أقرّ مجلس الوزراء الأسبوع الماضي خطّة الكهرباء بنسختها الثالثة، والتي سمّيت بـ «الخطة الوطنية للنهوض المستدام بقطاع الكهرباء في لبنان». بهذا الإقرار، أزيلت عقبة أمام تمويل اتفاقيّتي استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن مع البنك الدولي. فهذا الأخير اشترط وجود خطة بجدول زمني محدد قبل إقرار التمويل، لا بل وربطه بتطبيق الإصلاحات، على أن تخضع الخطة لتقييم على مراحل لضمان التنفيذ وجدولة الدفعات. لكنّ إقرار الخطة لا يكفل أبداً وصول الكهرباء، في ظلّ غياب الضوء الأخضر الأميركي لإعفاء مصر والأردن من مفاعيل قانون قيصر لتمرير الغاز والكهرباء عبر سوريا، إذ إنّ هذا الأمر مرتبط -بطريقة أو بأخرى- بنتائج المفاوضات الجارية لترسيم الحدود البحرية.
أنجل بوليغان ــ المكسيك

لا شكّ بأن خطة الكهرباء المقرّة تتضمّن تطوّراً في الرؤية العامّة للقطاع، بل تطرح مواضيع كان يصعب مقاربتها سابقاً، ولا سيّما لجهة تعيين الهيئة الناظمة وتطبيق القانون 462/2002 وخطة الإنتاج الأقل كلفة (Least-cost generation plan). ويُعتقد بأن هذا التطوّر سببه أن هذه المسائل أصبحت مطروحة في سياق المفاوضات مع الجهات المانحة. لكن قراءة شاملة لكلّ مندرجات الخطّة، تُظهر أن فيها «تذاكياً» و«غموضاً» مقصودين بما يكفي لإثارة علامات الاستفهام حول آفاق تطبيقها ما بعد بندَي مصر والأردن، أي بعد انتهاء المرحلة الأولى. في ما يلي تفنيدٌ لأبرز مندرجاتها التقنية والملاحظات حولها.

في الإنتاج
يتفرّع النقاش في موضوع الإنتاج على ثلاث محاور أساسية: بناء معامل الإنتاج الجديدة، استقدام معامل إنتاج مؤقتة ومحطات التغويز.
- بناء معامل الإنتاج الجديدة: تطرح الخطّة بناء ثلاث معامل إنتاج جديدة بين عامَي 2022 و2026 بقدرة 825 ميغاواط لكلٍّ منها، وعلى أساس توربينات ذات مصادر طاقة ثلاثية (تعمل بواسطة الغاز الطبيعي، والفيول «HFO»، والديزل). كما حدّدت مواقع هذه المعامل في دير عمار، وفي الزهراني، بالإضافة إلى موقع ثالث على الساحل الشمالي كما عدّله مجلس الوزراء بعدما كان محددّاً في سلعاتا. تنطلق هذه المعطيات من دراسة البنك الدولي وشركة EDF حول مصادر الطاقة الأقل كلفة (Least-cost generation plan) لتحديد حاجة لبنان ومصادر طاقته للعام 2030 بما في ذلك الطاقات المتجدّدة. يتم ذكر الدراسة في عدّة فقرات في الخطة ويتم التطرّق إلى نسخة أيلول 2021 منها ولكن من دون نشرها للرأي العام والأخصائيين للاطلاع عليها.
قد يكون الحديث تقنيّاً هنا، ولكن الحديث عن توربينات ذات مصادر طاقة ثلاثية يؤدي إلى الاعتماد على توربينات من فئة (Class E) التي تصل إلى حدود الـ800 ميغاواط كحد أقصى، فيما يمكن الاعتماد على مصادر طاقة ثنائية المصادر (غاز طبيعي، والفيول) بحدّ أقصى يبلغ 1000 ميغاواط وفق التوربينات من فئة الـClass F، أي يمكن الاستغناء عن معمل ثالث. هنا يصبح السؤال مشروعاً حول سبب إبقاء المازوت diesel كمصدر طاقوي لمعامل الكهرباء في العام 2022، علماً بأنه من أغلى مصادر الطاقة وأكثرها تلويثاً. كذلك، يتبيّن أن تغطية حاجة لبنان الفورية من الطاقة لسدّ العجز، تقدّر بنحو 2000 ميغاواط، أي إنشاء معملَين بقدرة 1000 ميغاواط لكل منها في حالة الـ Class F، وليس ثلاث معامل في حالة الـ Class E. لذا يمكن، لا بل يجب، إطلاق مناقصتَي معملَي دير عمار والزهراني سويّاً وليس توالياً كما تذكر الخطّة.
- معامل الإنتاج المؤقتة: تطرح الخطّة استجلاب محطّات إنتاج مؤقتة ومتحرّكة بين 2022 و2023 بقدرة 520 ميغاواط لوضعها في دير عمار وتكون عاملة على الغاز، ما يتطلب زيادة كمية الغاز المستجرّة من مصر. وقد حددّت الخطة أيضاً مصادر هذه المحطات حصراً من مصر، أو من الولايات المتحدة الأميركية، بكلفة مقدرة بنحو 12 سنتاً لكل كيلواط ساعة (مثل البواخر)، إلا أنّها لم تتضمن أي شرح إضافي حول كيف ومن أين سيتمّ تسديد قيمتها، ولا قيمة الغاز الإضافية التي ستحتاجها. فبالاستناد إلى تجربة لبنان السابقة مع المعامل المؤقتة، يفترض توجيه السؤال الآتي: ألا يجدر الذهاب مباشرة إلى الحلول الطويلة الأمد ووضع الحلول المؤقتة والمكلفة جانباً؟
- محطات التغويز: في ظل فرضية وصول الغاز المصري إلى دير عمار، تنتفي الحاجة إلى وجود محطّة تغويز في دير عمار، إلا أنّ الخطّة تتضمن إنشاء محطة تغويز في معمل الزهراني القديم خلال الفترة 2022/2023، وتُشير إلى أن المباحثات جارية مع Qatar Petroleum وTotal لهذا الغرض. أليس من المنطقي، والأكثر وفراً، إطلاق مناقصة محطة التغويز من ضمن مناقصة المعمل الجديد الذي سيُقام في الزهراني مباشرةً، وبالتالي يكون لدى لبنان محطة تغويز في الزهراني والغاز المصري في دير عمار، على أن يتم ربط معمل دير عمار والمعمل الثالث على الساحل الشمالي المنوي إنشاؤه لاحقاً من خلال خط أنابيب ساحلي، من دون الحاجة إلى محطة تغويز مقابل كل معمل.

في التوزيع ومقدّمي الخدمات
تطرح الخطّة تمديد العقود الحالية لمقدّمي الخدمات الأربعة المسؤولين عن التوزيع لغاية أيار 2023 عملاً بالقانونين 65 و185 المتعلقَين بتعليق المهل، إلا أنها تطرح أيضاً توسيع صلاحية هذه الشركات ومنحهم استقلالية أكبر، وذلك بعد تعديل المراسيم المتعلقة بمؤسّسة كهرباء لبنان. وفي هذا الإطار، تُطرح علامة استفهام عمّا إذا كان يجب مراجعة هذه العقود الممتدة منذ عام 2012 وتقييم أدائها بشفافية ومهنية قبل التمديد وتوسيع الصلاحيات. أمّا بالنسبة لعقود الشراكة مع القطاع الخاص Advanced PPP models المنصوص عليها في الخطة بدءاً من عام 2023، فلا تذكر شكلها وإطارها العام، في حين أن القانون 462/2002 واضح في هذا الإطار ويمكن تطبيقه بالتوازي مع إطلاق مشروع تشركة مؤسسة كهرباء لبنان في عام 2022، من خلال إنشاء شركات جديدة للتوزيع وبعقود جديدة أكثر صرامة.

في التعرفة وسعر الصرف
تقدّم الخطة دراسة لتعديل التعرفة الكهربائية، وخطة مشجّعة لاستعادة التوازن المالي في مؤسسة كهرباء لبنان، إلّا أنّ عاملَين متحرّكين يمكن أن يحولا من دون حسن تطبيقهما؛ ففي دراسة التعرفة، تم اعتماد سعر صرف الدولار على أساس 20.000 ليرة، واعتماد منصّة صيرفة لاحقاً. أمّا في الخطة المالية، فتم اعتماد سعر برميل نفط يوازي الـ80 دولاراً لكل برميل، وهما عاملين متحركين وغير ثابتين، قد يتغيرا أصلاً في فترة ما بعد إقرار الخطّة.

في التمويل
لا تأتي الخطة على ذكر مصادر التمويل التي من خلالها سيتمّ تطبيق كل هذه الإصلاحات والاستثمارات الضخمة، وما هي الخيارات البديلة في حال عدم الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي قريباً، وكم نحتاج من التمويل العام والخاص لكلّ معمل أو مشروع، ومن أين سنأتي بالأموال اللازمة للقيام بالاستثمارات المنصوصة في مجالَي النقل والتوزيع، وكيف ومن أين سيتمّ الدّفع للمتعهدين والشركات الفائزة وما هي الكفالات والضمانات المطروحة؟
تغطية حاجة لبنان الفورية من الطاقة لسدّ العجز، تقدّر بنحو 2000 ميغاواط، أي إنشاء معملَين بقدرة 1000 ميغاواط


في الطاقات المتجددة
تأتي مشاريع الطاقة المتجددة المذكورة في خطة 2022 لتكون عبارة عن نسخة، أو استمرارية لخطة 2019، إذ إنها تُعيد جدولة مشاريع الرياح (226 ميغاواط) والطاقة الشمسية الموزعة (180 ميغاواط)، بالإضافة إلى مشاريع جديدة أخرى لتكون المحصّلة نحو 1000 ميغاواط بحلول عام 2026. علماً بأنّ تقرير منظمة IRENA الصادر عام 2020 المتعلق برفع حصّة الطاقات المتجدّدة في لبنان إلى 30% من مجمل الطاقة المنتجة بحلول عام 2030، يُشير إلى وجوب تركيب نحو 4600 ميغاواط من الطاقات المتجدّدة، ما يعني الحاجة إلى الانتقال نحو المشاريع الضخمة وذي الجدوى، خصوصاً أننا لم نعد نملك الأموال اللازمة لشراء الفيول. لا يتم ذكر تقرير IRENA في الخطّة ولا حتى إمكانية إعادة النظر بالمناقصات التي سعّرت أو لُزّمت قبل الأزمة المالية.



بأي هدف مراجعة القانون 462؟
تتطرّق الخطة صراحة إلى وجود خللٍ في الإطار التنظيمي ناتج من غياب هيئة ناظمة مستقلّة وموثوقة تدير شؤون القطاع. وهي تحدّد جدولاً زمنيّاً لتعيين هذه الهيئة وتمكينها بحلول نهاية 2023، بالإضافة إلى تشركة مؤسسة كهرباء لبنان (فصل الإنتاج والنقل والتوزيع) بين عامَي 2022 و2026. هذا الجدول الزمني مطّاط ويُثير التساؤلات. قرّب مجلس الوزراء في جلسة الموافقة المهلة الزمنية لتعيين الهيئة الناظمة فأصبحت نهايةعام 2022، وهو شيء جيّد ومرحّب به، ففي دراسة صادرة عن معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت في تشرين الأول 2021، أبرز الباحثون والخبراء إمكانية تطبيق القانون 462/2002 كما هو، وتعيين الهيئة الناظمة وتشركة القطاع من خلال المراسيم اللازمة في مهلة سنة، على أن تشرف الهيئة بعد ذلك على كل مشاريع الإنتاج والتوزيع وإعطاء التراخيص اللازمة لذلك.
الأهم من ذلك، أنّ الخطة تطرح القيام بمراجعة شاملة لمندرجات القانون 462/2002 خلال عام 2022، ولكن من دون تحديد ما هي البنود أو الفقرات المنوي تعديلها وما هي التعديلات المطروحة من جرّاء المراجعة. وهنا، يُتخوّف أن تكون هذه التعديلات هي نفسها تلك التي كانت مطروحة في السنوات السابقة، والتي تتطرّق لصلاحيات الهيئة الناظمة وتضرب استقلاليتها، فنكون بذلك عيّنا الهيئة الناظمة من جهة، وكبّلناها بتعديلاتٍ قانونية من جهة ثانية وأخضعناها لأهواء السلطة السياسية.
إنّ الإطار التشريعي القائم حالياً، أي القانون 462/2002، قابل للتطبيق كما هو من دون تعديلات حالية، ويمكن أن تستتبعه تشريعاتٌ خاصّة لاحقة متعلقّة بالطاقات المتجددة أو بتمويل المشاريع وغيرها، وهي حالياً قيد البحث أصلاً.