إيرادات المؤسّسات المملوكة للدولة بنحو 341 مليار ليرة من أصل إيرادات عامة إجمالية قيمتها 39.154 مليار ليرة، علماً بأنه لا يتم تقدير الإيرادات المتأتية من وفر موازنة الاتصالات السلكية واللاسلكية وغيرها من المؤسّسات نتيجة تقلّبات أسعار العملة المحلية. وفي المقابل تتكبّد الموازنة أكلافاً باهظة نتيجة عمل هذه المؤسسات، وخصوصاً بسبب سلف الخزينة لمؤسّسة كهرباء لبنان. مثلت هذه السلف نحو 8% بالمتوسط من مجمل الإنفاق العام بين عامَي 2015-2020.
وبحسب المنهجية أعلاه الرامية إلى فصل الإيرادات المتأتّية من الشركات المملوكة للدولة ومجموع إنفاق الدولة عليها، يتبيّن أن هناك فائضاً لصالح المؤسسات المملوكة للدولة ما يعني أنّ الإنفاق عليها تتمّ تغطيته من الإيرادات المتأتّية منها وليس من أي بند ضريبي آخر.



تجارب الدول
تطوّرت ترتيبات الملكية مع مرور الوقت إذ تغيّر شكل الشركات المملوكة للدولة مع سعي الحكومات إلى تحسين قدرتها الإنتاجية. ويمكن تصنيف أربعة نماذج للملكية على النحو الآتي:
• النموذج اللامركزي، حيث تتوزّع مسؤوليات الملكية بين الوزارات التنفيذية المختلفة.
• النموذج المزدوج، وهو أحد أشكال النموذج اللامركزي، حيث يُعهَد لوزارة ثانية، مثل وزارة المالية، مسؤوليات معيّنة، بالإضافة إلى الوزارات التنفيذية.
• النموذج الاستشاري، حيث تظل الملكية مشتّتة ولكن يجري إنشاء هيئة استشارية أو تنسيقية لتقديم المشورة للوزارات.
• النموذج المركزي، حيث تتركّز مسؤوليات الملكية في كيانات تكون مستقلّة أو قد تقع ضمن الحكومة.
أ. الإدارة اللامركزية للشركات المملوكة للدولة
تتركّز مسؤولية إدارة الشركات ضمن هذا النموذج تحت سلطة وزارات تنفيذية متعدّدة بحسب طبيعة القطاع الذي تنتمي إليه الشركة. فعلى سبيل المثال، تخضع شركة الكهرباء المملوكة للدولة لوصاية وزارة الطاقة والمياه، وتخضع شركتا الاتصال لوصاية وزارة الاتصالات. وهذا النموذج هو المعتمد حالياً في لبنان وكثير من دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويؤخذ على هذا النموذج الكثير من الشوائب منها:
1. تعدّد مهامّ الوزير المسؤول عن الشركة المملوكة، فهو تارة منظّم وتارة مالك، أو صانع قرار، ما قد يؤدّي إلى تضارب المصالح والإضرار بالبيئة التنافسية الضرورية للعمل.
2. تأثّر الوزير وبالتالي عمل المؤسّسة العامة تحت وصايته، بالنزاعات والميول السياسية...
3. عدم وجود رقابة موحّدة على قطاع الشركات المملوكة للدولة ككل.
4. تميل الوزارات إلى التركيز على تحقيق الشركات المملوكة للدولة للأهداف التشغيلية بمعزل عن أدائها المالي. كذلك، غالباً ما تفتقر الوزارات إلى الموظفين ذوي الخبرة التجارية والمالية لإدارة ممتلكات الدولة بشكل صحيح. ويرجّح أن تختلف المهارات والخبرات اللازمة لتشغيل وزارة بحدّ ذاتها عن تلك اللازمة لتشغيل أو مراقبة الشركات المملوكة للدولة ما يؤدّي إلى تشتّت مهارات الملكية النادرة والقدرات حيثما وجدت.
ب. الإدارة المزدوجة للشركات المملوكة للدولة

أنقر على الجدول لتكبيره

نموذج الإدارة المزدوجة، هو أحد أشكال النموذج اللامركزي، إذ قد يكون لوزارة ثانية مثل وزارة المالية، مسؤوليات معيّنة، بالإضافة إلى الوزارات التنفيذية التي تمثل سلطة الوصاية على الشركات المملوكة للدولة. يوفّر هذا النموذج رقابة مالية شاملة على الشركات المملوكة للدولة ويساعد الدولة على تقييم إيراداتها بشكل واضح. إلا أن هذا النموذج لديه بعض الشوائب وهي: تركيز وزارات المالية عادةً على المسائل المالية والمتعلقة بالميزانية مع افتقارها إلى السلطة والقوّة التي تتمتع بها الوزارات التنفيذية على الشركات المملوكة للدولة، فضلاً عن القدرة على العمل كمالك ومدافع قوي عن إصلاحات الشركات المملوكة للدولة. كما أن هذا النموذج مماثل للنموذج اللامركزي لجهة السماح بالتشتّت المستمر لوظائف إدارة هذه الشركات، مثل تعيين مجلس الإدارة، وقرارات التخطيط والاستثمار، ومراقبة الأداء.
ج. النموذج الاستشاري
يتضمّن النموذج الاستشاري إنشاء هيئات استشارية أو تنسيقية للمساعدة في إضفاء الطابع المهني على دور ملكية الدولة وتعزيز ممارسات الحوكمة الرشيدة في المؤسّسات العامة، وتحقيق الاتساق للشركات المملوكة للدولة ككل. تهدف هذه الهيئات أيضاً إلى دعم التعلّم وتبادل الخبرات بين الشركات المملوكة للدولة، وفي بعض الحالات، البدء في الانتقال من نموذج لامركزي إلى نموذج مركزي بالكامل. وتختلف الوظائف المحدّدة للهيئات الاستشارية والتنسيقية من دولة إلى أخرى، إلا أنها تقدّم بشكل عام المشورة بشأن الحوكمة والأداء للوزارات والحكومة.
د. النموذج المركزي
في هذا النموذج تتركّز مسؤوليات الملكية للشركات في كيان أو كيانات قد تكون مستقلّة أو تحت سلطة الحكومة المركزية. يُنظر إلى الأهداف الرئيسية للنموذج المركزي للملكية، بشكل متزايد، على أنه ممارسة جيدة لإدارة الشركات المملوكة للدولة لتحقيق الآتي:
• فصل وظائف ملكية الدولة عن وظائف صنع السياسات والوظائف التنظيمية أو الإشرافية للمساعدة في تجنّب أو تقليل التضارب المحتمل للمصالح.
• تقليل نطاق التدخّل السياسي وتحقيق قدر أكبر من المهنية لدور ملكية الدولة من خلال تجميع القدرات المتخصّصة والموارد النادرة.
• تحقيق المزيد من التماسك والاتساق في تطبيق معايير حوكمة الشركات وفي ممارسة دور ملكية الدولة في جميع الشركات المملوكة للدولة.
• إدارة أصول الدولة بما يحمي حقوق المساهمين.
هناك فائض لصالح المؤسسات المملوكة للدولة ما يعني أنّ الإنفاق عليها تتمّ تغطيته من الإيرادات المتأتّية منها


• تحقيق قدر أكبر من الشفافية والمساءلة في عمليات الشركات المملوكة للدولة من خلال تحسين الإشراف ومراقبة الأداء.
وتنحصر أنواع الترتيبات المركزية والوظائف الرئيسية ضمن شكلين أساسيّين من الكيانات المركزية: (1) وكالات حكومية تخضع لسلطة الحكومة المباشرة؛ و (2) هياكل تنظيمية من نوع شركات، مثل الشركات القابضة أو شركات الاستثمار، التي لها هويّات قانونية منفصلة واستقلال أكبر عن الحكومة.
(1) بالنسبة للكيان الأول هناك عدّة نماذج عن إدارة الشركات المملوكة للدولة تحت إطار هيئة أو وكالة مركزية للدولة وهي كالآتي:
- وزارة قائمة بذاتها؛ إنشاء وزارة قائمة بذاتها تكون مسؤولة عن إدارة الشركات المملوكة للدولة. إذ كان الهدف من إنشاء الوزارة هو تحقيق الاتساق والرقابة على القطاع ككل.
قسم أو وحدة داخل وزارة مركزية؛ غالباً ما يكون هذا النهج أسهل من إنشاء وزارة جديدة وغالباً ما تكون وزارة المالية هي الوزارة المنشودة لإنشاء هذه الوحدة.
- وكالة مستقلة تُعنى بإدارة مؤسّسات الدولة المملوكة من الدولة: من خلال مؤسّسة قائمة بذاتها أو وكالة متخصصة، تحت السيطرة المباشرة للسلطة التنفيذية أو مجلس الوزراء. وتختلف الصلاحيات والوظائف المحددة للوكالات الحكومية المعنية بإدارة مؤسسات المملوكة للدولة باختلاف الدولة.
(2) بالنسبة للكيان الثاني المتعلق بهياكل تنظيمية من نوع شركات، فإن هذه الكيانات تتمتع بهوية قانونية منفصلة وهيئات حوكمة خاصة بها، بما في ذلك مجلس الإدارة والمسؤول التنفيذي الأول عن قرارات الاستثمار. بشكل عام، تنقسم هذه الهياكل إلى فئتين عريضتين رغم أن لها خصائص متشابهة: (1) هيكل شركة قابضة مسؤول بشكل رئيسي عن إدارة الأصول في المحفظة؛ (2) هيكل شركة استثمارية يعمل أيضاً كمستثمر استراتيجي للحكومة.
- الشركات القابضة: هي كيانات تنشئها الدولة بهدف التمويل المباشر للشركات المملوكة للدولة أو دمج شركات قائمة وبالتالي ممارسة سيطرة أكبر على مواردها المالية و/ أو الإدارة أو الرقابة التشغيلية عليها. وغالباً ما ينظمها القانون الخاص وتتمتع باستقلالية مالية وإدارية.
- شركات الاستثمار: على عكس الشركات القابضة التقليدية، تؤدّي شركات الاستثمار الحكومية بشكل عام دوراً نشطاً كمستثمر استراتيجي للدولة. ويوجد هذا النوع من الشركات في عدد قليل من الأسواق في البلدان المتقدمة والناشئة التي تتمتع بأداء أفضل للشركات المملوكة للدولة وقدرات مؤسّسية أكبر.

من أبرز النماذج التي يمكن استخدامها نموذج مركزية الملكية ضمن كيان أو هيكل على شكل «صندوق الثروة الوطني»


من أبرز الأمثلة على هذه الشركات في العالم ما يُعرف بصناديق الثروة السيادية Sovereign Wealth Funds أو صناديق الثروة الوطنية National Wealth Funds. وكانت الكويت أول دولة ذات سيادة أنشأت صندوق استثمار خاصاً بها في عام 1953، فقد أسّست الهيئة العامة للاستثمار الكويتية لإيراداتها النفطية الهائلة. ومنذ عام 2000، ازداد عدد صناديق الثروة السيادية بشكل كبير، لتبلغ قيمتها السوقية المجمّعة نحو 10 تريليون دولار في عام 2021. أما الفرق بينهما، فهو مماثل للفرق بين صناديق الأسهم الخاصة Private Equity وصناديق التحوّط Hedge Funds. ففي شركات الأسهم الخاصة تتجه استراتيجيات الاستثمار نحو استثمارات طويلة الأمد ومجال اهتمامها هو مشاريع مستمرة وكبيرة النطاق أو غيرها من الأصول الملموسة التي لا يمكن تحويلها بسهولة إلى نقد. ويتحكم فيها مديرو الصناديق بشكل أكبر ويؤثّرون على العمليات وعلى تطوير الأصول أو على إدارتها لتوليد عوائد أكبر على المدى الطويل. في المقابل، تركّز صناديق التحوّط على الأوراق المالية السائلة قصيرة أو متوسطة الأجل التي يمكن تحويلها بسرعة إلى نقد، ولا يكون لها سيطرة مباشرة على الأعمال أو الأصول التي تستثمر فيها.

خريطة طريق محلية
هذا العرض حول ترتيبات ملكية للشركات المملوكة من الدولة، هو بمثابة خريطة طريق لتحديد النظام الأمثل لاختيار ترتيب الملكية الذي يناسب المرحلة الراهنة التي يعيشها لبنان، وبالتالي كيفية تعظيم وتعزيز إيرادات المؤسّسات المملوكة للدولة. ومن أبرز النماذج التي يمكن استخدامها نموذج مركزية الملكية ضمن كيان أو هيكل على شكل شركة تحت عنوان «صندوق الثروة الوطني» الذي توضع فيه كل الشركات المملوكة من الدولة تحت سيطرة شركة حكومية واحدة تديرها بالأساليب المعتمدة في القطاع الخاص وبما يحمي حقوق الأجيال الحالية والمستقبلية. ومن أبرز إيجابيات هذا النموذج أنه: يتمتع بأعلى درجات الاستقلالية عن التدّخل السياسي ويخضع لأنظمة القطاع الخاص، ما يعني ضمناً متطلبات شفافية إضافية. كما أن هذه الشركة لا تخضع لقيود الموازنة العامة ما يوفر المرونة في جذب الكفاءات من الخبرات العالمية.
إلا أنّ اعتماد هذا النموذج يتطلّب شروطاً معيّنة منها:
1. وضع إطار شامل يجيب عن الآتي: ما هي الشركات التي تشكّل بالفعل قطاع الشركات المملوكة للدولة؟ ما هي أهدافها؟ هل تحقّق؟ هل يعقل إبقاؤها تحت ملكية الدولة؟ كيف يتم تنظيمها؟ ما هي المشكلات التي تطرحها؟ هل تتمتع بالكفاءة اللازمة؟ هل يمكن أن تكون أكثر كفاءة؟ في الوقت نفسه، من المهم النظر في الخطوات والمراحل والمجالات التي تحتاج إلى معالجة: التنظيم، والملكية، وحوكمة الشركات، والمعلومات، والأنظمة، والسياسات الداخلية، من بين أمور أخرى.
2. دعم سياسي رفيع المستوى والقدرة على الحوار مع الجهات الفاعلة الأخرى: يجب أن ينعكس هذا الدعم داخلياً وخارجياً (على سبيل المثال، من خلال تشجيع المنافسة، وتحفيز نموّ سوق رأس المال، وضمان استقلالية الهيئات التنظيمية، وما إلى ذلك). في المجال الداخلي البحت، لم يعد ممكناً استخدام هذا الدعم كأداة لتحقيق أهداف أخرى غير تلك المذكورة.
3. وجود الأنظمة والقوانين المناسبة التي تضبط الأنظمة التشغيلية وتمكّن من الثبات حيال التغييرات السياسية.
4. وجود موارد كافية: يجب أن يكون لدى الشركة موظفون أكفاء ومؤهّلون ضمن آليات توظيف عامة شفّافة. بالإضافة إلى موارد مالية مستدامة.
5. وجود نُظم المعلومات المناسبة الضرورية للشفافية الداخلية والخارجية تماماً كتلك التي تتطلّبها الشركات المدرجة في أسواق رأس المال.
6. وجود أنظمة وأجهزة رقابة مستقلّة: ينطبق ذلك على كل من الشركة التابعة والشركة القابضة، بما في ذلك مجالس إدارتها.



الفرق بين صندوق الثروة السيادية وصندوق الثروة الوطني
في صندوق الثروة السيادية (SWF) يتولّى مدير الصندوق مسؤولية الاهتمام بإدارة السيولة الاحتياطية المتأتية في الغالب من إيرادات الثروات الطبيعية أو فوائض التبادل التجاري وفصلها عن الموازنة العامة. وعادة ما يتم استثمار هذه العوائد في الأصول المالية مثل الأسهم والسندات وغيرهما، وغالباً ما تكون وجهة هذا الصندوق الأسواق الصاعدة. الهدف الأساسي لإدارة هذا الصندوق هو تعظيم العوائد المتأتية من هذه المحفظة ضمن سياسة استثمارية تسمح بتحقيق التوازن ما بين المخاطر والعوائد. يمكن إنشاء صندوق لاستثمار العائدات المستقبلية من قطاع النفط والغاز في لبنان.
أما في صندوق الثروة الوطنية (NWF)، فإن مدير الصندوق يتولّى مسؤولية إدارة الأصول التشغيلية في القطاعات المختلفة. فيتم تجميع هذه الأصول كمحفظة عند الصندوق ويتم تقييمها استناداً إلى أسس تقييم الشركات.
ويهدف الصندوق إلى تعظيم قيمة هذه المحفظة من خلال إدارتها بشكل فعّال ما ينعكس إيجاباً على الاقتصاد وخصوصاً إذا كانت هذه الشركات تعمل في قطاعات حيوية، ما يعني تحسّن الخدمات المتاحة للمواطنين، وتحقيق عائدات من هذه المحفظة للحكومة ما يسمح بتوظيفها في نشاطات إنتاجية أخرى.